بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لما نفض أمير المؤمنين (عليه السلام) يده من تراب القبر -قبر فاطمة (عليها السلام)- هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقيعك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك .. قلّ يارسول الله عن صفيّتك صبري ، وضعُف عن سيدة النساء تجلّدي ، إلا أن في التأسي لي بسنّتك ، والحزن الذي حلّ بي لفراقك موضع التعزي .. ولقد وسّدتك في ملحود قبرك ، بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمّضتك بيديّ ، وتولّيت أمرك بنفسي .
نعم وفي كتاب الله أنعم القبول ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد استرُجعت الوديعة ، وأُخذت الرهينة ، واختُلست ( سُلبت ) الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله !..
أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهّد ، لايبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم ، كمدٌ مقيّح ، وهمّ مهيّج ، سرعان ما فرّق الله بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبئّك ابنتك بتظاهر أمتك عليَّ ، وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .
سلام عليك يارسول الله سلام مودّع لاسئم ولا قال.. فان أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين .. الصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين علينا ، لجعلتُ المقام عند قبرك لزاما ، والتلبّث عنده معكوفا ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية .
فبعين الله تُدفن ابنتك سرا ، ويُهتضم حقّها قهرا ، ويمُنع إرثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى !.. وفيك أجمل العزاء ، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته .جواهر البحار
روي عن رسول الله () : أتاني الروح - يعني جبرائيل (ع) - أنها إذا هي قُبضت ودُفنت يسألها الملكان في قبرها : من ربك ؟.. فتقول : الله ربي ، فيقولان : فمن نبيك ؟.. فتقول : أبي ، فيقولان : فمن وليك ؟.. فتقول : هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب (ع) .
ألا وأزيدكم من فضلها : إن الله قد وكل بها رعيلا من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها ، وهم معها في حياتها وعند قبرها ، وعند موتها يُكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ..
فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن زار فاطمة فكأنما زارني ، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة ، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياّ ، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما .