اللهم صل على محمد سيد الأنبياء والمرسلين من الأولين والآخرين ، حبيبك وصفيك الذي أكرمته وحبيته وآويته ، فجعلته نور يشرق هداه على كل مؤمن يحب الرب ورضاه ، حتى كان فخر الكائنات وسيد الأنبياء والمرسلين ، وختم بنبوته ورسالته تنزيل معارف الهدى والدين ، فكان بكل ما علّمه وظهر به أسوة وقدوة لكل العالمين
بلغ العلا بكماله * كشف الدجى بجماله
صـــــــلــــوا عــــليــــه و آلــــــه
قال الله تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم 4 ولا يوجد وصف أحسن منه ، وهذه أوصاف متتالية لنبنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم عرفنا بها رب العزة فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا }
*النبي محمد ع لسان أهل بيته "عليهم سلام الله"
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس كفاً ، وأكرمهم عشرِة ، مَن خالطه فعرفه أحبه
قال الإمام الحسين بن علي عليهم السلام :
سألت أبي عن دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :
كان دخوله : لنفسه مأذونا له في ذلك ، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء :جزءا لله عز وجل ، وجزءً لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزءوه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر - أو قال لا يدخر - عنهم شيئا .
فكان من سيرته في جزء الأمة : إيثار أهل الفضل بإذنه ،وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسألته عنهم ، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم .
ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ، وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون زواراً ، ولا يفرقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أدلة فقهاء .
قال عليه السلام : فسألته من مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟
قال عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ، ويؤلفهم ولا يفرقهم – أو قال ولا ينفرهم – ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس الفتن ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه .
ويتفقد أصحابه: ويسأل الناس عما في الناس ، فيحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأسر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه .
الذين يلونه من الناس خيارهم : أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة .
قال عليه السلام : فسألته عن مجلسه ؟
فقال عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه ، ولا يوطن الأماكن ، وينهي عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، يعطي كلا من جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه .
من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه .
ومن سأله حاجةلم يرده إلا بها ، أو بميسور من القول .
قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء .
مجلسه :مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات، ولا يوهن فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته ، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعون ، يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون - أو قال يحوطون الغريب .
قال : قلت : كيف كانت سيرته مع جلسائه ؟
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب , ولا فحاش ، ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، فلا يؤيس منه ،ولا يخيب فيه مؤمليه .
قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، ومما لا يعنيه .
وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته .
ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه : إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا .
ولا يتنازعون عنده الحديث :من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوليهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته ، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم .
ويقول :إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز ، فيقطعه بانتهاء أو قيام .
قال عليه السلام : قلت : كيف كان سكوته ؟
قال عليه السلام : كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أربعة : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكر .
فأما تقديره : ففي تسوية النظر ، والاستماع بين الناس .
وأما تفكره : ففيما يبقى ويفنى .
وجمع له الحلم والصبر :فكان لا يغضبه شيء ولا يستنفره .
وجمع له الحذر في أربعة : أخذه بالحسن ليقتدي به ، وتركه القبيح لينتهي عنه ، واجتهاده فيما أصلح أمته ، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة)
*أخلاقه مع من صحبه وتواضعه
عن كتاب مكارم الأخلاق عن كتاب شرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ، عن أنس بن مالك قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ، ويركب الحمار ، وكان يوم خيبر ويوم قريضة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته إكاف من ليف
وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض ، ويعتقل الشاة ، ويجيب دعوة المملوك ..
من كتاب النبوة عن أبي عبد الله عليه السلام يقول : مرت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة بذية وهو جالس يأكل .
فقالت : يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه .
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ويحك ! وأي عبد أعبد مني .فقالت : أما لي فناولني لقمة من طعامك . فناولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقمة من طعامه . فقالت : لا والله إلى التي في فيك .
قال : فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقمة من فيه فناولها فأكلتها . قال أبو عبد الله عليه السلام : فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا .
وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه ، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع ، وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط ، وما قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل قط فقام حتى يقوم .
*جمل في أحواله وأخلاقه
من كتاب النبوة عن علي عليه السلام قال :
ما صافح رسول الله أحدا قط فنزع صلى الله عليه وآله وسلم يده حتى يكون هو الذي ينزع يده .
وما فاوضهأحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف. وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت .
وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط ، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما .وما انتصر لنفسهمن مظلمة حتى ينتهك محارم الله ، فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى .
وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا . وما سئل شيئا قط فقال لا .
وما رد سائلحاجة قط إلا بها أو بميسور من القول .
وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة ، و أقلهم هذراً
. وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل مما يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده.
وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عباً
وكان يمينه: لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه ، فكان لا يأخذ إلا بيمينه ، ولا يعطي إلا بيمينه ، وكان شماله : لما سوى ذلك من بدنه .
وكان يحب التيمن في كل أموره : في لبسه وتنعله وترجله .
وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وترا ، وإذا استأذن استأذن ثلاثا .
وكان كلامه فصلاً يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وإذا رأيته قلت : أفلج الثنيتين وليس بأفلج .
وكان نظره اللحظ بعينه. وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه . وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب .
وكان يقول :إن خياركم أحسنكم أخلاقا ، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده ، وكان المحدث عنه يقول : لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رئي في الليلة الظلماء رئي له نور كأنه شقة قمر .
من عرّفه الله بالخلق العظيم وكونه بر رحيم ورحمة للعالمين بكلامه وفي كثير من الآيات
المجيدة ، وبحق ظهر بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب والصفات وبكل وجوده علما وعملا وسيرة وسلوكاً ، وكان بحق دليل على نور الله في أرضه ورحمة هدى لعباده ، وبهذه المواصفات الحميدة كان نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قدوة الوجود وأسوة البشر للوصول لرحمة الرب المعبود
لجنة المنتدى العام