الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الهداة الميامين.
وبعد:
كما تنظر لوجهك في المرآة كل يوم، لترى حسن خلق الله، وجمال صنعه.. تأمل ولو لدقائق معدودة معالم شخصيتك، لتعرف هل أنها مصاغة وفق مكارم الأخلاق ومحاسنها، أم وفق مذام الأخلاق ومساوئها.
هذه الخطوة تبين لك أين أنت على خارطة الأخلاق، كما تعرفك على ما أنت عليه من مستوى ومنزلة..
غير إن الكثير من الناس يتحاشون ذلك، لأنهم لا يريدون أن يواجهوا حقيقتهم، فيصطدموا بواقعهم الذي يحمل في طياته الكثير من الشوائب والأدران.. لذا تجدهم يتغاضون عما هم عليه، مبررين ذلك بما لا يرضونه هم لأنفسهم.
ولكن هذا لا يدعونا أن نستسلم لهذه الحالة، وأن ننخرط معهم في هذا النفق المظلم؛ بل يجدر بكل واحد منا أن يوفر في نفسه الشجاعة الكافية ليكتشف مساوئه، ويقف على عيوبه.. حتى يرى - بتوفيق الله تعالى - موقع قدميه على خارطة الأخلاق، من أجل أن يبدأ مسيرة التغيير والاصلاح.
ومما لا شك فيه، أنه لا يقوم على هذا التغيير إلاّ من عرف ما للأخلاق الحسنة من معطيات وفيرة، وخيرات عظام. لذا نلفت الانتباه الى شيء من ذلك..
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من سعادة المرء حسن الخلق، ومن شقاوته سوء الخلق".
وقال صلى الله عليه وآله: "إن الخلق الحسن يذيب الذنوب، كما تذيب الشمس الجمد؛ وإن الخلق السيء يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل".
وقال صلى الله عليه وآله: "خياركم أحسنكم أخلاقاً، الذين يألفون ويؤلفون".
وقال صلى الله عليه وآله: "أفضلكم إيماناً أحسنكم أخلاقاً". (4)
قال صلى الله عليه وآله: "حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم. فقيل له: ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال: حسن الخلق".)
وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن".
وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه".
وقال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: "إن أحسن الحسن، الخلق الحسن".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أقربكم مني مجلساً في الجنة، أحسنكم أخلاقاً في الدنيا، الموطئون أكنافهم، الذين يألفون ويؤلفون".
بعد هذا البيان الموجز بخصوص الأخلاق، هل يمكن للانسان أن يتساهل في أخلاقه السيئة، أم يزداد عزماً وإصراراً على تغييرها بالذي هو أحسن؟
وهنا؛ لابد من الإشارة الى أن أهم شاخص لبيان شخصية الإنسان، هو الأخلاق. وبما أن الانسان بطبعه مركب من العقل والشهوة؛ من الروح والبدن.. فالعقل يدعوه الى العلم والحكمة والرشاد، بينما الشهوة تدعوه الى اللعب واللهو والفساد؛ والروح تسمو بالانسان الى معارج السماء حيث الطهر والنقاء، بينما البدن ينجذب نحو الأرض حيث طغيان المادة وهيمنة الأنانيات. وبين هذا وذاك يتماوج الانسان دون أن يستقر، حتى يثقل ميزان أحدهما على الآخر. فمن رجحت كفة الأخلاق الحسنة عنده، كان في أعماله موفقاً، وبين الناس محبوباً، وعند الله مرضياً. بينما الذي رجحت كفة الأخلاق السيئة عنده، كان في أعماله فاشلاً، وبين الناس مكروهاً، وعند الله مغضوباً عليه.
وفي كل ذلك، يبقى الأمر بيدك. وليعلم الجميع أنه لا عيب أن يبحث الانسان عن عيوبه حتى يصلحها؛ بل العيب كل العيب أن يبقى عليها
والعاقبة للمتقين