الخطى ثكلى أنهكها الحزن وأثقلها الرحيل الغامض الصمت سيد الموقف دعواتهم تعلوا إلى السماء تدعوا لها بالمغفرة خرجوا عن بكرة أبيهم في تشيع جنازة مريم .. عيون النساء تتبع الجثمان إلى مدخل المقبرة بوجوه وجله خائفة السكون جاثم على المكان بعد أن تواروا بها بعيدا ... لا شي غير صرخات الأطفال وقهقهاتهم تخترق المكان تدب فيها الحياة غير مكترثة بطقوس الموت التي يزاولها الكبار .. في بيت مريم المشهد الجنائزي يرسم نفسه تقبع أختها الصغيرة نسرين بجسدها النحيل وشعرها الطويل والحزن يكسب عينيها بريقا أخر هاله من الضوء تتكوم بين نسوه الحارة وهي تحدق في وجوههن وتنصت إلى همساتهن (فاجرة !! ما طلعت على أمها الله يرحمها !! النار بتآكلها قبل ما تموت تناديه سالم سالم))
لا تزيدها تلك الوجوه إلا عبره تسري في دمها تخنقها تحاول التغلب عليها لكنها لا تستطيع تجهش في البكاء كلما لاحت لها صورة مريم وطهارتها التي يخدشن بها وبعد زمن ليس بقصير تتوقفت عن البكاء بعد أن شعرت بأن هناك من يستمتع لبكائها ..
في المساء تبحث نسرين عن نفسها التي أنهكها البكاء تصعد إلى السطح تجر خطواتها ببط شديد تتعثر وهي تمسك في يدها ورقه تضغط عليها بشده تترك لعينيها الرحيل في أزقه الحارة التي يتسلل إليها ضوء القمر من بين أشجار النخيل القابعة منذ زمن على أطراف الحارة تستعيد مقوله مريم لها ذات مساء " الطبيعة وحدها قادرة على فهم أوجاع البشر قفي هنا كلما بادرك الحزن "
الحزن والحقيقة يامريم ينهشان في عظامي " لماذا ترحلين هكذا..؟ دون أن تخبريهم ؟؟؟
تخاطب نفسها وهي تنظر إلى المقبرة هناك.. حيث تنام مريم بسلام..
بعد صراعها مع سرطان الدم الذي أودى بأمنياتها الخجولة التي كانت تراودها للحياة .....تمسح دموعها وهي تحدق إلى المقبرة شدها منظر شاب معتدل البنية قصير القامة يتكئ على شجرة غاف تطل على المقبرة سرعان ما تعرفت عليه أنه سالم الذي حدثتها عنه مريم
الدكتور الذي صرح لمريم بحبه .. لا تعرف عنه الكثير فمريم تكتم كل شي ولا تبوح لأحد قررت الذهاب إليه .. تسللت عبر النافذة ثم إلى فناء المنزل ثم إلى مزارع النخيل بخطى خائفه مرتبكة وهي تمسك بالورقة في يدها بقوه ..
اقتربت منه وصوت تنهداته يعلوا حتى أثاره صوت أنفاسها المتعالية
-نسرين! يقولها في دهشة
-نعم نسرين
-مريم ماتت ..!!
هذه الورق لك تركتها قبل الرحيل
تسلمه الورقة وتعود متجاهله نداءاته التي لاحقتها حتى اختفت بين الأشجار
فتح الورقة ببطء حدقت عيناه في حروفها
-أسفه بالتشبث بك حبيبي
فقد كنت لي الحياة ..
ملاذ أختبئ فيك من أوجاعي
لكنك لم تنل من طهري بعد أن سمحت لك المكوث في قلبي ..
وتركتك لرحيل مر ينهش منك بعد رغباتك البشرية ..
فطهري هو طهري ..فل التقي بخالقي مثلما خلقني لم يمسسني بشر..