قالت : ( إنه ليحزنني كثيراً أن أذهب إلي حفلة زفاف ، وذلك لأن قطار الزواج بدأ يفوتني ، ولم يتقدم إليّ أحد حتي الآن ، وكم كنت أتمني لو أنني كنت أنا جالسة مكان العروس ، ولكن لا حيلة )
كما إنني أتضايق كثيراً عندما تتحدث صديقاتي وأهلي أمامي عن الزوج والأولاد ، وأنا امرأة لي عواطفي ومشاعري ، وأحب أن يكون لي بيت وأولاد ولكن مرة أخري لا حيلة لي .
لقد مللت الحياة ، وتعبت من مجاملات الناس .
هذا ما قالته إحدى العوانس من النساء ، وأنا أسمعها وهي تتحدث بهذه الكلمات بنبرة حزن وأسي .
قلت : يا أختي الكريمة أيمكنك أن تعدي نعم الله التي أنعمها عليك ؟
قالت : ولكنها لا تحصي ولا تعد !!
قلت : فلم الحزن إذن ؟! إن كلامك هذا فيه جانب كبير من الصحة ، ولكن هل تنتهي الحياة إذا لم تتزوجي أو لم يتقدم إليك أحد ؟!
صحيح أن العنوسة رمز الوحدة والفراغ ، ولكن الله تعالي منحنا قدرات وإمكانات لو استثمرناها لجعلنا من الألم سعادة .
إن الإنسان المتفائل والإيجابي هو من يصنع السعادة بيده ، ولقد سمعت مرة رجلاً يقول : إن السعادة في الزوجة والأولاد ، والحصول علي المال ، ومرت الأيام وتزوج صاحبنا وخلف الأولاد وازداد رصيده في البنك وما زال يقول أين السعادة ؟! ويبحث عنها .
أختي الكريمة : لنتعلم كيف نحول الألم إلي سعادة ، إن من يعمل الريجيم يحرم نفسه من الطعام وهو يتألم من ذلك ، ولكن الذي يقلب له الألم إلي سعادة ، طموحه إلي تخفيف وزنه وتخيله لصورة نفسه وهو رشيق ، وكذلك الصائم يكون عنده الألم سعادة عندما يتذكر الأجر العظيم ، والثواب الجزيل ، فكل واحد منا لديه طريقة خاصة في التخلص من الألم والشعور بالسعادة ، وبعض الناس أخطأ الطريق ، فتجدينه عند شعوره بالحزن والألم يدخن سيجاره أو يتعاطي المريجوانا ، أو يسرف في الطعام أو يسيء إلي الآخرين ، وبعضهم يعرف كيف يستثمر وقته ويجعل من ألمه سعادة فيمارس الرياضة أو يتعلم الجديد ، أو يكثر من الاطلاع والقراءة ، أو يقوي علاقته بربه ويحرص علي حفظ القرآن ، أو يوظف نفسه في الخير ويساعد الآخرين ، ولنا في مريم ابنة عمران – رضوان الله تعالي عليها – أسوة حسنة حين نذرت نفسها لله ، ويمكنك أن تنذري نفسك لله تعالي .
وأنا أسألك الآن : ما الطرق التي تتبعينها لتتفادي الألم والاستعاضة عنه بالسعادة ؟ أمسكي بالقلم والورقة واكتبي ما الأسباب التي تجعلك سعيدة ، افعلي ذلك الآن ، لكي تخططي لحياتك الآن وتتعاملي مع الواقع بنفسية إيجابية ومرنة .
ثم إنه من قال لك إن كل المتزوجات سعيدات ، ومن أخبرك بأن العنوسة مشكلة ومأساة ؟ هل هي الصحف والمجلات ؟ أو التجارب والواقع ؟ أنا في الحقيقة لا أري العنوسة مشكلة ، كما أنني لا أري الزواج سعادةٍ ، فكم من عانس سعيدة ؟ وكم من متزوجة شقية ، ولكنني أري السعادة في الرضي بالقدر ، وأن أتعامل مع القدر بنفسية إيجابية .
لعل من أسباب شعورك بالألم هو الفراغ فلو استطعت أن تحددي هدفك في الحياة ، وأن تجيبي عن هذه الأسئلة : ما الذي حققته في الحياة ؟ ما الهدف الذي ستقدمينه لمجتمعك ؟ وما هدفك لوالديك ؟ وما هدفك لنفسك ؟ لو استطعت أن تحددي إضافتك إلي الحياة ثم أن تجدولي وقتك لتحقيق هذه الأهداف فإنك ستنسين حينها إنك عانس ، وستوجهين طاقتك إلي ما فيه خير لك في الدنيا والآخرة .
أعرف عانساً في الخليج كانت وراء تأسيس وقف للاهتمام بالمرأة والطفل ، وأعرف أخري كانت وراء تأسيس جمعية خيرية فريدة لتأهيل الأطفال ، وأعرف ثالثة كان لها دور اجتماعي بارز ، وكانت متميزة بنشاطها وقت احتلال الكويت ، وكذلك الشيخ ابن تيميه رحمه الله والشهيد سيد قطب كان عزبين ، فلم يقف أحدهما ويقول كلما سمعت عن متزوج أو عن عرس أحزنني ذلك ، بل كانا طاقات متفجرة أنجزا أعمالاً جبارة وخدما الدين وهما متفائلين كانا يستخدمان مواردهما الإنسانية في تحقيق أهدافهما وطموحاتهما .
وأقول لك أختي الكريمة أنني أعرف ما يدور في نفسك الآن ؟! تقولين إنه يتكلم كلاماً لا أختلف معه عليه ، ولكنه تجاهل الحاجات النفسية والفطرية التي تطلبها المرأة في عصر كثرت فيها الفتن ، وقل فيه الصالحون ، وأنا أقول لك : لا ، لم أتجاهل ولم أنس ، وإن ما ذكرته صحيح وواقع ، ولكن الذي يجعل الإنسان يعاني من ذلك هو الفراغ والصحبة السيئة ، فإذا استطعت أن تملأي وقتك بما هو مفيد واخترت صحبة صالحة ، فعندها ستخف المعاناة عنك ، ثم أكثري من الدعاء بأن يحفظك الله ويرعاك ، فهو الغني ونحن الفقراء ، كما أنصحك بالابتعاد عن أماكن الريبة والفساد لتحافظي علي طهارتك النفسية والفطرية .
والآن وبعد هذه الجولة النقاشية أريد منك إذا ذهبت إلي حفل زفاف أن تقولي عسي الله أن يبارك في العروس والحمد لله علي كل حال .