بسمـ الله الرحمن الرحيمـ
اللهمـ صلى على محمد وآل محمد
** ** ** **
في سورة الكوثر وهي قوله عزوجل:
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)
نزلت سورة الكوثر على النبي (ص) ، فالمراد من الكوثر هو: الخير الكثير ، والمراد من الخير الكثير : كَثرَة الذُّرِّيَّة ، لِمَا في ذلك من تَطْييبٍ لِنَفْسِ النبي (ص) .
وَرُوِيَ أنه قال لخديجة (ع) قبل ولادة فاطمة (صلوات الله عليها)
هَذا جِبرَئِيلُ يُبَشِّرُنِي أَنَّها أُنثَى ، وأَنَّهَا النَّسلَةُ ، الطاهرةُ ، المَيْمُونَةُ ، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نَسلِي مِنها ، وسيجعل مِن نَسْلِهَا أئمة ، ويجعلُهُم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه .
وفي آية التطهير وهي قوله عزَّ وجلَّ:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيرا) الأحزاب : 33 .
فقد كان رسول الله (ص) يَمُرُّ على دار فاطمة (ع) صباح كل يوم عند خروجه إلى المسجد للصلاة ، فيأخذُ بِعُضَادَةِ الباب قائلاً: (السَّلامُ عَليكُم يَا أَهْلَ بَيتِ النُّبُوَّة) ، ثم يقرأ هذه الآية المباركة .
وكذلك في آية المَوَدَّة وهي قوله عزَّ وجلَّ:
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) الشورى : 23 .
قد أخرج أبو نعيم ، والديلمي ، من طريق مجاهد ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص):
(لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى أن تحفظوني في أهل بيتي ، وتَوُدُّوهُم لِي) .
وعلى هذا فإذا كان أجرُ الرسالة هو المَوَدَّة في القربى ، وإذا كان المسؤول عنه الناس يوم القيامة هو المَوَدَّة لأهل بيت النبي (ص) ، فبماذا نفسر ما حصل للزهراء (ع) بعد وفاة أبيها (ص) من اهتضام ، وجسارة ، وغَصبِ حَقٍّ ......؟؟ ( لكننا نترك ذلك إلى محكمة العدل الإلهية)
وايضا آية القربى وهي قوله عزوجل
(وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ )الإسراء : 26 .
فقال شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد : إن الله عزَّ سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله (ص) حصون خيبر ، قذف الله الرعب في قلوب أهل فَدَك ، فنزلوا على حكم رسول الله ( ص) صاغرين .
فصالحوه على نصف أرضهم ، وقيل : صالحوه على جميعها فقبل ذلك منهم ، فكان نصف فَدَك مُلكاً خالصاً لرسول الله ( ص) ، إذ لم يوجف المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكَاب . .فعندما أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله:
(وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ) .أنحلَ فاطمةَ فدكاً ، فكانت فَدَك في يدها ( عليها السلام ) حتى انتُزِعَتْ منها غَصباً في عهد أبي بكر .
وقوله عزَّ وجلَّ :
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة )البيِّنة : 7 .
ففي تفسير مجمع البيان عن مقاتل بن سليمان عن الضحَّاك عن ابن عباس في قوله :
(هُمْ خَيرُ البَرِيَّة) قال: (ص) (نَزَلَتْ فِي عَليٍّ وأهل بيته) ( عليهم السلام) وايضا آية الإِطعَام ، وهي قوله عزَّ وجلَّ :
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً )الإنسان : 8 - 9 .
وقصتها كما في تفسير الكشاف للزمخشري عن ابن عباس : أن الحسن والحسين (عليهما السلام )مَرِضَا ، فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نَذرتَ على ولديك .
فَنَذَر عَليٌّ وفاطمةُ (عليهما السلام) وجَارِيَتُهُما فِضَّة إن برءا مما بِهِما أن يَصومُوا ثلاثة أيام .
فَشُفِيَا وما معهم شيء .
فاستقرض الأمام عليٌّ(ع) من شَمْعُون الخيبري اليهودي ثلاث أَصْوُعٍ من شعير ، فَطحنت فاطمة الزهراء (ع) صاعاً ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم .
فوضعوها بين أيديهم لِيُفطِرُوا ، فَوقَفَ عليهم مِسكين وقال :
(السَّلام عليكم يا أهلَ بيتِ محمدٍ ، مِسكينٌ مِن مَساكِين المُسلمين ، أطعِمُونِي أطعمكمُ اللهُ من موائد الجنة) ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صياماً .
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يَتِيم ، فآثروه.
ووقف عليهم أسيرٌ في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذَ الأمام علي (ع) بيد الحسنان (عليهما السلام) ، وأقبلوا إلى رسول الله (ص) ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع قال) : مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم) .
فانطلق معهم ، فرأى فاطمة (ع) في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد ، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل بيتك ، فَأقرَأَهُ الآية .
وفي آية المباهلة ايضا قال عز من قائل :
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِين ( آل عمران : 61
قد نزلت هذه الآية حينما جاءَ وفد نَجْرَان إلى النبي (ص) لِيتحدَّثَ معه حول عِيسى ، فقرأ النبي(ص) عليهم الآية التالية :
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )آل عمران : 59
فلم يقتنع النصارى بذلك ، وكانت عقيدتهم فيه أنه أبنُ الله ، فاعترضوا على النبي (ص) ، فنزلت آية المُبَاهلة .
وهي أن يَتَبَاهَلَ الفريقان إلى الله تعالى ، وَيَدعُوَانِ اللهَ تعالى أن يُنزل عذابَهُ وغضبَه على الفريق المُبطِل منهما ، واتفقا على الغد كيوم للمباهلة، ثم تَحاوَرَ أعضاءُ الوفد بعضهم مع بعض ، فقال كبيرهم الأسقف : إنْ غَداً جَاء بِوَلَدِهِ وأهل بيته فلا تُبَاهلوه ، وإِن جَاء بغيرهم فافعلوا .
فَغَدَا الرسول الأكرم (ص) مُحتَضِناً الحسين ، آخذاً الحسن بيده ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليٌّ خَلفَها (عليهم جميعا سلام الله وملائكته) .
ثم جثى النبي (ص) قائلاً لهم) : إذا دَعَوتُ فَأَمِّنُوا .
أما النَّصارى فرجعوا إلى أسقَفِهِم فقالوا : ماذا ترى ؟
قال : أرى وجوهاً لو سُئِل اللهُ بِها أن يُزيلَ جَبَلاً مِن مكانِهِ لأَزَالَهُ .
فخافوا وقالوا للنبي (ص): يا أبا القاسم ، أقِلنَا أقال الله عثرتَك .
فَصَالَحُوهُ على أن يدفعوا له الجِزية .
فهذه الصورةٌ تحكي عن حدث تاريخي يَتبَيَّن من خلالهِ عَظمة فاطمة الزهراء (ع) ، وأهل بيتها (ع) ، ومنازلهم العالية عند الله تعالى .
فهذا هو إبداع القرآن الكريم ، وهذه هي بلاغته والتفاتاته ، وهذه هي عظمة فاطمة الزهراء (ع) عند ربها العظيم .