مناسبة صلح الامام الحسن ع مع معاويه لع ( 25 ربيع )
بتاريخ : 13-03-2010 الساعة : 02:41 AM
بعد مقتل أمير المؤمنين (ع) ومبايعة الإمام الحسن (ع) بالخلافة، ورث تلك التركة الثقيلة المتمثلة بهذا الخليط العجيب - من المقاتلة - الذي تجمعت فيه عدة اتجاهات متعاكسة وعناصر متضادة يمكن تصنيفها إلى فئات:
1) الخوارج: وهم الخارجون على طاعة الإمام علي (ع) والذين حاربوه وناوئوه ونصبوا له العداوة، وقد وجدوا في الإمام الحسن (ع) حلاً وسطاً لمحاربة معاوية، وهذه الفئة تستثيرها أدنى شهبة عارضة فتتعجل الحكم عليها.
2) الفئة الممالئة للحكم الأموي، وهي على قسمين:
* الذين لم يجدوا في حكومة الكوفة ما يشبع نهمهم ويروي من ظمأهم فيما يحلمون به من مطامع، فأضمروا ولاءهم للشام مترقبين سنوح الفرصة للوثوب على الحكم وتسليم الأمر لمعاوية.
* وهم الذين حقدوا على حكومة الكوفة لضغائن في نفوسهم أورثتها العهود السالفة، أو حسابات شخصية.
3) الفئة المترجحة التي ليس لها مسلك معين أو مهمة خاصة مستقلة، وإنما هدفها ضمان السلامة، وبعض المطامع عند الجهة التي ينعقد لها النصر.. فهي تترقب عن كثب إلى أي جهة يميل ميزان القوة لتميل معه.
4) الفئة الغوغائية، وهي الفئة التي لا تستند في موقفها إلى أساس بل هم اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح.
5) الفئة المؤمنة المخلصة، وهي القلة الخيرة التي يذوب صوتها في زحام الأصوات الأخرى المعاكسة لها..
كيف نظر الإمام الحسن (ع) إلى تلك الخارطة البشرية المتناقضة؟
ذكر ابن طاووس في كتابه (الملاحم والفتن) كلاماً للإمام الحسن (ع) يعبر عن ضعف ثقته بجيشه، وكان من ابلغ ما افضى به في هذا الصدد، وذلك في خطابه الذي خاطب به جيشه في المدائن، قال فيه:
(وكنتم في مسيركم إلى صفين، ودينكم أمام دنياكم، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، وأنتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون منا بثأره، وأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر).
أمام هذا الخليط العجيب والمتنافر، لم يقف معاوية مكتوف اليدين - وكان قد عرف نقاط الضعف التي ابتلي بها جيش الإمام الحسن - فبدأت دسائسه تنطلق شاقة طريقها إلى معسكر الإمام (ع) في (مسكن) حيث بدأت تظهر بوادر الفتنة بوضوح، وقد وجدت تلك الدسائس مجالاً خصباً بوجود المنافقين، ومن يؤثرون العافية، وكانت الشائعة (إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح فلم تقتلون أنفسكم)(2).
ذكر الصدوق في العلل:
(إن معاوية دس إلى عمرو بن حريث، والاشعث بن قيس وحجار بن أبجر، وشبث بن ربعي، دسيساً أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه، إنك اذاقتلت الحسن فلك مائة ألف درهم، وجند من اجناد الشام وبنت من بناتي، فبلغ الحسن (ع) ذلك).
ويستسلم عبيد الله بن عباس قائد جيش الحسن لعدوه معاوية، جاراً معه عدداً كبيراً من الزعماء والقواد والجند، وقد بلغ عدد الفارين والمستسلمين ثمانية آلاف من اصل جيش تعداده عشرون الفاً مقابل ستين الفاً هو جيش الشام.
ويقف الإمام الحسن (ع) أمام هذه النكبات والمحن المتتالية، متطامناً على نفسه، ناظراً في أمره، وإلى أين ستنتهي به هذه المسيرة.
وجاء وفد الشام المؤلف من المغيرة بن شعبة وعبد الله بن كريز وعبد الرحمن بن الحكم، وهو يحمل كتب أهل العراق ليطلع الحسن عليها، وليعرف ما انطوت عليه دخيلة أصحابه ممن أضمروا السوء وتطوعوا في صفوف جيشه لإذكاء نار الفتنة، عندما يحين موعدها المرتقب.
وعرض الصلح على الإمام بالشروط التي يراها مناسبة، ولكن الإمام لم يشأ أن يعطيهم من نفسه ما يرضي به طموح معاوية وكان دقيقاً في جوابه، بحيث لم يشعرهم بقبول الصلح أو ما يشير إلى ذلك، ولم يحدد الإمام لنفسه موقفاً معيناً قبل أن يختبر جنده ليتأكد له إلى أي مدى سيصمد معه جيشه في لحظات العنف، ولينكشف له صريحاً واقع جيشه المكفهر الغامض.. فخرج وخطب الناس خطبة قال فيها (ألا إن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن اردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف وإن أردتم الحياة قبلنا، وأخذنا لكم الرضا)
وبعث معاوية بالسجل المختوم للإمام الحسن (ع) ليشترط فيه ما يشاء لنفسه وأهل بيته وشيعته، وكتب الإمام الشروط، وأخذ من معاوية العهد والميثاق على الوفاء، واعطاه معاوية ما أراد مبطنا في داخله الحنث والنكول