العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

الصورة الرمزية أرجوان
أرجوان
شيعي حسيني
رقم العضوية : 13143
الإنتساب : Nov 2007
المشاركات : 7,797
بمعدل : 1.26 يوميا

أرجوان غير متصل

 عرض البوم صور أرجوان

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الثقافي
Smile ألم ذلك الحسين (رواية) كمال السيد..
قديم بتاريخ : 17-07-2008 الساعة : 01:07 AM


كمال السيد



الـم

ذلـك الحسيـن



رواية

أودّ لو غرقتُ في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
وأبعث الحياة
إن موتي انتصار

تقدمت الفتاة بأدب وقدمت بين يديه طاقة من الرياحين ...
- السلام عليك يا سيّدي
انتشر عبير ربيعي .. ملأ الأنف الأشم :
- انطلقي حرة لوجه الله
سرت همهمة .. تناثرت أسئلة .. علامات استفهام ..
- جارية تساوي ألف دينار مقابل باقة ورد ؟!
ابتسم الوجه المضمخ بعبير النبوات
- هكذا علمنا الله ، أن نردّ التحية بأحسن منها ،
وهل هناك سوى الحرية ؟!

1

الكلاب تنهش جسمه بقسوة .. كلاب لم يرها من قبل .. متوحشة .. ملوثة بكل القذارات .. ينزّ من أنيابها الصديد . يحاول دفعها ولكن لا جدوى . إنها مسعورة وتزداد ضراوة وقسوة . وأشدّها كان الأبقع . إنه يطلب العنق .. يندفع بوحشية لينقضّ على الرقبة الناصعة .. كإبريق فضة .
-آه .. آه .. ماء .. ماء .. قلبي يتفطر عطشاً .
انتبه من نومه .. جفف حبات عرق كانت تتلألأ في ضوء القمر .
تقابل الوجهان .. وجه القمر ، ووجهه .
تأمل الحسين النجوم في أغوارها البعيدة .
البريق قادم من الأعماق السحيقة يشتد لمعاناً .. يومض .. يحاول كشف الأسرار .
نهض السبط من فراشه .. أسبغ وضوءه .. أشاعت برودة الماء السلام في روحه . لقد مضى من الليل ثلثاه ، وليس هناك ما يخدش صمت الليل سوى نباح كلاب بعيدة .
حمل جراباً مليئاً بالطعام ، كيساً يغص بصرار الدراهم الفضية والدنانير ، وراح يجوس أزقة المدينة .
اجتاز بعض المنعطفات .. توقف أمام بيت يكاد يتهدم . أحكم لثامه ، فبدا كشبح من أشباح الليل ، أو سرّ من أسراره . وضع قدراً من السمن ، وشيئاً من الدقيق ، وأسقط – من كوّة صغيرة – صرّة نقود ، ثم طرق الباب ، وحثّ الخطى – قبل أن تنفتح – داخل زقاق غارق في الظلام ..
كانت تنبعث من كوّة بيت كبير أضواء ساطعة .. وسمع ضحكة ماجنة أعقبتها ضحكات . استعاذ بالله ، وهو ينعطف نحو اليمين . صار قريباً من قصر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان – حاكم المدينة .
منظر القصر المنيف ، والبيوت الطينية التي تحيطه من كل الجهات يعبّر عن الظلم الفادح في توزيع الثروات ، الفقر إلى جانب الغنى .. البؤس إلى جانب الترف والبذخ ..
-أين أنت يا رسول الله ؟! .. هلمّ لتشاهد ما يفعل طلقاؤك .. في مدينتك .. أين أنت يا جداه ... .
الليل ما يزال يغمر المدينة بظلمة حالكة يحيطها بالأسرار ، والنجوم ما تزال مسمّرة في صفحة السماء ، والقمر يختفي خلف الربى والتلال ، فيزداد الظلام رهبة . كراهبة ترفل بحلّتها السوداء بدت المدينة تلك الليلة .
توقف الرجل الأسمر ذو العينين المتألّقتين والأنف الأشم . وقف إلى جانب النخلة التي غرسها جده النبي وتذكّر حديثه : اكرموا عمتكم النخلة . لقد شاخت كثيراً ، ولكنها ما تزال تَهب الرطب والتمر والظلال . أسند جذعه إلى جذعها .. أضحيا جذعاً واحداً .. انبثق نبع من الصلاة ، وغمر رشاش الكلمات السماوية المكان ... وصلّى الحسين ركعتين .. ثم انطلق نحو النبي .
الذاكرة ما تزال تتألق بصورة الطفولة .. الحسين بسنواته السبع يركض نحو جده العظيم يرتمي في أحضان النبوّة وعبق الوحي ، وابتسامات الملائكة تغمر دنياه . وتتلاحق الصور .. تشتعل وتنطفئ كبروق سماوية .
ألقى الرجل الذي ذرّف على الخمسين بنفسه على القبر . شعر بدفء الأحضان . احتضن التربة الطاهرة ، وراح يستنشق .. يملأ صدره بشذى السماء . شعر بأنه يقبّل وجه جدّه .. يمسّد شعره المتموّج تموّج الصحارى ، ويداعب سوالفه المتلألئة . وشعر أنه يعانق آدم وإبراهيم ، ويحتضن الكون كله .
-يا جدّاه ، إنهم يريدون مني شيئاً عظيماً .. تكاد له السماوات يتفطّرن وتنشقّ الأرض . يريدون لقمم الجبال أن تغادر أماكنها الشماء إلى الهاوية ، وللسحب أن تدع السماء ، وللنخيل أن تنحني ... إنهم يريدون للحسين أن يبايع .. يبايع يزيد ... .
أغمض الحسين عينيه المتعبتين ، فانبثق شلال من نور محمد .. وجه يتلألأ كالبدر ، ترفرف حوله أجنحة الملائكة مثنى وثلاث ورباع .
-حبيبي يا حسين .. إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ .. إنهم مشتاقون إليك ، فهلمّ إلينا .
-لاحاجة بي إلى الدنيا فخذني إليك يا أبتي .
-والشهادة يا بني .. الدنيا كلها تحتاج شهادتك .
وانتبه الحسين على أنفاس الصبح ، فودّع جدّه وقفل عائداً إلى منزله . الرؤيا تتجسد أمام عينيه ، حتى كاد يلمس غصناً من سدرة المنتهى . نور سماويّ يسطع في أعماقه .. ونداء يتردد في صدره .. يدعوه إلى الرحيل . لقد أزفت الساعة .. والنوق في الصحاري رفعت رؤوسها تترقب انتظام القافلة .

2

ما لها المدينة خائفة هكذا ، بيوتها ترتجف ، وجدرانها تهتز رعباً ؟ .. أين مجد الكوفة الضائع ؟ .. أين هيبتها القديمة ؟ .. أم تراها نسيت أنها كانت العاصمة ؟!
تساءل الرجل الغريب – الذي كانت تحفه الألوف قبل ليلة .. أما الآن فهو يجوس أزقة المدينة خائفاً يترقب .. ليس معه من يدلّه على الطريق ... .
هل تراه أخفق في مهمته .. إنه سفير الحسين إلى الكوفة عاصمة المجد الغابر . أين الرجال الذين بايعوه على الثورة ؟ .. أين كل تلك السيوف والدروع ، وتلك الكلمات التي تشبه بوارق الفضاء ودويّ الرعود ؟!
كيف تحوّل جيش ناهز العشرين ألفاً إلى فئران خائفة تختبئ مذعورة في جحور .. منقوبة في الأرض ؟.
فكّر أن ينادي بأعلى صوته : (( يا منصور أمت )) ، شعار الثورة .. ذكريات بدر .. علّهم يلتفّون حوله من جديد .. علّهم يهّبون لحصار قصر الظلم مرة أخرى . ولكن من تركوه في وضح النهار ، كيف يعودون إليه في قلب الظلام . الذين فرّوا في ضوء الشمس ، هل يعودون في غمرة الليل ؟
كان مسلم بن عقيل يسير .. ينقل خطىً واهنة . تداعت أمامه كل الصور المثيرة ، وهو يعبر الصحراء مع دليليه .. الرمال المتموّجة القاحلة حيث لا ماء .. ولا حياة .. ولا شيء ، سوى الذرات الملتهبة .. الظمأ .. التيه .. .
مات الدليلان عطشاً ، أما هو فبقي يواصل سيره وحيداً . أراد أن يعود من حيث أتى .. ولكن الحسين كان يريد له المسير حتى النهاية . إنه سفيره إلى الكوفة .. الكوفة التي تريد استرداد مجدها الضائع .. الكوفة التي تتلهف لرؤية علي بن أبي طالب مرة أخرى .. تنشد عدله .. رحمته .. رفقه بالفقراء والمساكين .. تريد أن تطرب على بلاغته من جديد .. تريد للمنبر المهجور أن يتدفق علماً وفصاحة .
تلك أحلام الرجال الفئران تحلم في جحورها وترتجف ذعراً .
الأحلام الوردية تحتاج سواعد بقوة الحديد أو أشدّ بأساً .
((السفير)) أعياه التعب .. كقائد مخذول كان يجرجر نفسه بعناء .. يحس مرارة الهزيمة .. أمام جيش وهمي ، حقّ له أن يندهش كيف تشتّت جيشه الكبير أمام شائعة كاذبة ! .. أمام جيش سوف يصل من الشام .. جيش وهمي .. صنعه الخيال المريض .. الخيال الذي يحلم بعقل فأرة مذعورة من القط .. من اسمه فقط .
جلس الغريب عند باب عتيقة ، وراح يلتقط أنفاسه كأنه ما يزال يخترق الصحراء .. يجوب الأودية .
فتحت ((طوعة)) – المرأة العجوز الني كانت تنتظر عودة ابنها ، والابن ذهب يبحث عن الرجل الجائزة .
-هل لي في جرعة من الماء ؟.
وما أسرع أن عادت المرأة تحمل إليه الماء .. فراح يعبّ منه ، ثم سكب الباقي على صدره . أراد أن يطفئ لهيب الصحراء في أعماقه .
قالت العجوز مستنكرة جلوسه :
-ألم تشرب يا عبد الله ؟! .. قم فانصرف إلى أهلك .
اعتصم بالصمت .. الصمت المجهول الذي لا يريد أن يسبر غوره أحد .
-قم عافاك الله .. فإنه لا يجدر بك الجلوس على بابي .
-وماذا أفعل .. لقد ضللت الطريق .. وليس هناك من يدلّني .
قالت المرأة متوجسة :
-من تكون يا عبد الله ؟!
-أنا مسلم بن عقيل .
فهتفت المرأة مأخوذة بالمفاجأة :
-أنت مسلم ؟! .. انهض إذن انهض .
-إلى أين يا أمة الله .
-إلى بيتي ..
وانفتح باب في الأفق المظلم .. كوّة تفضي إلى النور .. لحظة من أمل .. قطرة ماء في لهب الصحراء .
واحتضن بيت كوفي (( مسلم بن عقيل )) – الرجل الشريد . أما بقية البيوت فقد كانت تصغي برعب إلى حوافر الخيل وهي تدكّ الأرض بحثاً عن رجل غريب .
3

القافلة تطوي في طريقها إلى أم القرى .. قافلة عجيبة . لم تكن قافلة تجارية ، ولم تبدُ – كذلك – قافلة للحجاج .. ففيها أطفال كثيرون .. أطفال يشبهون ورود الربيع .. قافلة يتقدمها رجل في عينيه بريق الشمس وفي جبينه يتلألأ القمر ، وفي حنايا صدره تنطوي الصحارى . إلى جانبه وجه يشبه البدر .. شاب في الثلاثين من عمره أو يزيد .. يدعى ((أبو الفضل)) أو قمر بني هاشم .. دائم النظر إلى أخيه يتأمله بخشوع .. يخاطبه : يا سيّدي .
ويظهر خلفه فتى عجيب يشبه النبي خلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً .. إنه علي .. علي الأكبر . وفي القافلة هوادج كثيرة .. كثيرة جداً .. وأطفال ... .
القافلة تسير ، والتاريخ يحبس أنفاسه ، وكلمات تتردد بخشوع ، فتمتزج مع تمتمات النوق .
-ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل .
-الطريق محفوفة بالأخطار ، فلو تنكبت الطريق .
قدر عجيب يسيّر القافلة .. قافلة صغيرة تحاول تصحيح المسار الإنساني .
الكلمات التي قالها الحسين ما زالت تدوّي في الآذان . الأهداف العظيمة .. الروح السامية في جلال الملكوت . كلماته تذهب مع نسائم الصحراء بذوراً تنبت في أعماق الأرض .. هل يكون الموت هدفاً .. كيف تخرج الحياة من رحم الموت ؟. وإذا كان الموت هو النهاية لكل كائن ، فلم لا نختار الطريقة التي سنموت بها ؟ هل يكون الموت جميلاً أحياناً ، لكي يقول الحسين : خُطّ الموت على ولد آدم مَخَطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف .
-ولكن إذا كان هدفك الموت ، فلم تأخذ معك الأطفال والنساء ؟ وإذا كانت الآفاق مظلمة ، لماذا تصطحب كل هذا الحَشْد من الضعفاء ؟ ... .
-شاء الله أن يراهن سبايا .. شاء الله أن يراني قتيلاً .. سوف أموت عطشاً .. سأسقط قرب نهر يموج بالمياه كأنه بطوت الحيّات .
-ماذا يريد الحسين ؟.
-يريد أن يموت ظامئاً .
-لماذا ؟!
-إنها مشيئة الله !
-مشيئة الأمة .. .
القافلة تقترب من مكة .. أم القرى واد غير ذي زرع .. أول بيت وضع للناس .. مهبط جبريل فوق جبل النور .. غار حراء ، حيث التقت السماء بالأرض .. طفولة محمّد .. شبابه .. آخر النبوات في التاريخ .. .
المساء ينشر ظلاله الخفيفة .. وأنوار واهنة تحاول أن تتلألأ كالنجوم .. أضواء مدينة حائرة هزّتها أنباء قادمة من دمشق . لقد هلك هرقل وجلس مكانه هرقل آخر .
شعبان يطوي ثلاثة من أيامه .. القافلة تدخل مكة ، وتلقي عصا الترحال عند البيت العتيق . الحسين يحنّ إلى زيارة قبر جدته خديجة الكبرى .. يذكر تضحياتها من أجل محمّد .. وهو يريد أن يواصل ذات الدرب .. يريد إعادة نهج النبي العظيم .
-ماذا تريد يا سيدي الحسين .. ألا تبقى هنا في حرم الله ؟.
-إنهم لن يدعوني أعيش بسلام .. إنهم يريدون الفتك بي ، حتى لو تعلقت بأستار الكعبة .. إنهم يطلبون مني شيئاً عظيماً .. هل رأيت النخيل ينحني أو الجبال ؟ هيهات .. هيهات .
-ولِمَ العراق ؟ .. أليس هناك مكان آخر ؟ العراق الذي قتل أباك واغتال أخاك ، وسلّم المنبر لمعاوية ! .. .


توقيع : أرجوان
..اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين..
من مواضيع : أرجوان 0 سفن آب (تجميد اللقطة)
0 زخارف اسلامية للتصاميم
0 في حياتي زهــــــ ـــــرة
0 لا يفوتكم المناظر مصر .. أم الدنيا‎
0 اسم فاطمة الزهراء (ع) سبب شفاء أعمى
التعديل الأخير تم بواسطة hassan.khalifa ; 20-07-2008 الساعة 01:52 PM. سبب آخر: حسب طلب الغالية...

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:47 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية