الصُّحون
أوّل ما يواجهه الداخلون إلى الحرم الشريف، من حيثما دخلوا من أطرافه ومداخله: الصحون الكبيرة التي تستقبل الزائرين وتستضيفهم للتشرّف بزيارة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، وكذا في إقامة صلواتهم، وتجمّعاتهم في جميع المناسبات، من الأعياد والاحتفالات وأداء المراسيم الدينيّة الخاصّة.
وإلى ذلك.. فإنّ هذه الصحون الوسيعة تحمل على صفحاتها مظاهر الجلالة والجمال في الفنّ المعماريّ والخطّيّ، فهي مزيّنة بالآيات والأحاديث والأسماء الحسنى، ومكسوّة بالقاشانيّ الزاهي النفيس ذي النقوش البديعة والأشكال الهندسيّة الجذّابة.. تفترش جدرانَها الساميّة المهيبة، وتحكي جهود الماضين وآثارَ عناياتهم الخاصّة بالعتبة الرضويّة المقدّسة، كما تشير إلى آثار تاريخيّة قديمة. وهي خمسة صحون:
1. الصحن العتيق
عُرف بهذا الاسم؛ إذ هو أوّلها وأقدمها من بين الصحون المحيطة بالروضة الرضويّة المباركة، كان بناؤه على عهد السلطان حسين بايقرا (875 ـ 912هـ)، وبسعي من أمير علي شيرنوايي. ولم يكن من قبلُ على هذه السعة، إنّما عملت أيدي الولاء والهمّة في توسعته على مدى العهود الماضية.
لهذا الصحن المبارك أربعة أواوين، أحدها الإيوان الذهبيّ المهيب الذي يقع في الواجهة المؤدّية إلى ساحة القدس للقبر الزاكي، وهو مدخل الزائرين المتشرّفين. ومن بعد الأواوين الأربعة السامقة والتي تقع على جميع أضلاع هذا الصحن.. هنالك مشربة ماء تعلوها قبّة، تعرف بين الناس باسم «سَقّاخانه (مشربة) اسماعيل الذهبي».
و تحتل المساحة تحت القبّة قطعة حجرية كبيرة محفورة من داخلها، و وضعت في جوانبها حَنَفيّات (صَنابير) ماء يشرب منها الزائرون للتبرّك.
المشهور أنّ هذه المشربة قد أحدِثت بأمر من نادر شاه الأفشاري، و قد جيء بالحجر لها من مدينة «هرات» و تولّى اسماعيل الذهبي مهمّة نصبها و أقام سقفها على أعمدة رخامية، ثمّ بنى عليها قبّة مزيّنة بالذهب.
و قد جعل نادرشاه قريةً باسم «دِهْشك» وقفاً على هذه المشربة لتأمين نفقاتها.
وبمرور السنوات والأجيال ظهرت حاجة الى تجديد المشربة و إعادة بنائها، فكان أن بُنيت من جديد في عام (1386 هـ .) على صورتها الحاليّة، قائمةً على ثمانية أعمدة، و مكسوّة قبّتُها بالذهب المنقوش، و زيّنت جوانبها الثمانية بالقاشاني المزيّن برسوم هندسية و بناتية. و يبلغ ارتفاع هذه المشربة من سطح الأرض الى قمّة القبّة بالأمتار (44/6).
و أقيمت حول المشربة عدّة أحواض يتوضّأ بمائها الزائرون.
أوانيهم ويجعلونه دواءً يستشفون به.
2. صحن الحرّيّة
يقع هذا الصحن في الجهة الشرقيّة من الحرم المطهّر، من جهة القدم المباركة للإمام الرضا عليه السّلام. يحدّه من الشمال مأمن الشيخ الحرّ العامليّ، ومن الجنوب صحن الإمام الخمينيّ والمتحف، ومن الشرق الدائرة المحيطة بالعتبة المقدّسة، أمّا من الغرب فينفذ إلى ثلاثة أروقة، هي: دار الضيافة، ودار السعادة، ودار السرور.. وذلك من خلال ثلاثة مداخل تؤدّي إلى الروضة الزاكية.
ولهذا الصحن الشريف أربعة أواوين، أحدها ذهبيّ، كما يتوسط هذا الصحن حوض مائيّ كبير وعدد من المساقي، أُعدّ ذلك كلّه للوضوء والشرب والتبرّك. وللدخول إلى هذا الصحن هنالك ثلاثة أبواب كبيرة وأربع ممرّات تؤدّي إليه.
وتقع على جدرانه الأربعة 56 غرفة مبنيّة على نطاقين: أرضيّ وفوقيّ، ينفذ بعضها من القسم الجنوبيّ للصحن إلى رواق الشيخ البهائيّ وقبره.
ويمكن أن يُعدّ هذا الصحن من آثار العهد القاجاريّ، إذ شُيّد بأمر من الملك فتح عليّ، وعلى يد محمّد شاه الذي زيّنه وصبّ عليه عنايته، حتّى اكتمل في حكم ناصر الدين شاه.
3. صحن الإمام الخمينيّ
وهو صحن واسع جميل، بُني في عصرنا هذا. ويقع إلى الجنوب الشرقيّ من الحرم المطهّر.
إلى شمال هذا الصحن الشريف هنالك: قاعة التشريفات، ورواق الشيخ البهائيّ، ودار العبادة، ودار الزهد. وله ارتباط بصحن الحرّيّة من خلال بوّابة كبيرة وممرّين صغيرين إلى جانبه.. كما له ارتباط بمسجد گوهرشاد من الجهة الغربيّة عبر بابين كبيرين.
في الضلع الشرقيّ لهذا الصحن تقع بناية متحف العتبة الرضويّة المقدّسة، وفي الضلع الجنوبيّ بابان كبيران تخرّجان إلى الدائرة المحيطة بالعتبة من جهة شارع الإمام الرضا عليه السّلام.. أحد هذين البابين ينفذ إلى صحن القدس.
يتوسّط صحنَ الإمام الخمينيّ حوضٌ مائيّ كبير تبلغ مساحته 400 متراً مربّعاً، مبنيّ على شكلٍّ ثُمانيّ الأضلاع في ثلاثة مدارج، يحيطه عدد من المجاري المائيّة تبلغ 48 مجرى معدّاً للوضوء، وللشرب والتبرّك أيضاً.
في هذا الصحن المبارك تُقام مجالس الوعظ والإرشاد، ومراسم الدعاء والمناجاة، وكما تُحيا فيه مناسبات الولادات والشهادات لأهل البيت عليهم السّلام، كما تُقام فيه صلاة الجماعة والجمعة.
4. صحن القدس
أصغر الصحون المحيطة بالحرم الشريف، يقع إلى جنوب غربه، متوسّطاً بين مأمن الشيخ البهائيّ والقسم الجنوبيّ من صحن الإمام الخمينيّ، جنوبيّ مسجد گوهرشاد خلف إيوان المقصورة.
وهو صحن حديث التشييد، استُحدث من أجل إيجاد فضاء أوسع للزائرين، وبُني على طبقتين، الأرضيّة منهما تشتمل على 6 مداخل و 28 غرفة، 14 غرفة منها إلى جهة مسجد گوهرشاد، و 14 غرفة تقابلها، كلّها قد زُيّنت بلوحات القاشانيّ المزيّن بأسماء المعصومين الأربعة عشر عليهم السّلام.
تتوسّط هذا الصحن مشربة ماء مبنيّة على شكل بيت المقدِس الشريف في القدس، ولها ثمانية أضلاع تيمّناً بالعدد المنسوب إلى ثامن أئمّة الحقّ عليّ الرضا عليه السّلام. وقد بُذل سعي خاصّ من أجل إخراج هذه العمارة على صورة أقرب ما تكون عليه عمارة بيت المقدس، حتّى في رسم القبّة البرّاقة وزخارفها، لتكون تذكاراً مثيراً لخواطر المسلمين الغيارى بأنّ هذا الرمز الدينيّ المقدّس ـ وهو أُولى القبلتين ـ يقع تحت الاحتلال الغاشم للصهاينة الغُزاة.
وتحت هذا المستقى منابع مائيّة أُعّدت للوضوء والشرب.
ولهذا الصحن المبارك أربعة أواوين على جدرانه الأربعة، فضلاً عن أربعة منافذ وممرّات: اثنان منهما يؤدّيان إلى مسجد گوهرشاد، والاثنان الآخران يُفضيان إلى الدائرة المحيطة بالعتبة الشريفة من جهة شارع الإمام الرضا عليه السّلام.
5. صحن الجمهوريّة الإسلاميّة
واحد من أكبر صحون العتبة الرضويّة الشريفة، أُسّس على غرار صحن الثورة، وقد شُيّد حديثاً من أجل رفاه الزائرين واستقبالهم في فضاء أوسع.
يقع هذا الصحن إلى غرب الروضة الرضويّة المنوّرة، يحدّه من الشمال مأمن الشيخ الطوسيّ، ومن الشرق الرواقان: دار الهداية ودار الرحمة، ويتّصل من نهايته الشرقيّة ـ عبر ممرّ مسقّف ـ بمأمن الشيخ البهائيّ، ومن الجنوب والغرب يفضي هذا الصحن إلى الطريق الدائريّ المحيط بالعتبة الشريفة. وله منفذان من ضلعه الشرقيّ والشماليّ إلى الرواق الكبير (دار الولاية).
على الأضلاع الأربعة لهذا الصحن أربعة أواوين وأبواب كبيرة متقارنة، تصطفّ بينها 30 حجرة و 46 غرفة، وهنالك منارتان صغيرتان زهريّتان ترتقيان على الأبواب المنصوبة على الضلعين الشماليّ والجنوبيّ بارتفاع 30 متراً تقريباً، وهما مزيّنتان بالذهب والنقوش الفاخرة.
وإلى جانب إيوان الذهب الواقع في أعلى الضلع الشرقيّ لهذا الصحن هنالك شبّاك كبير يُشرف على رواق دار الولاية المفضي إلى المرقد الشريف. وفي مقابل إيوان الذهب ينتصب مستقى مائيّ هو من أجمل ما صُمّم، تعلوه قبّة ذهبيّة زاهية، تحدّه أضلاع ثمانية، على غرار مستقى صحن القدس، إلاّ أنّ منابعه المائيّة مجهّزة بعيون أليكترونيّة متطوّرة، تجري بالإشارة.
وفي القسم الجنوبيّ من هذا الصحن حوض واسع مستطيل الشكل، أُعدّ للوضوء، تقع إلى حوافّه عشرات الأنابيب. وفي وسط الصحن ساعة شمسيّة صُمّمت على لوحة رخاميّة، ونُقشت عليها خطوط هندسيّة دقيقة، تُعرف مِن خلال ظلال الشاخص، أوقات الزوال (الظهر) طوال السنة.. ضمن حسابات فلكيّة دقيقة.
ويستفاد من صحن الجمهوريّة غالباً في المناسبات الحزينة لتجمّع الهيئات الدينيّة، وإجراء مراسم العزاء، وكذا مراسم ليالي القدر، وإقامة مجالس الوعظ والإرشاد.
6. صحن الجامع الرضويّ
وهو صحن وسيع حديث الإنشاء، تبلغ مساحته (57000) متر مربّع، يقع إلى جهة قبلة مسجد گوهرشاد مقابل شارع الإمام الرضا عليه السّلام.
وله عدّة مساجد مسقّفة، وفي قسميه الشرقيّ والغربيّ من المقرّر أن يُستحدث صحنان آخران بمساحة 13000 متر مربّع.
وهذا الصحن الجديد يطوي مراحله النهائيّة من العمران، لينضمّ عمليّاً إلى مجموعة الصحون المباركة التابعة للعتبة الرضويّة المقدّسة.