بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمحات.. من الكمالات الزينبية
الجلال الزينبيّ ....
شاء الله تبارك وتعالى أن يسكب من أنواره، على أحب خلقه إليه.. محمّد وآله صلوات الله عليهم، وشاء " سبحانه " ـ ومشيئتُه نافذة ـ أن يُضفي من جلاله على أعزّ خلقه إليه.. محمّد وآله صلوات الله وسلامه عليهم، فتجلّت فيهم معاني العبادة والشرف، ومكارم الاخلاق ومعالي الخصال، توارثوها عن بيت الوحي والرسالة، فكانوا ـ بحق ـ الدعاةَ إلى الله، والأدلاّء على مراضاة الله، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمُظهرين لأمر الله ونهيه.. وكانوا، كذلك عبادَه المُكرَمين، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وقد بذلوا أنفسهم في مرضاته، وصبروا على ما أصابهم في جَنْبِه.
هذه هي الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية، وقد كانت زينبُ عليها السّلام أحدَ غصونها، فاستطالت بأصلها: المحمّدي العلوي الفاطمي، شرفاً وعزّاً وجلالاً، فأكبرَتْها العقول والنفوس، واشرأبّت إليها الأعناق، ورَمَقتْها العيون بنظرات التوقير والاحترام..
العفاف الزينبيّ.....
نعم، إنها ربيبة بيت النبوّة، وسليلة الإمامة، عاشت يظلّلها العفاف من كلّ طرف، ويطوّقها الشرفُ من كل جهة.. قال يحيى المازنيّ: "كنتُ في جوار أمير المؤمنين عليه السّلام مدّةً مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فوالله ما رأيتُ لها شخصاً، ولا سمعتُ لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسنُ عن يمينها والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسنُ مرّة عن ذلك فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب"
فإذا كان سلام الله عليها قد خرجت إلى كربلاء مع الركب الحسيني المجاهد؛ فإنّما خرجت لضرورة اقتضتها مصلحة الدين، لتشاطر إمامها الحسين عليه السّلام في نهضته وثورته، وإلاّ فإن السبي كان من النوائب التي لا تطاق، والنوازل التي تتزلزل منها الجبال بعد فاجعة الطفّ بأحداثها المؤلمة، وقد تحمّلتها زينب لتُكمل ما شرع به سيّدُ الشهداء عليه السّلام، فخطبت ـ وهي الخَفِرة ـ في أهل الكوفة، وفي مجلس عبيدالله بن زياد وفي قصر يزيد لتكشف الحقائق، وتبصّر الناس وتعيد الأمّة الضالة إلى طريق الهداية.
الفصاحة الزينبيّة.....
إذا كانت النصوص الأدبية لا تتعدّى حدود الوصف والمحسّنات البديعية، ويكاد الكثير منها يخلو من المحتوى الرفيع والمعنى الشامخ والفكرة الراشدة، فيبدو فارغاً من الذوق أحياناً، فإنَّ بيانات أهل البيت عليهم السّلام ـ فضلاً عن بلاغتها وعلوّ فصاحتها ـ قد تضمّنت المعاني الجليلة من الاعتقادات الحقة والوصايا الأخلاقية، والدعوات الموجّهة إلى الخير والجهاد، معبِّرة عن أهداف الشريعة، وعن شجاعة المتحدّثين بها. فمن أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم في مكّة المكرّمة وخطب أمير المؤمنين عليه السّلام، وخطبتَي مولاتنا فاطمة عليها السّلام.. إلى خطب أمامنا الحسن وأمامنا الحسين سلام الله عليهما.. تأتي هذه السلسلة الشريفة لتُعرب عن حكم الإسلام في صِيَغ هُنّ غُرر الحكم ولوامعُه، ودرر الكَلِم وجوامعُه.
وزينب العقيلة عليها السّلام هي وريثة هذا البيت الطاهر، حتّى جاء في إحدى زياراتها: " السّلام على المولودة في معقل العصمة والتُّقى، ومهبط الوحي والهُدى، والموروثة عظيمَ الفضل والندى. سلام على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرّة الأبيّة، واللّبوة الطالبية، والمعجزة المحمّدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية ". قال الشيخ جعفر النقديّ رضوان الله تعالى عليه:
" في الطراز المُذهَّب، عن ناسخ التواريخ أنّه قال: من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه كان يضع لسانه في فم أولاد فاطمة الرضّع فيُغنيهم عن اللبن. قال: والأولاد الرضّع يشمل الذكور والإناث، فزينب وأمّ كلثوم تشاركان الحسنَين عليهما السّلام في هذه الفضيلة.
ومن المعلوم أنَّ من الْتَقَمَ لسانَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ عقلِ العقول ووارثِ علوم الأولين والآخرين ـ وارتوى بمصّه، كيف يحصل على المراتب العالية، وكيف يأخذ مقامات العلم والشرف "
كانت فصاحة سيدتنا زينب تجمع ـ إلى قوّة العبارة وحسن الاسلوب ـ عنصرين شريفين: المعرفة والشجاعة، لذا هيمنت كلماتُها على السامعين وجعلتهم حيارى بمَ يُجيبون، والأمثلة في ذلك وافرة:
o قال حذيم الاسدي: " لم أرَ واللهِ خَفِرةً قطّ أنطقَ منها، كأنّها تنطق وتُفْرغ عن لسان عليّ عليه السّلام، وقد أشارت إلى الناس ( أي أهل الكوفة بعد فاجعة كربلاء وقد جيء بها سبيّة ) بأن أنصتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الاجراس، ثمّ قالت: أما بعدُ يا أهل الكوفة، يا أهل الختل، والغدر والخذل، أتبكون.. فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الزفرة.. هل فيكم إلاّ الصلف، والعجب، والشنف، والكذب، وملق الإماء، وغمز الأعداء..
قد ذهبتم بعارها، ومُنيتُم بشَنارها، ولن ترحضوهاأبدا، وأنّى ترحضون قتلَ سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ؟! أتدرون ـ وَيْلَكم ـ أيَّ كبِدٍ لمحمّد صلّى الله عليه وآله فريتُم ؟ وأيَّ حُرمة له هتكتم ؟ وأيَّ دم له سفكتم ؟! لقد جئتم بها شوهاءَ صلعاء، عنقاءَ سوداء، فقماء خرقاء
ثمّ أنشأت تقول:
ماذا تقولون إذ قـال النـبيُّ لكـم ..... بأهـلِ بيتـي وأولادي وتكرمتـي
ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكم ..... ماذا صنعتم وأنـتم آخـر الأمـمِ
منهم أُسارى ومنهم ضُرِّجوا بـدمِ ..... أن تُخْلفوني بسوءٍ في ذوي رَحِمي
العبادة الزينبية .....
وهي هداية اختص الله بها عباده المخلصين، فوهب لهم الجدَّ في خشيته، والدوام في الاتّصال بخدمته، حتّى سرحوا إليه في ميادين السابقين، وأسرعوا إليه في المبادرين، إذ كانت أعمالهم وأورادهم كلها ورداً واحداً، وحالهم في خدمته سرمداً، فجعل ألسنتهم بذكره لَهِجة، وقلوبهم بحبِّه مُتيَّمة. وكانت منهم فاطمة الزهراء صلوات الله عليها.
وثانيتهما في ذلك ابنتها العقيلة زينب سلام الله عليها، فكانت تؤدّي نوافل الليالي كاملة في أوقاتها، حتّى أنَّ الحسين عليه السّلام عندما ودّع عياله الوداع الاخير يوم عاشوراء قال لها: " يا أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل "
وصدق ظنه وصدقت هي، طاعة لله، فلم تترك تهجّدها حتّى ليلة الحادي عشر من المحرم وأجساد أهلها مضرجةٌ بدمائها إلى جانبها، فصلّت من جلوس وقد هدّها المصاب ـ كما روى الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام، والعيال في هول وفزع وحزن مرير، وكذا هي في طريق السبي.. قال الإمام زين العابدين عليه السّلام يروي فيها: " إنّ عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تَرَكت نوافلها الليلية ".
وعنه سلام الله عليه أيضاً أنه قال:
" إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام: الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليالٍ. لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الاطفال، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منّا رغيفاً من الخبز في اليوم والليلة ".
فسلام على مَن ناصرت الحسين في جهاده، ولم تضعف عزيمتها بعد استشهاده،
سلامٌ على من تضافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب،
سلام على من شاطرت أمَّها الزهراء، في ضروب المِحَن والأرزاء، ودارت عليها رحى الكوارث والبلاء، يوم كربلاء