عدّت النساء قبل مجيء الإسلام وبشكل واسع، كينونات لا شخصية لها في العديد من مجتمعات العالم. وقد احتاجت المرأة لقرون عديدة بالطبع، قبل أن تتمكن من الحصول على حقوق مساوية لحقوق الرجل نظرياً على الأقل، أن لم يكن فعلياً. إلا أن الصراع من أجل حقوق متساوية في النوع الاجتماعي لم ينته بعد.
وتشير العديد من الأصابع ضمن هذا النزاع إلى الإسلام على أنه واحد من أكبر المعوقات أمام حقوق المرأة. إلا أن ذلك لا يبدو صحيحاً عندما نستشير القرآن الكريم، فالعادات المحافِظة المتأصّلة في المجتمع لا تجد مكاناً في رؤية القرآن الكريم لكرامة المرأة واحترامها.
يقول القرآن الكريم: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهماً رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيباً". (القرآن الكريم 1:4).
تُظهِر هذه الآية بوضوح أن المرأة والرجل في الإسلام متساويان بشكل جوهري ضمن عملية الخلق بحد ذاتها، وخارجياً بحكم علاقتهما مع بعضهما بعضاً وواجباتهما أمام الله تعالى. واقع الأمر أن التركيز على النساء في نهاية السورة كأمهات بحكم الواقع هو الإشارة الوحيدة لعدم المساواة النسبية، ولكن لصالح المرأة.
كان الأهل في عصر الجاهلية يقومون أحياناً بوأد بناتهم لاعتبارات أن ولادة ابنة يشكّل نذيراً سيئاً غير ميمون للأسرة. وقد شجب القرآن الكريم مشاعر العار من الفتاة وقال أن من يرتكب فعلاً كهذا "يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدّسه في التراب ألا ساء ما يحكمون" (القرآن الكريم 59:16).
ما زلنا بعد أربعة عشر قرناً من بدايات الإسلام وما تبع ذلك من تقدم وتطور وتعليم وتنوير، نلاحظ وصمة العار التي ترافق ولادة ابنة في أجزاء معينة من العالم، مثل معظم جنوب آسيا على سبيل المثال. ويعتبر ميلاد ولد في مجتمع يُعيل فيه الرجال أحياناً الأسرة بكاملها على أنه سبب أكبر للاحتفال.
وعلى الرغم من أن تمكين المرأة نتيجة تعليم أفضل وتوفير فرص عمل، يؤدّي إلى تغيير الهياكل المجتمعية، يتوجب علينا أن نفعل المزيد لاحترام المساواة في النوع الاجتماعي التي يبسطها القرآن الكريم. لا يوافق الإسلام على الزواج بالإكراه، أو على ما يُسمّى بجرائم "الشرف" أو حجز المرأة في المنزل، وهو ما تتّبعه الثقافة والتقاليد والعادات الاجتماعية.
على الزعماء السياسيين والدينيين في بعض المجتمعات الإسلامية المحافِظة الأكثر تقليدية، مثل المناطق القبلية في الباكستان، أن يحترموا منظور القرآن الكريم لوضع المرأة وحقوقها وأن يعملوا على البناء على هذا المثال والقول الفيصل.
لقد أعطى الإسلام المرأة حق الميراث قبل 12 قرناً من حصول المرأة الأوروبية عليه، "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً" (القرآن الكريم 7:4).
ظهر الإسلام في وقت وفي مجتمع كان يجري فيهما الحصول على النساء كممتلكات وكجزء من الميراث. ولم يكن الأمر أقل من ثوريّ بالنسبة لهن لأن يحصلن على حقوقهن الخاصة بالميراث والاعتراف بهذه الحقوق.
يُفهم الجدل في الطرح الإسلامي حول حقوق المرأة أو أية حقوق أخرى دائماً في مضمون الحقوق والمسؤوليات من منظور إسلامي. وحتى نحترم هذه الحقوق والمسؤوليات ونفهم دورنا في تطوير المجتمع، علينا أن نثقّف أنفسنا. فالتعليم والمعرفة أمران مفروضان على الرجال والنساء في الإسلام.
التعليم في نهاية المطاف هو الذي يشكل عاملاً محفّزاً للتغيير.
"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وإنما يتذكر أولو الألباب"
(القرآن الكريم 9:39).
يجب أن تسبق تعاليم الإسلام وتأخذ أولوية على الثقافات والعادات ذات الإجحاف المتأصّل ضد دور المرأة البنّاء في العديد من المجتمعات الإسلامية، والتي هي، مما يثير السخرية، باسم ذلك الدين الذي وهب المرأة حقوقاً أعظم بكثير مما يمكن أن تقبله تلك الهياكل الاجتماعية أو تستطيع تقبّله.
يجب دعم أية جهود للتمكين حسب رؤية القرآن الكريم، الذي يؤيد وضع المرأة أمام القانون. ونطرح السؤال على هؤلاء الذين يحرمون المرأة حقوقها "أفلا يتدبّرون القرآن"؟ (القرآن الكريم 82:4).
*الدكتور أفتاب خان أستاذ جامعي متقاعد ومؤلف العديد من الكتب ومنها "الجنس والأمور الجنسية في الإسلام" (2006). هذا المقال جزء من سلسلة حول المرأة المسلمة وحقوقها الدينية.