قال الله تعالى في القرآن الكريم: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }المائدة:٣ صدق الله العلي العظيم.
هذه الآية المباركة نزلت بعد تنصيب الإمام علي عليه السلام ولياً للمسلمين ولإيضاح معنى إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب، نحتاج إلى فهم أمرين هامين، لهما مساس وثيق بمعاني الآية المباركة، ومن يفهم هذين الأمرين يدرك معاني الآية الكريمة
الأول : القرآن تبيان للكليات.
القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على قلب المصطفى صلى الله عليه وآله لا يتكفل ببيان التفصيل للأحكام الشرعية وإنما يبين القواعد والأصول بنحو كلي، فهو لا يشرح كيفية صلاة الصبح ولا يبين حكم الشك في الصلاة الثنائية أو الرباعية كما أنه لا يوضح مقدار الزكاة المطلوبة من لدن المكلف، وذلك إنّ تفصيل الأحكام أُوكل إلى النبي صلى الله عليه وآله قال تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}النحل: ٤٤ وأوكله النبي صلى الله عليه وآله إلى أهل البيت عليهم السلام من بعده صلى الله عليه وآله.
الثاني : فهم القرآن عند أهل البيت عليهم السلام.
وقد أجمع الصحابة على أنّ فهم القرآن من مختصات أهل البيت عليهم السلام، ففهم المعاني الدقيقة للقرآن الكريم من المهام المناطة بهم عليهم السلام حتى أنّ بعض الصحابة كان يسألهم عليهم السلام فيقول وهل اختصكم النبي صلى الله عليه وآله بشيء غير القرآن الكريم؟ ومعنى السؤال هل عندكم علم آخر غير العلم الذي أُودعتم إياه من قبل النبي صلى الله عليه وآله ومن قبل الله تعالى غير القرآن الكريم؟ من هنا نفهم المعنى الدقيق لحديث الثقلين ‹‹إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً››.
خصائص أهل البيت عليهم السلام في آية الإكمال.
هناك خصوصيتان بارزتان لأهل البيت عليهم السلام تتجلى بوضوح في قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }المائدة:٣ ، وهما:
الأولى : مرجعية فهم القرآن عند أهل البيت.
فمعنى قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }المائدة:٣ أنّ النبي صلى الله عليه وآله أوضح للأمة جمعاء أنّ المرجع الوحيد لفهم الأحكام الشرعية من القرآن الكريم هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والذرية الطيبة الطاهرة من ولده عليه السلام، وهذا المعنى كان أهل البيت عليهم السلام يؤكدونه في كل حواراتهم مع بعض من يفتي إذا أفتى على خلاف ما يريده الله تعالى، فيقدم أهل البيت عليهم السلام له السؤال التالي هل تحيط بالقرآن علماً؟ فإن قال المفتي لا، قيل له كيف تفتي ولا تفهم القرآن، وإنْ قال نعم، سُئل من قبل المعصوم عليه السلام ، أتفهم تأريخ نزول الآيات القرآنية؟ ثم يسهب الإمام عليه السلام في التساؤل، فيقول أتعلم بناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده، أي هل تحيط بهذه العلوم لتفتي بحكم شرعي تعمل به الأمة أم أنت بمنأى عن الإحاطة فلا يسوغ لك أن تقدم رأياً فقهياً لا يستنبط من القرآن الكريم، ومعنى ذلك أنّ الإمام عليه السلام يوضح أنّ من يتاح له أن يقدم الحكم الشرعي هو من أُسند إليه من قبل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وقرن بالقرآن الكريم ‹‹كتاب الله وعترتي أهل بيتي››.
الثانية : أهل البيت تجسيد لمعاني القرآن.
المعنى الثاني يرتبط بالمعنى الأول أيضاً فالقرآن الكريم فيه مفاهيم ورؤى وأحكام شرعية، والأحكام الشرعية يفسرها المعصوم عليه السلام بمعنى أنّ القرآن الكريم يبين القواعد والأصول والمعصوم عليه السلام يبلور تفاصيل تلكم القواعد ويوضح حقائق تلك الأصول، وهناك تجسيد ثانٍ لمفاهيم القرآن الكريم هو التطبيق الحي لمفاهيم القرآن الكريم.