الأخطار اتجاه الشعائر الحسينية -بكافة أنواعها وأشكالها- عديدة وتظهر بعدة مواقف منها:
1. موقف العداء المطلق لكل ما يمت لهذه الشعائر من صلة، وهذا الموقف تمثله جبهة عرفت بالعداء والنصب للطائفة المحقة، وهذا الخطر هو ما يسمى بالخطر الخارجي، فهو واضح المعالم والأهداف، كما أن مواجهته واضحة وحتمية.
2. موقف التحفظ أو الرفض لبعض أشكال تلك الشعائر، وهذا تمثله جبهة داخلية وهي تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: يمتلك أدوات الاجتهاد الحقيقية وتتوفر فيه الشروط المطلوبة، إلا أنه يُخضِع تلك الشعائر ضمن دائرة المكان والزمان، فهذه الشعائر وضمن رؤيته واجتهاده تدور بين الجواز والمنع بتغير المكان أو الزمان أو كليهما، وهذا الموقف قد يمثله قسم من علمائنا العظام.
- القسم الثاني: تَحفُظه أو رفضه لتلك الشعائر يمثل سياسة عامة ومنهجاً لمنظومته الفكرية، وهذا الموقف هو موقف ما يسمى بالتيار التشكيكي (الخطر الداخلي) فالمسألة عنده لا تقف عند حدود هل التطبير جائز أم لا؟
وهل أن حادثة الزهراء (عليها السلام) وقعت أم لا؟
وإنما تتعدى ذلك بكثير حتى تمثل منهجاً عاماً حاكماً لسلوكياته ومواقفه.
لماذا نرفض القسم الثاني دون الأول؟
من الأمور المنهجية والعلمية لمحاكمة فكر أي شخص يجب أن لا تنطلق من المفردات، فما من عالم إلا وقد تجد عنده مفردة أو مفردتين أو أكثر لم يصب بها الواقع فالعصمة للرسول صلى الله عليه وآله ولأهل بيته عليهم السلام، ولكن هذا لا يعني أن هذا العالم منحرف عقدياً أو فكرياً ما دام يمتلك المنهج السليم، وهذه من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها بعض الموالين لمواجهة هذا التيار التشكيكي، فإذا قال لهم أن فلاناً (المشكك) يذهب إلى كذا وكذا أجابوه أن العالم الفلاني ذهب إلى نفس كذا وكذا.
إذاً، الطريقة العلمية والمنهجية لمحاكمة أي فكر علينا أن نحاكم المنهج ومن خلال المنهج نستطيع أن نحاكم المفردات، فنحن عندما نستشكل على البعض في قضية الزهراء (عليها السلام) لا نستشكل عليه لمجرد هذه القضية فقط (وإن كانت هذه القضية كبيرة) وإنما نستشكل لأن هذا البعض لم يصل إلى هذه المفردة إلا من خلال منهج معين مرفوض.
إذاً، علينا أن نتحصن عقدياً وفكرياً من خلال التعرف على منهج أهل البيت (عليهم السلام) وغرسه في نفوسنا ومن خلاله نحاكم أي منهج.
فقد تكون المفردة مشتركة بين هذا البعض وغيره من الأعلام فلا يجوز لنا أن نساوي بين هذا البعض وبين غيره من هؤلاء الأعلام.
من ملامح الخطاب التشكيكي:
من ملامح الخطاب التشكيكي هو المأزومية (أي الخطاب المأزوم) بمعنى أن هذا الخطاب دائماً يعيش في أزمة لكي يثبت أفكاره وهذه الأزمة تتمثل في الاتكاء على الآخر أو ضربه فعلى سبيل المثال، ما يكرره البعض،والذي ينطلي على -البسطاء-
قوله : "ما لا يعجبني في عاشوراء .... أن نستعد ماديا لاستقبال عشرة محرم من ملابس وغيرها وننسى أن نهيئ أنفسنا فكريا وروحيا لدروس الثورة الحسينية
وما لا يعجبني في عاشوراء .... أن تمتلئ طرقاتنا بالأكل والمشروبات وكأننا في مهرجانات فرح همنا الطعام وننسى إن الحسين قُتل، عطشانا، ظمآن، وننسى لماذا قتل حسيننا؟؟
وما لا يعجبني في عاشوراء .... أن تتنافس المآتم الحسينية وخصوصاً النسائية بتقديم البدع من المأكولات والمشروبات وتكون منافستهم الوحيدة من الأفضل والأكرم في تقديم المأكولات وتنسى القيمة الحقيقية والرسالة العلمية للمآتم الحسينية...".
وهكذا تستمر كلمة ما لا يعجبني إلى نهاية الخطاب، فهذا الخطاب لكي يثبت – وكما يدّعي- القيمة الحقيقية والرسالة العلمية للمآتم الحسينية - يتكئ على الآخر، فهو خطاب يعيش ديمومة الأزمة، ونسيَّ أو تغافل أن مفردات المنظومة الإسلامية ذات إطار ومحتوى، فإطار الصلاة هي تلك الحركات من ركوع وسجود و.. و.. ومحتواها التقرب إلى الله تعالى والنهي عن الفحشاء والمنكر، وكذلك عاشوراء الحسين عليه السلام والتي تمثّلَ فيها الإسلام هي إطار ومحتوى، فإطارها ما لم يُعجب هذا البعض في عاشوراء، ومحتواها رفع راية قيم الدين الإلهي وتنكيس راية الشيطان وأزلامه .
وهناك عدة ملامح لهذا الخطاب التشكيكي منها المغالطات، والضحالة الفقهية، وعقدة سمعة المذهب ... وكل من تلك الملامح يحتاج إلى إيضاح لا يمكن عرضه لضيق المقال ... نأمل أن نوفّق في حلقة أخرى ... نسأل الله تعالى التوفيق والسداد.