انه بروتين مشع، أخضر، يعرض علينا الحياة الخلوية ويجعلنا نتمكن، كما لو كنا أمام بث مباشر لبرنامج تلفزيوني ما، من متابعة تطور الأمراض.
بواسطة شغفه بالكيمياء ودمج الألوان بعضها ببعض تمكن البروفيسور روجير تسين (Roger Tsien)، صيني الأصل، من الفوز بجائزة نوبل الكيمياء، في العام الماضي. وكانت فكرة البروفيسورتسين بسيطة وساذجة ومدهشة في الوقت ذاته.
لرؤية ما يحصل تحت الجلد، داخل الخلايا، لم يلجأ هذا البروفيسور العبقري الى ماكينات معقدة وغالية الثمن إنما الى الألوان.
بواسطة الأخيرة، نجح في جعل حياة الخلايا وتطورها وتكاثرها مرئية أمامنا. كما نجح في عرض المسارات الخاطئة التي تدخلها هذه الخلايا والتي تؤول الى الإصابة بالأمراض العصبية التآكلية والسرطانات.
علماً أن متابعة حياة الخلايا، بفضل الألوان، يضع في أيدينا سلاحاً فتاكاً. عندما نلاحظ أن شيئاً ما داخلها غريب أم غير مألوف يمكننا محاولة التدخل لمعالجته. كيف؟ نعرف ذلك من خلال الحوار الآتي:
كيف يمكننا رؤية كيف تعيش خلايا الجسم وكيف تصاب بالمرض ؟
- بواسطة بروتين مشع، أخضر اللون. في عام 1961، كشف "أوسامو شيمومورا"(الحائز بدوره على جائزة نوبل) النقاب عن هذا البروتين في قناديل البحر.
بعد ذلك، اتضح أن لهذا البروتين تطبيقات تحولت من خيالية الى واقعية. فهو الوحيد الذي يستطيع أن يُشع دون الحاجة الى شيء.
فهو "يلمع" بواسطة نوره الخاص. في عام 1992، قام الباحث "دوغلاس براشير" من مختبر (Woods Hole) بعزل جين هذا البروتين. وكانت فكرتي حقن خلايا حيوان من الثدييات بهذا الجين لمراقبة محرك عمله.
هكذا، نجحنا في متابعة عمليات إبداعية في هذا الحيوان، بصورة آنية. إذ نجحنا في متابعة تطور دماغه والأضرار التي أصابت الأنسجة والأعضاء الداخلية عدا عن تكاثر الخلايا السرطانية.
لكن ما العلاقة التي تجمع البروتينات المشعة بالسرطان ؟
- عندما نحق جين البروتين المشع داخل الخلية، التي نريد مراقبتها، عندئذ يمكننا استعمال إشعاعها الملون للتأكد مما يحصل داخل الخلية عن طريق مراقبة ما يحصل للون.
في حالة السرطان، تكون نقطة الانطلاق عبارة عن مجموعة من الشظايا البروتينية التي تنجح في دخول الخلايا السرطانية.
عندما يجري تلوين هذه المجموعة من البروتينات فإنها تسمح لنا باستعراض العديد من العمليات الخلوية.
نحن نريد تسخير هذه العمليات للتعرف إلى الخلايا السرطانية عبر تعقب مسارات الألوان بواسطة الرنين المغنطيسي أم صور الموجات الصوتية أم صور المسح الطبقي بواسطة انبعاث البوزيترونات.
في المستقبل، سنستعمل هذه البروتينات لنقل الأدوية الى داخل الخلايا السرطانية بهدف تحييدها وإسكاتها. ان نجاح هذه الطريقة على الحيوانات المختبرية تجعلنا نأمل بتسخيرها لصالح البشرية.
في السنوات الأخيرة، جرى استعمال البروتينات المشعة لشتى الدراسات، من إفراز الأنسولين الى تراكم الدهون بالدم، ومن تطور الأجنة الى السرطان والأمراض التآكلية. بمعنى آخر، فانه تم استعمالها لدراسة الحياة الخلوية في العديد من الأمراض. لكن ما هي الثورة العلاجية الحقيقية، التي تنتظرنا؟
- ثمة أكثر من 20 ألف دراسة حول هذا الموضوع، ومن الصعب أن أقول ما هي الدراسات الأهم أم الأقرب الى التطبيقات السريرية. أنا أعمل سوية مع زملائي على كل شيء، من العلاجات الى التقنيات التشخيصية. وما زلنا ننتظر العديد من التحديات كلما حققنا خطوة الى الأمام.
أنت باحث كيميائي بيد أن اكتشافك ساعد في تثوير القطاع التشخيصي وذلك المتعلق بعلاج العديد من الفيروسات والأمراض الفتاكة. ما هو سر ابتعادك عن التطبيقات الكيميائية ؟
- كان هدفي الرئيس تطبيق معرفتي في قطاع الكيمياء على الأنظمة البيولوجية. لذلك، وجدت ما أبحث عنه في البيولوجيا العصبية والكالسيوم. ان الكالسيوم وذبذباته لديه أهمية عظيمة في جميع العمليات الحيوية.
لقياس ذبذباته كانت الأدوات التي استعملتها في الماضي رديئة جداً ما ألحق الضرر بجميع الخلايا التي وضعتها تحت المجهر الاختباري. لذلك، تطرقت الى دراسة مواد ملونة ناعمة وأكثر دقة خولتني تعقب ذبذبات الكالسيوم المتعلقة بتنشيط خلية عصبية.
من خلال هذه الدراسات، استطعت الدخول الى رزمة من الأسرار والطرائق الفعالة للنظر داخل الخلية على غرار الأشعة السينية "اكس". علاوة على ذلك، سمحت لي هذه الطرائق الفعالة التجسس على ما يجري تحت الطبقة الجلدية بصورة سهلة لا تحتاج الى أي تدخل جراحي أم عملية "قسطرة".
ان الفحص بواسطة البروتينات المشعة مباشر. أي أنك تنجح في مراقبة ظاهرة ما، بالجسم لدى ولادتها. إذ تستطيع مشاهدة جين ما، عندما ينشط وينطفئ، أم نسيج ما عندما ينمو ويموت أم الكالسيوم عندما يدخل ويخرج من الخلية أم البروتين أثناء ممارسة عمله.
بواسطة التطور التكنولوجي، بات ممكناً اليوم مراقبة أكثر من ظاهرة، في الوقت ذاته، وكل ظاهرة تتسم ببروتين مشع ذي لون مختلف عن الآخر.
بفضل مجموعة البروتينات المشعة، نستطيع العثور على المادة الملونة المناسبة لكل تجربة، ثم يكفي حقن هذه البروتينات بالخلايا ومشاهدة ما يحصل داخلها، تحت الميكروسكوب.