بسم الله الرحمن الرحيم
آخر خطاب نبوي : رجال في اصلاب المشركين ارجى عندي من اكثركم .
محمد مودعاً : كتاب الله وعترتي
هذا ما قاله النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وهو يعاني من آلام السم .. معصّب الرأس .. مريضاً .. متكئاً :
فلمّا كان من الغد أقبل الأنصار وأحدقوا بالباب، وعلموا بشدّة نقاهة رسول اللّه (ص) والضعف الذي هو فيه فجعلوا يبكون، فسمع رسول اللّه (ص) البكاء فقال: من هؤلاء الباكون؟
قالوا: هم الأنصار يا رسول اللّه.
فقال (ص): مَن هنا مِن أهل بيتي؟
قالوا: علي (ع) والعبّاس، فدعا بهما وخرج متكياً عليهما واستند إلى جذع من جذوع مسجده، واجتمع الناس حوله، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: (معاشر الناس! انه لم يمت نبيّ قطّ إلا خلّف تركة، وقد خلّفتُ فيكم الثقلين:كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما، فمن ضيّعهما ضيّعه اللّه، ألا وان الأنصار كرشي وعيبتي آوي إليها، اُوصيكم بتقوى اللّه والإحسان إلى محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم).
النبي (ص) يصلّي بالمسلمين جالساً
وكان رسول اللّه (ص) لشدّة شكاته في تلك الليلة لا يفارقه علي (ع) والفضل بن العباس، وكان بلال عندما يؤذّن لكل فريضة يأتي إلى النبي (ص) فيقول: الصلاة يا رسول اللّه، فإن قدر رسول اللّه (ص) على الخروج إلى الصلاة خرج وصلّى بالناس، وإن لم يقدر أمر علي بن أبي طالب (ع) أن يصلّي بهم.
وفي صباح تلك الليلة أتاه بلال على عادته يؤذنه بالصلاة، فوجده قد ثقل عن الخروج، فنادى: الصلاة رحمكم اللّه، فأذّن رسول اللّه (ص) بندائه ورأسه في حجر علي (ع). ولم يتمكّن (ص) من الخروج إلى المسجد.. هذا والمسلمون جالسون للصلاة فتقدّم أحد الصحابة إلى المحراب، فلمّا كبّر سمعه رسول اللّه(ص)، فقال لمن حوله: سنّدونـــي وأخرجوني إلى المسجد.
فخرج (ص) وهو معصّب الرأس معتمداً بين علي (ع) والفضل بن العبّاس ورجلاه يخطّان في الأرض من الضعف، فتقدّم رسول اللّه (ص) ونحّى الصحابي عن المحراب، وابتدأ الصلاة وكبّر لها مستأنفاً وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير.
فلما أكمل (ص) صلاته قال لمن حوله: عرّجوا بي إلى المنبر، فأجلسوه على أدنى مرقاة منها واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدورهنّ فبين باك وصارخ والنبي (ص) يخطب ساعة ويسكت ساعة.
وكان مما ذكر (ص): أن حمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال (ص): (ألا أيُّها الناس اني مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فتمسّكوا بهما، فلا تتقدّموا أهل بيتي فتمرقوا، ولا تتأخّروا عنهم فتزهقوا، وأوفوا بعهدي، ولا تنكثوا بيعتي التي بايعتموني عليها، اللّهمّ اني قد بلّغت ما أمرتني، ونصحت لهم ما استطعت، وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه اُنيب).
وفي رواية انه (ص) قال: ألا قد خلّفت فيكم كتاب اللّه فيه النور والهدى والبيان، ما فرّط اللّه فيه من شيء، حجّة اللّه عليكم وحجّتي وحجّة وليّي، وخلّفت فيكم العلم الأكبر، عَلَم الدين، ونور الهدى: وصيّي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل اللّه فاعتصموا به جميعاً ولا تفرَّقوا عنه.
أيّها الناس ! لا تأتوني غداً بالدنيا تزفّونها زفّاً، ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم.
أيّها الناس ! اللّه اللّه في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم، علي أخي ووزيري، وأميني والقائم من بعدي بأمر اللّه، والموفي بذمّتي، ومحيي سنّتي، أول الناس بي ايماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأولهم لي لقاءاً يوم القيامة، فليبلّغ شاهدكم غائبكم.
أيّها الناس ! ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا ومن كانت له عدة أو دَيْن فليأت فيها علي بن أبي طالب فإنّه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لأحد عليّ تبعة.
ثم قام (ص) معتمداً بين علي (ع) والفضل بن العبّاس ودخل منزله.
اهل بيتي .. أنتم المستضعفون بعدي
ولما أعرض رسول اللّه (ص) عن القوم بوجهه، نهض القوم من عنده وانصرفوا، وبقي عنده علي بن أبي طالب (ع) والعباس بن عبدالمطلب وأهل بيته خاصة.
عندها التفت اليهم رسول اللّه (ص) وقال لهم: أنتم المستضعفون من بعدي وصمت، فنهضوا وهم يبكون وقد يئسوا من النبي (ص).
النبي : رجال في اصلاب اهل الشرك ارجى عندي من اكثركم :
قال أبو سعيد الخدري: ان آخر خطبة خطبنا بها رسول اللّه (ص) لخطبة خطبنا في مرضه الذي قبض فيه، خرج متوكياً فجلس على المنبر ثم قال: (يا أيها الناس اني تارك فيكم الثقلين) وسكت.
فقام رجل فقال: يا رسول اللّه ما هذان الثقلان؟
قال (ص): ما ذكرتهما إلا وأنا اُريد أن اُخبركم بهما، الثقل الأكبر: كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه وطرف بأيديكم، والثقل الأصغر: أهل بيتي.
ثم قال (ص): وأيم اللّه اني لأقول لكم هذا ورجال في أصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم.ثم قال (ص): واللّه لا يحبّهم عبد إلاّ أعطاه اللّه نوراً يوم القيامة حتى يرد عليّ الحوض، ولا يبغضهم عبد إلا احتجب اللّه عنه يوم القيامة.