|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 21850
|
الإنتساب : Aug 2008
|
المشاركات : 54
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
علي بن أبي طالب مدرسة التاريخ التربوية والسياسه الحقيقيه
بتاريخ : 01-04-2009 الساعة : 06:02 PM
علي بن أبي طالب مدرسة التاريخ التربوية
في القراءة المدققة، وغير المدققة، لسيرة علي بن أبي طالب، تتجلى صورته إماماً منذوراً لرسالته الإسلامية التي تلقّاها عن النبي الكريم.
فلم يكن حضوره في السلطة - خليفة - يُمارس دوره الرئاسي المسؤول، بل هو - قبل السلطة وأثناءها - صاحب الرسالة التربوية الكبرى، وهي الرسالة الموجّهة نحو البشرية كافة.
لقد كان المربي الكبير الذي يباشر مهماته مع الجماعة، والأفراد، مع القبائل والشعوب، مع نفسه وأسرته لأنه وهو يُربي الآخرين، كان يتعهد نفسه بالمراقبة، والمحاسبة، على طريق الحق والعدل.
وإن القارئ والمتابع ليلمس وهو يدرس سيرة علي بن أبي طالب مظاهر شخصية عظيمة نادرة، في المسجد، وفي ساحات الوغى، وفي ندوات الحوار، وفي البيت، في الفكر وفي العمل، وفي التربية، شخصية مجيدة، تشكل مفخرة للعرب أمام الإنسانية، وبالتالي مفخرة الإسلام والمسلمين جميعاً.
لقد ابتدأ شعلة، ومات شعلة، وظل في الذاكرة التاريخية شعلة أبدية الاشتعال، والتوهّج، والإنارة. وقد أشار إلى ذلك (العقاد)، وهو في صميم الصواب ذاكراً لقب الإمام الذي خُصَّ به (علي)، و(الذي يطلق إذا أطلق فلا ينصرف إلى أحد غيره، بين جميع الأئمة الذين وسموا بهذه السمة من سابقيه ولاحقيه).
و(ذاك هو علي بن أبي طالب كما لقّبه الناس وجرى لقبه على الألسنة، فعرفه به الطفل وهو يسمع أماديحه المنغومة في الطرقات بغير حاجة إلى تسمية أو تعريف).
و(خاصة أخرى من خواص الإمامة ينفرد بها علي ولا يُجاريه فيها إمام غيره، وهي اتصاله بكل مذهب من مذاهب الفرق الإسلامية منذ وجدت في صدر الإسلام. فهو مدشّن هذه الفرق أو قطبها الذي تدور عليه. وندرت فرقة في الإسلام لم يكن علي معلماً لها منذ نشأتها، أو لم يكن موضوعاً لها ومحوراً لمباحثها، تقول فيه وتردّ على قائليه، وقد اتصلت الحلقات بينه وبين علماء الكلام والتوحيد، كما اتصلت الحلقات بينه وبين علماء الفقه والشريعة، وعلماء الأدب والبلاغة فهو أستاذ هؤلاء جميعاً بالسند الموصول)(1).
ولم يجانب جورج جرداق الصواب حينما يذكر:
(الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء، نسخة مفردة لم يرّ لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً)(2).
إن نشأته في حضن النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي أجواء الوحي، وتشرّبه من ثقافة القرآن، وتتلمذه التام على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عوامل حاسمة في تكوين شخصيته المتماسكة، التي لم يدخل عليها طارئ قديم، أو جديد، من خارج الإسلام.
وهو، في جهاده الثابت، كان صورة ناطقة للحق الذي لم يعرف غيره، فجعل معرفته له كفاحاً مريراً من أجل إحقاقه، وتربية الناس باتجاه الإقرار به وإقراره.
وما كان ممكناً أن يكون علي بن أبي طالب مدرسة التاريخ في التربية، لولا أنه كان المربي القدوة، الذي شمل الناس بالحكمة الفاعلة. وهي الحكمة التي تختلف عن الحكمة السائرة، التي عبّر عنها وعاش لها حكماء كبار مثل كونفوشيوس وسواه.
ذلك لأن علياً بن أبي طالب كان في خياره الوحيد حكيماً، قائداً، مكافحاً، حمل لواء النضال ضد الظلم، ومن أجل سيادة العدل، فقرن الحكمة بالتطبيق، والرأي بالفعالية، لم يخدعه سلطان، ولم تسحبه الحكمة السلبية إلى أجوائها.
إنه العالم، والأديب، والفقيه، والمشرّع، والقائد، والباحث، والمجاهد، والقاضي، والزاهد، والمقاتل، ورجل السلم، الأنموذج في كل شيء، والمتّحد الصفات القولية والفعلية في كل شيء.
لقد اهتدت روحه بالآية العظيمة: (كَبُرَ مَقْتاً عند الله أن تقولوا ما لا تَفْعَلون) فلم تبقَ ثغرة في نفسه تفصل القول عن العمل، والعمل عن القول.
يقول جورج جرداق عن تماسك شخصية علي بن أبي طالب:
(وهذا التماسك في شخصية ابن أبي طالب واضح ساطع حيث مشيت في دروب نهجه وأنّى اتجهت. فإذاً الفكرة الأساس التي بنى عليها عهده لهذا الوالي هي الفكرة الأساس التي بنى عليها عهده لكل والٍ لا تناقض بين عهدين منهما ولا تضارب، لا في الجذور العامة ولا في الفروع النامية عليها. ثم إنها هي نفس الفكرة الأساس التي بنى عليها خطبته وقوله أمس قبل أن يستخلفه الثائرون، والتي يبني عليها خطبته، وقول اليوم وقد استخلف، والتي سيبني عليها خطبته غداً في حالة السلم، وبعد غد في يوم الجمل وقد أصبح القتال قاعدة مناوئيه؛ وفي الغد الأبعد في أيام صفّين وقد تألّب عليه أهل الوجاهات وأهل الغباء، وبعد ذلك في النهروان وبعد النهروان في ساعة مقتله)(3).
وهذا التماسك في شخصية ابن أبي طالب واضح ساطع كذلك في الفكرة الأساس التي يتوجه بها إلى الصديق والعدو معاً، وإلى القريب البعيد، والمحازب والمحارب، لا قرب يدفعه في طريق التبديل والتغيير في هذه الفكرة، ولا مودة ولا محازبة، ولا بُعد يميل به عن هذه الفكرة ولا عداء ولا خصومة. فالأساس الذي ينزع عنه بآرائه وتعاليمه واحد لا يجوز عليه رضاً أو غضب، ولا يزحزحه سلم أو قتال، ولا يبدّل وجهه وعدٌ أو وعيد)(4).
ويلتقط جرداق صوت الطبيعة الأول في شخصية علي، والذي لم يكن هناك سواه، فهو بدء الشخصية ومنتهاها، فيقول:
(وهذا التماسك في شخصية ابن أبي طالب واضح ساطع في هذا التمازج المطلق بين تعاليمه وعهوده وخطبه ووصاياه، وبين مسلكه مع نفسه ومع الناس، وأزيد على ذلك فأقول: إن ابن أبي طالب لم يكن ينفّذ تعاليمه وأوامره بنفسه ليكون قدوة لغيره شأن الكثيرين من أصحاب التعاليم والأوامر، بل كان أسلوبه في ذلك أبسط وأعمق وأجل شأناً. كان يحيا فكرته بقلبه ودمه قبل أن تُصبح فكرة مصوغة بألفاظ وتعابير، فإذا هي انبثاقاً طبيعياً صافياً لا يدَ فيه للصنعة ولا عمل فيه لحمل النفس على ما لا تطيق)(5).
إن فكرة الحق شغلته - كلية - عن سواها. وقد اختلف عن سواه من المفكرين والمصلحين، بأنه كان فيلسوف الحق بلا منازع، والذي أعطى لفكرة الحق زخمها النضالي، الواقعي، سلاحاً بيد الناس، وليس أملاً مجرداً.
كان يُريد أن تكون فكرة الحق الغاية والوسيلة، لإنشاء عالم أرضي سعيد للناس، هو مدخلهم إلى الفردوس الإلهي.
بهذا التوجه كان علي فيلسوف الحق الذي نبذ - منذ البدء - الطرح النظري الصرف عن (الحق)، والذي ليس له سنده المادي والواقعي.
وتقوم مدرسة علي بن أبي طالب التربوية، على وحدة مفاهيمه عن (الحق والعدل والحرية)، وتطبيق تلك الوحدة في نشاطه الغني والمتنوع على خطوط السياسة، والثقافة، والحرب، والقضاء كافةً، إلخ. لقد كان الحق قضيّته الجوهرية، فنال الخلود من قبل البشرية الواعية، لأنها ترى في الحق قضيتها الأساسية، التاريخية، وأملها الموعود الذي تناضل من أجل أن يتحقق.
وإذا أعطى علي بن أبي طالب نفسه للحق، فإن أية بقية في حياة خارج إطار ذلك الانتماء الجبار، لا وجود لها. فحياته والحق متطابقان، متلازمان مصيرياً، ولقد قال:
(والله إني لأعترف بالحق قبل أن أشهد عليه. والله ما أبالي أدخلتُ على الموت أو خرج الموت إليَّ).
والناس - لديه - سواء في الحق، كما قال:
(وأن تكونوا عندي في الحق سواء).
(الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه).
وفي تصميمه المنهجي الثابت في الدفاع عن الحق، كان يعمل على تكريس العدل - في جميع الظروف والأحوال، وكان شعاره: (لأنصفن المظلوم من ظالمه).
لقد كانت أفكاره معركة دائبة لتربية الناس تربية عادلة، لكنها لم تكن معركة السفسطات، والحوارات المرفهة، فقد كان قائد قضية متكاملة الفهم، والمفاهيم. وكان من فهمه أن الحق والعدل والخير هي أسماء مجردة، وتعابير ومصطلحات جذّابة، لا قيمة لها إذا لم تُقرن بالتطبيق، فيكون لها وجودها الواقعي الملموس الذي يحتضنه البشر. وكان يرى أن الطريق إلى الحق لابد أن يبتدئ بقهر الفقر، فهو العدو الأكبر الذي شهر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) سلاح الحرب ضده، إذ أعلن التشخيص العظيم: (كاد الفقر أن يكون كفراً)، ولقد قاتل الرسول الكفر. فكانت رسالة علي امتداداً للنهج المحمدي. وصرَّح: (لو تمثّل لي الفقر رجلاً لقتلته).
لقد اكتشف استحالة إحقاق الحق بدون معالجة جذرية، للفقر والمشكلات المعقدة الناجمة عنه، فالفقر هو العدو الأول لوحدة إنسانية الإنسان فرداً كان أو مجتمعاً.
وأثبتت الأحداث والوقائع المشهودة صحة رأيه. فحين كان المسلمون سواسية في مجتمعهم ودولتهم، كانت قوة المسلمين مضرب الأمثال، وتراجع أمام المد الإسلامي النفوذان الرومي والفارسي. وما إن أصبح التفاوت الطبقي كبيراً بين الأوساط الاجتماعية وأخذ بُعده العدائي، حتى فتحت الأزمة الداخلية شدقيها لتبتلع الكثير من الإيجابيات.
وأدرك علي بن أبي طالب بنظره الثاقب، وبدراسته للواقع العياني، استحالة توفر الحرية بدون القضاء على الفقر، واضعاً بذلك صرح نظرية البناء الإنساني الحر على قاعدته الاقتصادية، قبل أن تتوصل أوروبا الاشتراكية والديمقراطية إلى ذلك بعدة قرون.
ومع أن علياً بن أبي طالب كان شديداً في تصميماته العادلة ضد الظلم والظالمين، فقد كان يفتح أبواب الحدية أمام (الحرية). فالحرية هي الشرط الأول لإنسانية الإنسان، ولوجوده الاجتماعي الحي. وكذلك هي الشرط الأول لكل إبداع، ولكل فعالية إنسانية صادقة، وجادة، ومغيّرة.
حقاً لا يتوصل إلى إدراك قيمة الحرية ومغزاها وضرورتها النهائية إلاّ الفكر الأصيل، القادر على التحرر من الانطباعات الفكرية التي تخلقها القيود المادية الثقيلة. فالإنسان في كثير من الأحوال ينسج أفكاره من وحي شروط حياته الشخصية والاجتماعية، ومن وحي المؤثرات الموروثة، والتي لا تتناقض مع الشروط السائدة.
وبالفكر - فقط - وبالممارسة التي تدعم الفكر الحر، يمكن التمرد على القيود المادية، والانطلاق بأفكار حرة نحو مخططات جديدة للحياة.
إن عبودية الإنسان القديمة تجعل الصراع بين الأفكار الحرة والواقع السائد وكأنه صراع بين القلة والكثرة.
وغالباً ما تغتال العبودية الصبوات الجديدة للحرية، لأن أذرعة الواقع المادي والشهوي، قوية التأثير. وإن سلطانها ليمتد ويصل إلى الأحرار أنفسهم عندما يتسلمون السلطة، فتكون مجابهة ضغط السلطة من داخل السلطة الشرط الوحيد لدفاع الأحرار عن حريتهم.
كانت مفاهيم علي بن أبي طالب عن الحرية أصيلة، ومرتكزة على فطرة حرة، وطباع حرة، في سياق حرص مبدئي على حرية المجتمع وأسباب تطوره، بمعنى أنه لم يعزل الحرية الفردية عن الحرية العامة، في مجرى قيادته لشؤون المجتمع الإسلامي. فكانت رؤيته الأيديولوجية والسياسية، المستندة على مبادئ الحق والعدل، ومجابهة الظلم، ومقاومة الفقر، ترتوي من مفاهيمه الأصلية عن الحرية. فالحرية تلج في كل شيء - من وجهة نظره - لأنها الدليل الوحيد على وجود الفكر.
فكانت صرخته: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حُرّاً) صرخة الحرية في كل مكان، ونداء التاريخ إلى الإنسان.
إن مفهوم الحرية - هنا - أوسع وأعم:
(نستدل على ذلك بنص صريح له أولاً، ثم بما نستنبطه من دستوره العام الذي نرى منه وجوهاً في معظم أقواله وعهوده ووصاياه… يقول علي نصاً: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) فانظر كيف توجّه علي بقوله إلى من يريده أن يثق بنفسه ويستشعر روح الحرية ومعناها، فألقى في نفسه ما يوقظه على أصل من أصول وجوده، وهو أن طبيعة الكون جعلته حراً لا يتمرد ولا يُطيع ولا يعمل ولا يقول إلاّ على أساس من هذا الحق الطبيعي، وهو بذلك إنما يلقي في نفسه بذور الثورة على كل ما من شأنه أن يضيّق عليه ويسلبه حقه في أن يكون حراً)(6)..
وكان يرفض الإكراه رغم قدرته على أداء حقه كسلطة.
وربما فات كثيراً من الدارسين أن من أهم عوامل المحنة التي مرّت بها خلافة علي بن أبي طالب، تمسكه المبدئي الصارم بالحرية. ورفضه الحاسم للإكراه من أي نوع. فقد رفض إكراه أحد على بيعته، فقال عن الذين بايعوه:
(ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين).
وقال عن طلحة والزبير: (فبايعاني على هذا الأمر، ولو أبيا لم أكرههما كما لم أكره غيرهما).
وقال مخاطباً المغيرة بن شعبة:
(وقد أذنتُ لك أن تكون من أمرك على ما بدا لك).
ولقد فعل مثل ذلك مع الذين خاصموه، أو تهددوه، من ذلك أيضاً أن حبيباً بن مسلم الفهري جاءه مرة يقول: اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم. فقال علي: وما أنت وهذا الأمر؟ اسكتْ فإنك لست هناك ولا بأهلٍ له.
فقام حبيب وقال: والله لتريّني بحيث تركه!
وليس بخاف على القارئ ما في هذا القول من التهديد الصريح يتوجه به أحدهم إلى علي بن أبي طالب والزمان والناس حربٌ عليه، ولكن ما كان من أمر علي؟ هل أمر به وفي يده أن يأمر وقد أطلق في وجهه مثل هذا التهديد؟ أم هل سجنه فمنع عليه أن يكون حراً في عدائه وتأليب قومه عليه؟ إنه لم يفعل شيئاً من هذا. بل نظر إلى صاحب التهديد وقال بلهجة الواثق من عدالته، المعترف بحق الآخرين في أن يقولوا ويفعلوا:
(ما أنتَ ولو أجلبتَ بخيلك ورجلك! لا أبقى عليك إن أبقيت عليَّ! اذهب فصوّبْ وصعّد ما بدا لك!).
نضيف إلى ذلك شواهد أخرى تدل على مقدار ما كان يترك من الحرية الواسعة السمحة لأصابه وأعدائه على السواء. من هذه الشواهد أن نفراً كانوا يرحلون من الحجاز والعراق ويأتون الشام ليلحقوا بمعاوية، فما كان علي ليصدّهم أو يعرض لهم، وما كان يُحاول استبقاءهم أو إغراءهم. فهم في مذهبه أحرار يعملون عن مدى تصورّهم ويسلكون سبيلهم إلى ما يريدون. يقول علي:
(الله إني دللتهم على طريق الرحمة وحرصتُ على توفيقهم بالتنبيه والتذكرة، ليثيب راجعٌ ويتعظّ مُتذكر، فلم يُطَع لي قول. اللهم إني أعيد عليهم القول…).
وشاهد آخر على معرفة علي حق الناس في الحرية الواسعة أسلوبه في معاملة الخوارج. فقد كان يُحسن معاملة من أقام منهم معه. ويعرف أن أحدهم يهم بالخروج فلا يستكرهه ولا يستبقيه، ولا يرضى بأن يتعرض له من أصحابه أحد. ثم إنه كان يعطيهم نصيبهم من الفيء أسوة بسائر الناس. ويفسح لهم في المجال لأن يتوجهوا حيث يشاءون. فالحرية أساس في المعاملة. والناس أحرار في ما يرون من عمل وقول، وموالاة ومعاداة، إلاّ أن يعتدوا على الناس ويُفسدوا في الأرض فإنهم حينذاك غير أحرار، وإنه حينذاك مقيم ما لزِمَهم من الحدود في غير لين(7).
وقد أخبره أحدهم مرة، واسمه الخرّيت بن راشد، بأنه لم يأتمَّ به ولن يشهد معه الصلاة ولن يأتمر بما يأمر ولن يكون له عليه سلطان، فما كان من علي إلاّ أن أقرّه على ما ارتأى وأراد وخلاّه حُراً في ما شاء. ثم كانت أيام خرج الخرّيت بن راشد بعدها ومعه أصحاب له كثير، فما استكرههم، علي على البقاء معه ولا منعهم من الخروج، وبيده أن يستكره وأن يمنع…
قد تبدو هذه القصة وسواها - في نظر البعض - دليلاً على نقص الخبرة السياسية وضعفاً في المقدرة العملية، ولكن حقيقة الأمر أن علياً بن أبي طالب لم يجعل الجانب العملي، والنجاح السياسي، فوق الاعتبارات المبدئية التي تقف (الحرية) في مقدمتها. فما كان يهمه النجاح بأناس مُستكرهين، أو قاصري التفكير، غير واثقين من صحة أفكارهم.
إن نجاحاً هذا شأنه هو نجاح مرحلي، موقت، سرعان ما يتحول إلى إخفاق، وإن أناساً هذا شأنهم سرعان ما يرتدّون، راجعين إلى حقيقتهم الأصلية، فكانت أفكار علي تتجاوز كل ما هو مصلحيّ، وما هو موقت، إلى ما هو أبدي، وتاريخي، وثابت.
وكان يُربي الناس في ميدان التربية الحقيقي، في أن يكونوا بما هُم عليه، وليس بغير ذلك. فكان تاريخه الشخصي تاريخ حرية فرد، وكان تاريخه معهم تاريخ قائد يريد منهم أن يكونوا أحراراً ويظلوا أحراراً، حتى يُقبلوا إلى حساب الرب، مُتتلمذين ومتربين على الحرية في الحياة التي عاشوها.
الهوامش
1 - عباس محمود العقاد: عبقرية الإمام علي.
2 - جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية.
3 - جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية.
4 - المصدر نفسه.
5 - المصدر نفسه.
6 - جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية.
7 - جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية
|
|
|
|
|