محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن غالب ، عن أبي عبد الله عليه السلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة عليه السلام و صفاتهم : أن الله عز وجل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمة محمد صلى الله عليه وآله واجب حق إمامه ، وجد طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه ، لان الله تبارك وتعالى نصب الإمام علما لخلقه ، وجعله حجة على أهل مواده وعالمه ، وألبسه الله تاج الوقار ، وغشاه من نور الجبار ، يمد بسبب إلى السماء ، ولا ينقطع عنه مواده ، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته ، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ، ومعميات السنن ، ومشبهات الفتن ، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السلام من عقب كل إمام ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضي بهم لخلقه ويرتضيهم ، كل ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما ، علما بينا ، وهاديا نيرا ، وإماما قيما ، وحجة عالما ، أئمة من الله ، يهدون بالحق وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه ، يدين بهديهم العباد وتستهل بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد ، جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للاسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها . فالامام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى ، والقائم المترجى ، اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه ، وفي البرية حين برأه ، ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه ، محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده ، اختاره بعلمه ، وانتجبه لطهره ، بقية من آدم عليه السلام وخيرة من ذرية نوح ، ومصطفى من آل إبراهيم ، وسلالة من إسماعيل ، وصفوة من عترة محمد صلى الله عليه وآله لم يزل مرعيا بعين الله ، يحفظه ويكلؤه بستره ، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كل فاسق ، مصروفا عنه قوارف السوء ، مبرءا من العاهات ، محجوبا عن الآفات ، ، معصوما من الزلات مصونا عن الفواحش كلها ، معروفا بالحلم والبر في يفاعه ، منسوبا إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسندا إليه أمر والده ، صامتا عن المنطق في حياته . فإذا انقضت مدة والده ، إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبته ، وبلغ منتهى مدة والده عليه السلام فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ، وقلده دينه ، وجعله الحجة على عباده ، وقيمه في بلاده ، وأيده بروحه ، وآتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه ، واستودعه سره ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل بيان علمه ، ونصبه علما لخلقه ، وجعله حجة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه ، والقيم على عباده ، رضي الله به إماما لهم ، استودعه سره ، واستحفظه علمه ، واستخبأه حكمته واسترعاه لدينه وانتدبه لعظيم أمره ، وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل ، وتحيير أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء النافع ، بالحق الأبلج ، والبيان اللائح من كل مخرج ، على طريق المنهج ، الذي مضى عليه الصادقون من آبائه عليهم السلام ، فليس يجهل حق هذا العالم إلا شقي ، ولا يجحده إلا غوي ، ولا يصد عنه إلا جري على الله جل وعلا.