> ركبت أنا وخالي سيارتنا وأخذنا طريق العودة بعد أن صلينا الجمعة في مكة وبعد قليل
> ظهر لنا مسجد مهجور كنا قد مررنا به سابقا أثناء قدومنا إلى مكة وكل من يمر بالخط
> السريع يستطيع أن يراه، مررت بجانب المسجد وأمعنت النظر فيه.... ولفت انتباهي شيء ما
> سيارة فورد زرقاء اللون تقف بجانب المسجد. مرت ثوانٍ وأنا أفكر ما الذي أوقف هذه السيارة هنا؟
> ثم اتخذت قراري سريعًا... خففت السرعة ودخلت على الخط الترابي ناحية المسجد
> وسط ذهول خالي وهو يسألني: ما الأمر؟ ماذا حدث؟
> أوقفنا السيارة في الأسفل ودخلنا المسجد وإذا بصوت عالٍ يرتل القرآن باكيا
> ويقرأ من سورة الرحمن فخطر لي أن ننتظر في الخارج وأن نستمع لهذه القراءة
> لكن الفضول قد بلغ بي مبلغه لأرى ماذا يحدث داخل هذا المسجد المهدوم ثلثه
> والذي حتى الطير لا تمر به
> دخلنا المسجد وإذا بشاب وضع سجادة صلاة على الأرض وفي يده مصحف صغير يقرأ
> فيه ولم يكن هناك أحدٌ غيره... وأؤكد لم يكن هناك أحد غيره
>
> قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فنظر إلينا وكأننا أفزعناه واستغرب حضورنا.
> ثم قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
> سألته: صليت العصر؟ قال: لا، قلت: لقد دخل وقت صلاة العصر ونريد أن نصلي
>
> ولما هممت بإقامة الصلاة وجدت الشاب ينظر ناحية القبلة ويبتسم
> لمن ولماذا؟ لا أدري
> وفجأة سمعت الشاب يقول جملة أفقدتني صوابي تماما!
> قال بالحرف الواحد: أبشر.. وصلاة جماعة أيضا
> نظر إليَّ خالي متعجبا... فتجاهلت ذلك ثم كبرت للصلاة وعقلي مشغول بهذه الجملة
> أبشر.... وصلاة جماعة أيضا
> من يكلم وليس معنا أحد؟ المسجد كان فارغا مهجورا. هل هو مجنون؟
>
> بعد الصلاة... أدرت وجهي لهم ونظرت للشاب وكان مازال مستغرقا في التسبيح
> ثم سألته: كيف حالك يا أخي؟ فقال: بخير ولله الحمد
> قلت له: سامحك الله... شغلتني عن الصلاة؟ سألني: لماذا؟
> قلت: وأنا أقيم الصلاة سمعتك تقول: أبشر.. وصلاة جماعة أيضا
> ضحك ورد قائلا: وماذا في ذلك؟ قلت: لا شىء ولكن مع من كنت تتكلم؟
> ابتسم ثم نظر للأرض وسكت لحظات وكأنه يفكر..... هل يخبرني أم لا؟
> تابعت قائلا: ما أعتقد أنك بمجنون... شكلك هادئ جدا... وصليت معانا وما شاء الله
> نظر لي... ثم قال: كنت أكلم المسجد
> كلماته نزلت عليَّ كالقنبلة. جعلتني أفكر فعلا.. هل هذا الشخص مجنون!
>
> قلت له: نعم؟ كنت تكلم المسجد؟ وهل رد عليك المسجد؟
> تبسم ثم قال: لقد توقعتُ أنك ستتهمني بالجنون؟ وهل الحجارة تتكلم؟ هذه مجرد حجارة
> تبسمت وقلت: كلامك صحيح وطالما أنها لا ترد ولا تتكلم ... لم تكلمها؟
>
> نظر إلى الأرض فترة وكأنه مازال يفكر... ثم قال دون أن يرفع عينيه:
> أنا إنسان أحب المساجد كلما عثرت على مسجد قديم أو مهدم أو مهجور أفكر فيه
> أفكر عندما كان الناس يصلون فيه، وأقول لنفسي: يا الله كم هذا المسجد مشتاق لأن
> يصلي فيه أحد؟ كم يحنُّ لذكر الله.. أحس به... أحس أنه مشتاق للتسبيح والتهليل
> يتمنى لو آية واحدة تهز جدرانه
> وأحس أن المسجد يشعر أنه غريب بين المساجد.. يتمنى ركعة.. سجدة
> ولو عابر سبيل يقول الله أكبر... فأقول لنفسي: والله لأطفئن شوقك..
> والله لأعيدن لك بعض أيامك.. أدخل فيه... وأصلي ركعتين لله ثم أقرأ فيه جزءا
> كاملا من القرآن الكريم
> لا تقل إن هذا فعل غريب.. لكني والله.. أحب المساجد
>
> دمعت عيناي.... نظرت في الأرض مثله لكي لا يلحظ دموعي... من كلامه.
> من إحساسه.... من أسلوبه... من فعله العجيب... من رجل تعلق قلبه بالمساجد... ولم أدرِ
> ما أقول له واكتفيت بكلمة جزاك الله كل خير،
> سلمت عليه وقلت له: لا تنساني من صالح دعائك
>
> ثم كانت المفاجاة المذهلة
> وأنا أهم بالخروج من المسجد قال وعينه مازالت في الأرض:
> أتدري بماذا أدعو دائما وأنا أغادر هذه المساجد المهجورة بعد أن أصلي فيها؟
> نظرت إليه مذهولا..... إلا أنه تابع قائلا:
>
> اللهم يا رب. اللهم إن كنت تعلم أني آنست وحشة هذا المسجد بذكرك العظيم
> وقرآنك الكريم لوجهك يا رحيم. فآنس وحشة أبي في قبره وأنت أرحم الراحمين
>
> حينها شعرت بالقشعريرة تجتاح جسدي وبكيت وبكيت كطفل صغير
>
> أخي الحبيب أختي الغالية
> أي فتى هذا؟ وأي بر بالوالدين هذا؟
> كيف رباه أبواه؟ وأي تربية؟ وعلى أي شيء نربي
> كم من المقصرين بيننا مع والديهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا؟
>
> نسأل الله حسن العمل وحسن الخاتمة. اللهم آمين
>
>
>
>
> لا تنسونا من دعائكم جزاكم الله خيرا
> هل سأل أحدنا نفسه يوما: ماذا بعد الموت؟ نعم ماذا بعد الموت؟
> حفرة ضيقة... ظلمة دامسة.. غربة موحشة.. سؤال وعقاب... وعذاب.. وإما! جنة.. أو نار
>
> أحببتك فأرسلتها إليك ... فخصني بدعوة صالحة في ظهر الغيب
>
>
> من كانت الآخرة همه ، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له
>
>
>