قصة سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عليه مع رجل ميت
بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل و سلم و زد و بارك على النبي الأمي العربي الهاشمي القرشي المكي المدني الأبطحي التهامي السيد البهي السراج المضي الكوكب الدري صاحب الوقار و السكينة المدفون بالمدينة العبد المؤيد و الرسول المسدد المصطفى الأمجد المحمود الأحمد حبيب إله العالمين و سيد المرسلين و خاتم النبيين و شفيع المذنبين و رحمة للعالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه و على آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، و بعد:
..
في البحار و في مناقب شاذان ابن جبرئيل عن الأصبغ ابن نباتة قال: كنت مع سلمان الفارسي و
هو أمير المدائن في العراق، في زمان أميرالمؤمنين (ع)، و قد اشتد به المرض الذي توفي فيه،فقال:
يا أصبغ، سمعت رسول الله (ص) يقول لي: (يكلمك رجل ميت إذا دنت وفاتك) و قد اشتهيت أن
أدري هل دنت وفاتي، فقال الأصبغ: بمَ تأمرني؟ فقال آتيني بسرير و احملني عليه إلى المقبرة،
فقال الأصبغ: حبا و كرامة، ففعل ما أمره، حتى وضعه بين القبرور، و استقبل سلمان القبلة بوجهه
و نادى: السلام عليكم يا أهل عرصة البلاء، السلام عليكم يا محتجبين عن الدنيا، السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غذاء، السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء، السلام عليكم يا من لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى، سألتكم بالله العظيم، و النبي الكريم، إلا أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله (ص)، فإذا هو بميت قد نطق من قبره
و قال: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته يا أهل البناء و الفناء، و المشتغلين بعرصة الدنيا، ها
نحن لكلامك مستمعون، و لجوابك مسرعون، فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى، قال سلمان: أيها الناطق بعد الموت، و المتكلم بعد حسرت الفوت، أمن أهل الجنة أنت أم من أهل النار؟ فقال: يا سلمان، أنا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه و كرمه، و أدخله الجنة برحمته، فقال له سلمان: يا عبدالله، صف لي الموت كيف وجدته، و ما عاينت منه، قال: يا سلمان فو الله أن قرضا بالمقاريض، و نشرا بالمناشير، لأهون من نزعة من نزعات الموت، اعلم أني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله الخير، و أعمل به، و أُأَدي فرائضه، و أتلو كتابه، و أبر الوالدين، و أجتنب الكبائر و الحرام، و أطلب الحلال خوفا من السؤال، فبينما أنا في ألذ العيش و السرور، إذ مرضت في مرضي أياما، حتى دنا موتي، أتاني عند ذلك رجل عظيم الخلقة، فظيع الهيئة، لا إلى السماء صاعد، و لا إلى الأرض نازل، فأشار إلى بصري فأعماه، و إلى سمعي فأصمه، و إلى لساني فأخرسه، فقلت له: من أنت يا عبدالله، فقد أشغلتني عن أهلي و ولدي، فقال: أنا ملك الموت أتيتك لأقبض روحك، فقد انقطعت مدتك، و جائتك منيتك، فجذب الروح من جسدي، و ليس من جذبة يجذبها إلا و هي تقوم مقام كل شيء، حتى صارت الروح في صدري، فأشار إلي بجذبة لو أشارها إلى الجبال لذابت، فقبض الروح من عرنين أنفي، فعلا من أهلي الصراخ و البكاء، و ظهر خبري إلى الجيران و الأحباء، و ليس من شيء يقال و يفعل بجنبي و حولي إلا و أنا عالم به، فلما اشتد صراخ القوم علي، التفت ملك الموت إليهم بغيظ و قنوت، و قال: ممَ بكاءكم؟ فو الله ما ظلمناه فتصيحون، و لا اعتدينا عليه فتبكون، لقد انقطعت مدته، و فني رزقه، و صار إلى ربه الكريم، نحن و أنتم عبيد رب واحد، يحكم فينا ما يشاء، و هو على كل شيء قدير، فإن صبرتم أُجرتم، و إن جزعتم أُثمتم،
كم لي من رجعة إليكم؟ آخذ البنين و البنات، و الآباء و الأمهات، ثم انصرف عني، و الروح فوق
رأسي تنظر إلي، حتى جاء الغاسل، و جردني من أثوابي، و أخذ في تغسيلي، فنادته الروح: يا
عبدالله، رفقا بالبدن الضعيف، فو الله ما خرجت من عرق إلا انقطع، و لا عضو إلا انصدع، فو الله
لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميتا أبدا، فلما فرغوا حملوني على السرير، و الروح أمامي، حتى وضعوني على شفير القبر، فلما أنزلوني في قبري عاينت هولا عظيما، يا سلمان، لقد تمثل لي أني سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي، ثم شُرج علي اللبن، و حُثي التراب علي، و رجع المشيعون، فعند ذلك أخذت بالندم، و قلت: يا ليتني كنت من الراجعين لأن أعمل صالحا، فأجابني مجيب من جانب القبر: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } المؤمنون أية 100
فقلت له: من أنت يا هذا؟ قال: أنا ملك وكلني الله عز و جل بجميع خلقه لأنبئهم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بأيديهم، ثم جذبني، و أجلسني، و رجعت الروح إلى جسدي، و قال: اكتب عملك فقلت: أنا لا أحصيها، فقال لي: أما سمعت قول ربك: { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } المجادلة آية6، أكتب فأنا أملي عليك، فقلت: أين البياض؟ (يعني الورق) فجذب جانبا من كفني، و قال: هذه صحيفتك، فقلت: من أين القلم؟ قال: سبابتك (اصبعك)، فقلت: أين المداد؟ قال: ريقك، ثم أملى علي ما فعلته في دار الدنيا، فلم يبقى من أعمالي صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها، { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } الكهف آية 49، ثم أنه أخذ الكتاب و ختمه بخاتم، و طوقه في عنقي، فخيل لي أن جبال الدنيا جميعا
قد طوقوها في عنقي، فقلت: لمَ تفعل ذلك؟ قال لي: ألم تسمع قول ربك: { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) } الاسراء، ثم انصرف عني، فأتاني بعد ذلك نكيرا بأعظم منظر، و بأوحش صورة، و بأيديهما عمودان من الحديد، لو اجتمعت عليهما أهل الثقلين ما حركوهما من ثقلهما، فروعاني، و أزعجاني، و هدداني، و قبضا بلحيتي و أجلساني، و صاحا علي صيحة لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعا، و كان من شأنهما ما كان، ثم أكمل قائلا: فراقب الله أيها السائل، خوفا من وقفة المسائل، و خف من هول المطلع، و ما قد ذكرته لك، هذا ما لقيته و أنا من الصالحين، ثم انقطع كلامه، فعند ذلك رمق سلمان بطرفه إلى السماء، و بكى، و قال: يا من بيده ملكوت كل شيء، و إليه ترجعون، و هو يجير و لا يجار، عليه بك آمنت، و لنبيك اتبعت، و بكتابك صدقت، و قد أتاني ما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد، اقبضني إلى رحمتك، و أنزلني دار كرامتك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، و حده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، فلما أتم سلمان شهادته قضى نحبه، و لقي ربه...