يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخرى ، فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الى وجود العدل في كل أفعال الله تعالى فهو ـ أي الله تعالى ـ قد جعله من أسماءه الحسنى فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً وانما كان على اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها المختلفة العدل التكويني ، والعدل التشريعي ، والعدل الاخلاقي ، والعدل الاجتماعي ... الخ . والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود مبني على أساس العدل والتوازن على أساس الاستحقاق والقابلية ، وعلى هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد على مسالة العدل سواء كان ذلك عن طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة ، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في كل مظاهرها الوجودية ، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الالهية والتدبير الالهي قائماً على أساس العدل حيث يقول الباري عز وجل في هذا المضمار ( شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ).
أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) .
وعلق على هذه الآية الرسول الكريم بقوله : « بالعدل قامت السماوات والأرض » واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني ، وقد صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام النظام البشري وارساء الحياة الانسانية على أساس العدل والقسط : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) .
واضافة إلى ذلك فان الاصل الكلي الذي نسبه القرآن الى كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية هو « قل أمر ربي بالقسط » وفي مكان آخر يقول « ذلكم أقسط عند الله » . ويعتبر القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم مع العدل ، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيم للامامة والقيادة : ( وإذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) .
فعندما أختار الله ابراهيم إماماً ، إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله ؟
فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه ، يعني مقتضى العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين . وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الافكار القرآنية من التوحيد الى المعاد ومن النبوة الى الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية الى الاهداف الاجتماعية ، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع.
اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان الله جل جلاله أعطى الى اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلى كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها ؟
فمثلاً مقام فاطمة الزهراء عليها السلام وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء والجن والانس ، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطى تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا ؟
وهذا السؤال يحتاج الى ذكر مسألة مهمة وهي تعهريف العدجل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نرى مدى انطباق هذا الموضوع وعلى ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ومدى ارتباطها بالعدل الالهي .
العدل في اللغة : العدل من أسماء الله سبحانه ، العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ، وهو في الاصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهوأبلغ منه لانه جعل المسمى نفسه عدلاً وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل .
والعدل : الحكم بالحق ، فيقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه .
اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التحريف الذي يقول : « هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود وعدم الامتناع عن الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال » .
وعلى أساس هذا التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود ، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض ، ولما كانت الذات الالهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة على الاطلاق فهي تعطي ولاتمسك ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجودأو كمال وجود ، فالعدل الالهي ـ حسب هذه النظرية ـ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبأمكانه ان يستوفيه .
وعلى هذا الاساس تكون الزهراء مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية ، فكونها عليها السلام حجة على الأنبياء وعلى جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرى يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله تعالى اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال ، أما كيف كانت مستحقة لذلك فهذا مانفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صارة لما امتحنك » فعلى أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالى وجدها مستحقة للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها السامي انما هو بالامكان اللأئق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكون عليها السلام حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ان مولاتنا لفاطمة هل هي من العدل الالهي أم لا ؟
لاشك ولا ريب عندما يطلب الله تعالى منا ان نكو مع الزهراء عليها السلام في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالى وعلى لسانه في القرآن الكريم اعتبر أذى رسوله من الأسباب المؤدية الى اللعنة والعذاب الأليم وبأعتبار كونها عليها السلام من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله المعبر عنهم « بنسائنا » في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضى رسول الله وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الى ذلك انها مستحقة حسب وجودها واللفيوضات الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذ عليها السلام مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن مولاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالى ونكون له ملازمين له في كل الحالات