أثناء خطواته الأولى نحو عالمٍ مجهول وسطَ ضبابٍ كثيف حل ظلامُ الكون على الشاب سامي البالغ من العمرثمانية وعشرون خريفاً و الفاقد لحضن والدته مبكرا ً فقد كانت مصابةً بمرضٍ خطير ،ولم تخضع للعلاج بسبب ضيق العيش وعدم توفر الامكانيات المادية ..
فهو الولد الوحيدلها فلم تُنجب غيره شبَ سامي واشتد عوده وهو باحضان والده اللذي اعطاه جُل اهتمامه فكان له الأم والأخ والأخت
محاولاً اسعاده فبات يرى الدنيا بوجه والده .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي يكون فيه وحيدا ً في عالمه الواسع فلقد رحل الوالد جراء حادث سير...
أثر هذا الحدث على نفسية سامي كثيرا ً وعمّق شعوره بالوحدة رغم كونه رجل متزوج و لديه طفلان,صالح ويبلغ من العمر سنتان ونصف و هناء التي تصغر أخاها بسنة واحدة ..
اضطر سامي للإنتقال مع عائلته إلى أحدى القرى القريبة من بلدته ضناً منه أن كلا حالته النفسية والمادية قد تتغيران هناك , مرت الايام والشهور على عائلة سامي بضيق وأسى بسبب تردى حاله فلم يقم بالبحث عن عمل ليسهل امور العيش على زوجته واطفاله اضافةً الى سوء معاملته لهم ونفذ ماكانو يملكون من المال ..
فبعد فشله في تغير حالهم قرر العودة إلى قريته هناك مما زاد من حالته النفسية سوءا ً فلم يعد يطق سماع أي رأي يعارضه مما جعل التفهم معه أمرا ً صعبا ً ورغم ذلك فقدكانت أم صالح (زوجته) حليمة وصبورة معه ...
و في أحد الأيام و كعادته أبو صالح في غضبٍ شديد تسبب في شجاركبير مع زوجته فقد كان يريد بيع ماتمتكله من ذهب ليتمكن من السفر ليرفه عن نفسه و عندما رفضت أم صالح ذلك
ثارت ثائرة سامي قرر تركها والذهاب مع اطفاله فبذلك ستحرم من رؤيتهم (فقد كانو يقيمون في منزل والد ام صالح بعد عودتهم من القرية الأخرى)
خرج باطفاله وهو في حالة غضب عارمة بينما ام صالح غدت باكية محطمة القلب ضعيفة البدن..
دق جرس المنزل في وقت الظهيرة فاتجه(ياسين) والد أم صالح ليفتح الباب ...
العسكري : السلام عليكم ، هذا بيت ياسين حسين
ياسين : أي نعم
العسكري : أنا مرسل من جهة زوج ابنتك و يقول إذا تبون عيالكم تعالوا مركز الشرطة و السلام
ياسين : مشكور أخوي و إن شاء الله جايين
فما إن ذهب العسكري توجه الأب لينادي ابنته
ياسين: أم صالح ... يابنتي
أتت أم صالح و دموعها لا زالت تتساقط من عينيها و صوتها مخنوق بعبرته : نعم يبه
ياسين: الله ينعم بحالج روحي لبسي عباتج عشان نروح نجيب عيالش من أبوهم
تنهدت أم صالح و قالت : ان شاء الله يبى
عادت الأطفال للحضن الدافئ الذي كان ينتظرهم طيلة تلك الساعات الماضية و قدمت أم صالح لزوجها تنازلها عن ماتملكه من ذهب
و لم تهم لذلك لأن الثمن هو أطفالها فلا مكانة للمال في قلبها و لا حاجة لها به..
حاولت أم صالح أن تطوي الصفحات المظلمة التي عاشتها وأخذت عهدا ً على نفسها أن تقضي حياتها في تربية طفليها