حظيت المسائل المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها، وموقعها الإجتماعي، وتحررها، وتعلمها وتقديم الخدمات لها، ورغبة مشاركتها في العمل والإنتاج المادي للمجتمع، بمساحة واسعة من اهتمام الفكر الإنساني (1)، ويرى الإمام الشيرازي أنها نصف البشر، بالنصف التقريبي لا العدد، والإسلام قد أعطاها حقها بما للكلمة من معنى، وبين واجبها ومالها وما عليها، بما فيه صلاح دنياها وآخرتها، فكل زيادة أو نقيصة فيها إفرطٌ أو تفريط.
ويضيف بقوله: إن الأصل في الإسلام التساوي بينها وبين الرجل إلا فيما استثني بالدليل لمصلحة رآها الشارع، فالحرية للمرأة مثل الحرية للرجل في كل أنواع المعاملة ونحوها، فلها الحرية في العمارة والزراعة والتجارة والثقافة وغيرها (2).
ويقول الإمام الشيرازي منذ بداية التاريخ تكونت العائلة أول ما تكونت، من زوج وزوجة، قال سبحانه وتعالى: ( وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )، فقد كان آدم وحواء، ثم ولداهما هابيل وقابيل، وخلق الله لهما زوجين جديدين فلما تزوجا بهما، صار أولادهما أبناء عمومة، وهكذا صار التوالد إلى اليوم (3).
إن اهتمام الإسلام بالمرأة ككائن بشري، جعلها ذا منزلة اجتماعية بعد أن كانت تعامل أسوأ المعاملات، ومسلوبة الإرادة والرأي، رغم أن هناك أمثلة كثيرة توضح دورها في حركة التاريخ وبناء أولى لبنات المجتمع الإسلامي حديث التكوين، وهي فاطمة الزهراء(ع)، حيث اشتركت في الجهاد في سبيل الله بالمعنى الأعم، أي الجهاد الذي كان عليها، مثل الجهاد في الشُعُب، وكان ذلك من أعظم الجهاد (4).
فالإسلام وضع اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وكان الفرد هو أحد تلك اللبنات، ويقول الإمام الشيرازي: أن بصلاح العوائل تصلح وبفسادها تفسد، فتنقية العائلة وتوجيهها إلى الرشاد، تقع في منتصف الطريق، بين صلاح الفرد والمجتمع، الفرد ثم العائلة، ثم المجتمع، ولما كان للعائلة أدب خاص، وميزات مخصوصة.. أرصد لها الإسلام لها شطراً مهماً من التخطيط والتحديد، وعين لها أوامراً ووظائفاً، من أب يعطف، وأولاد يبرون، وأم تحن، وأخوة يتواصلون، وزوج يحسن، وزوجة تطيع.
إن الدين الإسلامي كرم المرأة بعد أن كانت الجاهلية تحتقر المرأة أكبر احتقار، وبقيت على حالتها المتردية، حتى جاء الإسلام فرفع شأنها، ووضعها في موضعها المناسب، وأعاد إليها كرامتها الإنسانية -عملياً لا شعاراً، كما يقول الإمام الشيرازي: فكان ذلك الإحترام من أسباب التفاف الناس حول الإسلام، حيث أنها تمثل أكثر من نصف المجتمع، وهذا له دوره وانعكاساته على أسلوب الحياة والمجتمع، ويعرض الإمام الشيرازي بعض المشكلات التي واجهت المرأة في المجتمع المعاصر مما أدى إلى احتقارها، حينما حرمها من التعليم ومن حقها في الإرث وحرم الكثير منهن من الزواج ومنعهن عن كثير من حقوقهن الأُخرى، فالتجأت المرأة إلى الثقافة الغربية كبديل عن الثقافة الإسلامية، متصورة إن الحضارة الغربية ستوفر لها ما فقدته في البلدان الإسلامية من حقوقه، ولكنها اكتشفت وبعد فترة قصيرة أن الغرب أساء لها إساءة كبيرة (5).
ومما وضعه الإسلام من أسس راسخة ظلت قائمة عبر القرون، هو استعطاف الإسلام الرجال نحو النساء، في قوالب عاطفية، وعبارات رقيقة استجلاباً للرحمة، واستمطاراً للود والألفة، حيث قال رسول الله (ص): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويضيف الإمام الشيرازي قوله: من طبيعة الإسلام لحقوق المرأة: إن تتكافأ الحقوق، وتقسم الواجبات، فللرجل على المرأة، ما للمرأة على الرجل، حيث يقول الله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) (البقرة: 228).
قد حدد الإسلام موقف كل من الزوجين تجاه الآخر، وأن الأذى سواء صدر عن الزوج أو الزوجة، وما كان لها من العقاب شدة وقسوة، تصفية للجو، وإخلاءً للبيت عن الأذى وتبعيداً للعائلة عن الانفصال(6).
المرأة وحضارة الغرب المعاصرة:
يقول الإمام الشيرازي: أن الغرب التف بعض الناس حوله، في قبال عدم التفافهم حول الإسلام الذي ينفع دنياهم وآخرتهم، مع العلم بأن الناس قد التفوا حول الإسلام في زمن الرسول (ص) وأقبلوا عليه أكبر قبال دين الغرب حيث قال عز وجل: ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً )(النصر: 2)، لأن الغرب أخذ يتظاهر بأنه عالج موضوع المرأة معالجة عصرية، بإعطائها الحرية، وإعطائها التساوي مع الرجل في كل الشؤون، ويستطرد الإمام الشيرازي قائلاً: بينما لم يكن هذا في الواقع علاجاً حقيقياً وواقعياً لموضوع المرأة، لذا نرى عقلاء الغرب أخذوا يتبرون من الفساد الذي سببه هذا العلاج الصوري، ويعتقدون بأنه فوضى.. بل الصحيح والمؤيد تاريخياً وتجريبياً هو: أنه لما جاء الرسول(ص) عالج موضوع المرأة معالجة واقعية وحقيقية، وأعطاها من الحقوق العادلة بما سبب التفاف الناس حول الإسلام.
ويضيف أن الغرب قد أعطى اليوم المرأة حرية مفسدة فساداً شاملاً، وعاث بشخصيتها، وجعلها بضاعة عادية ورخيصة، والى غير ذلك، ويعالج الإمام الشيرازي الأمر بقوله: اللازم إعطاء المسلمين للمرأة الحريات الإسلامية العادلة، التي منحها الإسلام إياها، لسد الباب على الحريات الغربية التي امتزجت بالإنحراف والفساد(7).
يعطي الإمام الشيرازي أدلة علمية مستمدة من الدين الإسلامي والقرآن الكريم بقوله: نعم لا أشكال في أن للمرأة بعض الخصوصيات والميزات، جعلها الله فيها بحكمته الدقيقة في سنن الحياة، فهي تمتاز على الرجل في درجات العطف والحنان، كما تختص بمراحل الحمل والرضاع، فإنها وإن اختلفت عن الرجل في بعض ما يرتبط بالخلق كأنوثتها وبعض أحكامها الخاصة، إلا أن القاعدة العامة بين الرجل و المرأة التساوي، إلا ما خرج بالدليل، ويتابع الإمام بقوله: من لاحظ تاريخ المرأة قبل الإسلام وقرأ أحوالها في الغرب والشرق إلى يومنا هذا، يرى عظيم اهتمام الإسلام بها، وكيف أعطاها حرياتها وكرامتها وعزها وشرفها، وكيف أخذ بيدها إلى ما يمكنها من التقدم في مختلف مجالات الحياة(8).
إن حضارة الغرب الغابرة (القديمة) مثل الإغريق، كانت تعد النساء من المخلوقات المنحطة التي لا تنفع لغير دوام النسل، وتدبير المنزل، فإذا وضعت المرأة ولداً ذميماً قضوا عليها ومن ذلك قول، (تروبولنغ):كانت المرأة السيئة الحظ التي لا تضع في اسبارطة ولداً قوياً صالحاً للجندية تُقتل، وقال أيضاً: كانت المرأة الولود تؤخذ من زوجها بطريق العارية لتلد أولاداً من رجل آخر، ولم ينل حظوةً من نساء الإغريق في دور ازدهار الحضارة اليونانية سوى بنات الهوى اللاتي كن وحدهن على شيء من التحرج.
ولم تألوا الحضارات القديمة في الشرق والغرب جهداً إلا وأظهرته عن مكانة المرأة ومدى تدنّيها، حتى كان جميع المشرعين يبدون مختلف أنواع القسوة على المرأة، ومن ذلك شرائع الهندوس التي جاء فيها: ليس المصير المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار بأسوأ من المرأة وفي التوراة كانت المرأة أكثر اضطهاداً، فقد ورد في سفر الجامعة أن : (المرأة أمّر من الموت)، وأن (الصالح أمام الله ينجو منها).
كذلك الحضارة الصينية القديمة تدلنا على مدى درجة احترام المرأة أو مستوى تقديرها حيث يقول المثل الصيني وهو خير دليل: (أنصت لزوجتك ولا تصدقها)، أما المثل الإيطالي فيقول: (المهماز للفرس الجواد والفرس الجموح، والعصا للمرأة الصالحة والمرأة الطالحة)، والمثل الإسباني يقول: (احذر المرأة الفاسدة ولا تركن إلى المرأة الفاضلة) ويستطرد الإمام الشيرازي بقوله: هذا ما ورد في شرائع اليونان والرومان وكذلك أحكام القوانين والديانات القديمة(9).
ويعرض الإمام الشيرازي حضارة الغرب قديماً وحديثاً، والأديان والمذاهب والشرائع المختلفة عرضاً تاريخياً وحضارياً، ثم يشير إلى ما خلفه الغرب من أضرار بنظام الأسرة، بقوله: الغرب رغم اعترافه بهذه الحقيقة الإنسانية، وتأييده لهذه التجربة العلمية التي أثبتت صلاحية نظام الأسرة في الإسلام لهذا العصر، وأفضليته لكل العصور حضارياً وبشرياً في الزمن الحاضر، إلا أنه أشاع في أوساط المسلمين، وروج بينهم ثقافة الميوعة والأنحلال، والفساد والإبتذال، وذلك بشتى الوسائل منها التفكك الأسري والأنحلال القيمي، واحلال قيم أخرى كخطوة أولى لإشاعة ثقافة الأنحلال والابتذال(10
منقول من موقع شبكة الانباء الشيعيه(إباء) وللموضوع تتمه.....................