بسم الله الرحمن الرحيم
وصى الله على محمد وال محمد الطاهرين
اعلم انّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق الدنيا لراحة المؤمن بل تصل إليهم الأحزان والبلايا بحسب مراتبهم وايمانهم ، ويكفي لتحقيق هذا الأمر النظر في أحوال الأنبياء والأوصياء ، ومحن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم.
وقد ثبت بحسب التجربة ان ما من شيء أكثر اصلاحاً للنفس من البلايا والمصائب الموجبين في الزهد من الدنيا والتوجه نحو الله تعالى ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : انّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء ، فاذا أحبّ الله عبداً ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عند الله الرضا ، ومن سخط البلاء فله عندالله
[ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر رحمه الله : ]
يا أبا ذر ، الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض ، وانّ العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك فيقول : ما هذا ؟ فيقال : هذا نور أخيك ، فيقول : أخي فلان كنّا نعمل جميعاً في الدنيا وقد فضّل عليّ هكذا ، فيقال له : انّه كان أفضل منك عملاً ، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.
يا أبا ذر الدنيا سجن المؤمن وجنّه الكافر ، وما أصبح فيها مؤمن الا حزيناً ، فكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله جلّ ثناؤه انّه وارد جهنّم ولم يعده انّه صادر عنها ، وليلقينّ أمراضا ومصيبات وأموراً تغيظه ، وليظلمنّ فلا ينتصر ، يبتغي ثواباً من الله تعالى فلا يزال حزيناً حتى يفارقها ، فاذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة.
وسأل عبد الله بن بكير أبا عبدالله عليه السّلام أيبتلي المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا ؟ قال : فقال : وهل كُتب البلاء الاّ على المؤمن "
وقال عليه السّلام في حديث آخر : أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدّق مقالته ، ولا ينتصف من عدوّه ، وما من مؤمن يشفي نفسه الاّ بفضيحتها ، لأنّ كلّ مؤمن ملجم
وقال عليه السّلام في حديث آخر : ... لا ينفك المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه ، وشيطان يغويه ، ومنافق يقفو أثره ، ومؤمن يحسده ، ثم قال : ... اما انّه أشدّهم عليه... انّه يقول فيه القول فيصدّق عليه
وروي بسند معتبر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال : قال الله عزّ وجلّ : لولا انّي استحيي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها ، وإذا أكملت له الايمان ابتليته بضعف في قوّته وقلّة في رزقه ، فإن هو جزع أعدت عليه ، وان صبر باهيت به ملائكتي... .
وقال أبو عبدالله عليه السّلام : انّ في كتاب عليّ عليه السلام انّ أشدّ الناس بلاء النبيّون ، ثمّ الوصيّون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، وانّما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة ، فمن صحّ دينه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه.
وذلك انّ الله عزّ وجلّ لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبة لكافر ، ومن سخف دينه وضعف عمله قلّ بلاؤه ، وانّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض .
وروي بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام انّه قال : انّ ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء ، فقال أحدهما لصاحبه : فيما هبطت ؟ قال : بعثني الله عزّ وجلّ إلى بحر ايل أحشر سمكة إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر ، فأمرني أن أحشر إلى الصيّاد سمك البحر ، حتى يأخذها له ليبلغ الله عزّ وجلّ غاية مناه في كفره ، ففيما بعثت أنت ؟
قال : بعثني الله عزّ وجلّ في أعجب من الذي بعثك فيه ، بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم ، المعروف دعاؤه وصوته في السماء ، لاُكفىء قدره التي طبخها لافطاره ، ليبلغ الله في المؤمن الغاية في اختبار ايمانه .
وقال أبو عبدالله عليه السّلام : انّ الله عزّ وجلّ جعل وليّه في الدنيا غرضا لعدوّه .
وروي عن سماعة انّه قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السّلام فشكا إليه رجل الحاجة ، فقال له : اصبر فإنّ الله سيجعل لك فرجاً.
قال : ثم سكت ساعة ، ثم أقبل على الرجل فقال : أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ فقال : أصلحك الله ضيّق ، منتن وأهله بأسوء حال ، قال : فانّما أنت في
السجن فتريد أن تكون فيه في سعة ، أما علمت أنّ الدنيا سجن المؤمن
وقال عليه السّلام في حديث آخر : انّ لله عزّ وجلّ عباداً في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض الاّ صرفها عنهم إلى غيرهم ، ولا بليّة الاّ صرفها إليهم
وقال عليه السّلام ـ وعنده سدير ـ : انّ الله إذا أحبّ عبداً غتّه بالبلاء غتاً ، وانّا وايّاكم يا سدير لنصبح به ونمسي
وقال أبو جعفر عليه السّلام : انّ الله تبارك وتعالى إذا أحبّ عبداً غتّه بالبلاء غتّاً وثجّه بالبلاء ثجّاً ، فاذا دعاه قال : لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت انّي على ذلك لقادر ، ولئن ادّخرت لك فما ادخرت لك فهو خير لك
وقال أبو عبدالله عليه السّلام : المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة الا عرض له أمر يحزنه يُذكّر به