(((نعمت صباحا يا أبا سليمان نعم القلادة قلادتك،)))
حديث شريف و خبر لطيف: روى الديلمي (قده)
في كتابه عن جابر بن عبدالله الانصاري، وعبدالله بن عباس،
قال:
كنا جلوسا عند ابي بكر في ولايته وقد آضى النهار، واذا بخالد بن الوليد المخزومي قد وافي في جيش قام غباره، وكثر صواهل خيله، واذا بقطب رحى ملوي في عنقه، قد فتل فتيلا فاقبل حتى نزل عن فرسه، ودخل المسجد، ووقف بين يدي ابي بكر، فرمقه الناس باعينهم، فهالهم منظره
ثم قال: إعدل يا ابن ابي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي لست له بأهل وما ارتفعت الى هذا المكان الا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء، وانما يطغو ويعلو حين لا حراك به، ما لك ولسياسة الجيوش وتقديم العساكر، وأنت حيث أنت من لين الحسب ونقص النسب، وضعف القوى وقلة التحصيل، لا تحمي ذماراً ولا تضرم ناراً، فلا جزى الله أخا ثقيف، وولد صهاك خيراً إني رجعت منكفيا من الطائف الى جده في طلب المرتدين، فرأيت علي بن أبي طالب ومعه رهط عتاة من الذين شرزت حماليق أعينهم من حسدك وبدرت حنقا عليك، وقرمت آماقهم بمكانك منهم أبن ياسر، والمقداد، وابن جنادة أخو غفار، وابن العوام، وغلامان أعرف احدهما بوجهه وغلام أسمر لعله من ولد عقيل أخيه فتبين لي المنكر في وجوههم والحسد في احمر اراعينهم، وقد توشح علي بدرع رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ولبس رداءه. السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب، وقد نزل على عين ماء اسمها روية، فلما رآنى اشمأز وبرز وأطرق موحشا يقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفاء لشره واتقاء وحشته، واستغنمت سعة المناخ، وسهولة المنزل، فنزلت ومن معي، بحيث نزلوا اتقاء مراوغته فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه، ومحض عداوته، فقر عني هزءاً بما تقدمت به الي بسوء رأيك، فالتفت الي اصلع الرأس وقد ازدحم الكلام في حلقه. كهمهمة الأسد او قعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: (أو كنت فاعلا يا أبا سليمان) فقلت أي والله لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك فأغضبه قولي إذ صدقته وأخرجه الي طبعه الذي أعرفه به عند الغضب،
فقال: (يا ابن اللخناء أمثلك من يقدم على مثلي أو يجسر أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إني لست من قتلاك، ولا من قتلي صاحبك، وإني لأعرف بمنيتي منك بنفسك)
ثم ضرب بيده الى ترقوني فنكسني عن فرسي وجعل يسوقني دعا الى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد الى القطب الغليظ، فمد عنقي بكلتي يديه وأداره في عنقي ينفتل له كالعكك المسخن، وأصحابي هولاء وقوف ما أغنوا عني شرته، فلا جزاهم الله عني خيراً، فانهم لما نظروا اليه كأنهم نظروا الى ملك موتهم، فوالذي رفع السماء بلا اعماد، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائه رجل أو يزيدون من اشد العرب فما قدروا على فك دور، فدلني عجز الناس عن فكه أنه سحر منه أو قوة الف ملك قد ركبت فيه، ففكه الآن عني إن كنت فاكه، وخذ لي بحقي إن كنت آخذه، والا لحقت بدار عزي، ومستقر مكرمتي قد البسني ابن ابي طالب من العار ما صرت به ضحكة لاهل الديار.
فالتفت ابو بكر الى عمر،
وقال: ما ترى الى ما يخرج من هذا الرجل كان ولايتي ثقل على كاهله أو شجى في صدره، فالتفت اليه عمر،
فقال: فيه دعابة لا يدعها حتى تورده، فلا تصدره، وجهل، وحسد قد استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدم، لا يدعانه حتى يهينا منزلته، ويورطاه ورطة الهلكة. ثم قال ابوبكر لمن بحضرته ادعوا لي سياف النبي((صلى الله عليه وآله)) ، وكان (قيس بن سعد بن عبادة الانصاري) فليس لفك هذا القطب غيره، قال: وكان قيس رجلا طويلا طوله ثمانية عشر شبراً في عرض خمسة اشبار، وكان أشد الناس في زمانه بعد امير المؤمنين((عليه السلام)) فحضر قيس، فقال له: يا قيس إنك من شدة البدن بحيث أنت، ففك هذا القطب من عنق أخيك خالد،
فقال قيس: ولم لا يفكه خالد من عنقه؟ قال لا يقدر عليه. قال: فما لا يقدر عليه أبو سليمان وهو نجم عسكركم، وسيفكم على أعدائكم، فكيف أقدر عليه أنا.
قال عمر: دعنا من هزئك وهزلك. وخذ فيما أحضرت له، فقال أحضرت لمسألة تسألونها طوعا او كرهاً تجبروني عليه،
فقال له إن كان طوعا، وإلا فكرها،
قال قيس يا ابن صهاك، خذل الله من يكرهه مثلك إن بطنك لعظيمة، وان كرشك لكبيرة، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك بعجب، فخجل عمر من كلام قيس، وجعل ينكت أسنانه بانامله، فقال أبوبكر: وما بدلك منه أقصد لما سئلت،
فقال قيس: والله لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم وحدادي المدينة، لانهم أقدر على ذلك مني، فأتوا بجماعة من الحدادين، فقالوا لا ينفتح حتى تحميه بالنار، فالتفت أبو بكر إلى قيس مغضبا،
فقال: والله ما بك من ضعف عن فكه، ولكنك لا تفعل فعلا يعيب عليك فيه امامك وحبيبك ابو الحسن، وليس هذا بأعجب من ان اباك رام الخلافة ليبغي الاسلام عوجا فحصد الله شوكته واذهب نخوته وأعز الأسلام بوليه وأقام دينه بأهل طاعته، وأنت الآن في حال قيد وشقاق.
قال: فاستشاط قيس غضبا وامتلأ غيضا. فقال يا ابن أبي قحافة ان لك عندي جواباً حمياً بلسان طلق وقلب جريء ولولا البيعة التي لك في عنقي لسمعته مني، والله لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي، ولا لساني ولا حجة لي في علي بعد يوم الغدير، و لا كانت بيعتي لك إلا «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا» أقول قولي هذا غير هائب منك ولا خائف من معرتك، ولو سمعت هذا القول منك بداءة،لما فتح لك مني صلاح إن كان أبي رام الخلافة، فحقيق يرومها بعد من ذكرته، لانه رجل لا يقعقع بالشنان، ولا يغمز حاجبه كغمز التيه، ضخم صنديد، وسمك منيف، وعز باذخ أشوس، فقام بخلافك والله ايها النعجة العرجاء، والديك النافش، لا عز صميم، ولا حسب كريم، وايم الله لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج فوك منه دما دعنا نخوض في عمايتك، ونتردى من غوايتك على معرفة منا بترك الحق واتباع الباطل. واما قولك إن علياً إمامي، ما أنكر امامته، و لا أعدل عن ولايته، و كيف أنقض، و قد أعطيت اللّه عهداً بامامته وولايته يسألني عنه، فانا إن الق الله بنقض بيعتك أحب إلي من أن انقض عهد الله ورسوله وعهد وليه ووصيه وخليله. وما انت الا امير قومك إن شاؤا تركوك وإن شاؤا عزلوك فتب الى الله فيما اجترمته وتنصل اليه فيما ارتكبته، وسلم الأمر الى من هو أولى منك من نفسك، فقد ركبت عظيما بولايتك دونه وجلوسك في موضعه، وتسميتك باسمه، وكأنك بالقليل من دنياك وقد انقشع عنك كما ينقشع السحاب، وتعلم أي الفريقين شر مكاناً وأضعف جنداً.
واما تعييرك إياي بانه مولاي فهو ـ والله ـ مولاي ومولاك ومولى المؤمنين أجمعين، آه آه إن لي بثبات قدم أو تمكن وطأة حتى الفظك لفظ المنجنيق الحجر، ولعل ذلك يكون قريباً، ويكتفي بالعيان عن الخبر، ثم قام ونفض اثوابه ومضى............................................
وندم أبو بكر عما أسرع اليه من القول الى قيس، وجعل خالد يدور في المدينة والقطب في عنقه أياماً. ثم اتى آت إلى ابي بكر،
فقال له: قد وافى علي بن ابي طالب الساعة من سفره، وقد عرق جبينه واحمر وجهه، فأنفذ اليه ابو بكر الأقرع بن سراقة الباهلي والأشوس بن الاشجع الثقفي يسألانه المضي الى ابي بكر في مسجد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فاتياه وقالا له: يا أبا الحسن أبا بكر يدعوك لأمر قد احزنه وهو يسألك أن تصير اليه في مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) فلم يجبهما فقالا: يا أبا الحسن ما ترد علينا فيما جئناك له؟
فقال: بئس ـ والله ـ الأدب ادبكم اليس يجب على القادم أن لا يصير الى الناس في إجابتهم إلا بعد دخوله منزله، فان كان لكم حاجة فاطلعوني عليها في منزلي حتى أقضيها إن كانت ممكنة إنشاء الله تعالى، فصار الى أبي بكر فأعلماه بذلك، فقال أبو بكر: قوموا بنا اليه.
ومضى الجميع باسرهم الى منزله فوجدوا الحسين((عليه السلام)) على الباب يقلب سيفاً ليبتاعه،.....................
فقال له أبو بكر: يا أبا عبدالله إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك.
قال: نعم. ثم استأذن للجماعة، فدخلوا، ومعهم خالد بن الوليد فبدا به الجمع بالسلام، فرد عليهم مثل ذلك فلما نظر الى خالد
قال:نعمت صباحا يا أبا سليمان نعم القلادة قلادتك،
فقال ـ والله ـ يا علي لا نجوت مني إن ساعدني الأجل،
فقال له علي((عليه السلام)): أف لك يا ابن دميمة إنك ـ ومن فلق الحبة و برىء النسمة ـ عندي لأهون، وما روحك في يدي لو أشاء إلا كذبابة وقعت على ادام حار، فطفقت منه، فاعن عن نفسك غناها، ودعنا حكماء علماء، والا لألحقنك بمن أنت احق بالقتل منه، ودع عنك يا ابا سليمان ما قد مضى. وحذ فيما بقي، والله ما تجرعت من الجرار المختمة إلا علقمها والله لقد رأيت منيتي ومنيتك، وروحي وروحك، فروحي في الجنة وروحك في النار............................................
قال: وحجز الجميع بينهما وسألوه قطع الكلام،
فقال ابو بكر لعلي((عليه السلام)) : انا ما جئناك لما تفاوض فيه، وانما حضرنا لغيره وأنت لم تزل يا أبا الحسن مقيما على خلافي، والاجتراء على اصحابي، وقد تركناك، فاتركنا ولا تردنا فيرد عليك منا ما يوحشك ويزيدك سوء على سوءتك ...................................
فقال له علي((عليه السلام)) : لقد اوحشني الله منك ومن جمعك وانس بي كل مستوحش. واما ابن الوليد الخاسر فاني أقص عليك نبأه إنه لما رآى تكاثف جنوده وكثرة جمعه زها في نفسه فاراد الوضع مني في موضع رفع، ومحل ذي جمع ليصول بذلك عند أهل الجمع، فوضعت منه عندما خطر بباله وهمّ بي، وهو عارف بي حق معرفته وما كان الله ليرضى بفعله،
فقال له ابو بكر: فتضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الاسلام وقلة رغبتك في الجهاد افبهذا أمرك الله و رسوله ام عن نفسك تفعل هذا؟
فقال له علي((عليه السلام)): يا ابا بكر أو على مثلي يتنكر الجاهلون ان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) امركم ببيعتي وفرض عليكم طاعتي وجعلني فيكم كبيت الله الحرام يؤتى ولا يأتي
فقال: يا علي ستغدر بك الامة بعدي كما غدرت الأمم بعد مضي الانبياء باوصيائها الا قليل وسيكون لك ولهم بعدي هناة وهناة فاصبر أنت كبيت الله من دخله كان آمنا ومن رغب عنه كان كافراً. قال الله عزوجل (واذ جعلنا البيت مثابة الناس وامنا) وانا وانت سواء الا النبوة فاني خاتم النبيين وانت خاتم الوصيين، وأعلمني عن ربي بأني لست اسل سيفاً الا في ثلاثة مواطن بعد وفاته
فقال: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ولم يقرب اوان ذلك بعد، فقلت فما افعل يا رسول الله بمن ينكث بيعتي منهم و يجحد حقي؟
قال : فاصبر حتى تلقاني وتستسلم لمحنتك حتى تلقى ناصرا عليهم فقلت: افتخاف علي منهم ان يقتلوني؟
فقال تالله لما اخاف عليك منهم قتلا ولا جراحا واني عارف بمنيتك وسببها وقد اعلمني ربي ولكني خشيت ان تفنيهم بسيفك فيبطل الدين وهو حديث فيرتد القوم عن التوحيد، ولولا ان ذلك كذلك وقد سبق ما هو كائن لكان لي فيما انت فيه شأن من الشان فاروي اسيافا وقد ضمثت الى شرب الدماء وعند قراءمتك صحيفتك تعرف نبأ ما احتملت من وزري ونعم الخصم محمد والحكم الله.............................................. .
فقال ابو بكر: يا أبا الحسن إنا لم نرد هذا كله ونحن نأمرك ان تفك لنا الآن عن عنق خالد هذه الحديدة فقد آلمه ثقلها واثر في حلقه بحملها وقد شفيت غليل صدرك
فقال علي((عليه السلام)): لو اردت ان اشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء واقرب للفناء، ولو قتلته والله ما قدرته برجل ممن قتلهم يوم فتح مكة وفي كرته هذه وما يخالجنى الشك في ان خالداً ما احتوى قلبه من الإيمان على مقدار جناح بعوضة.........................................
واما الحديد الذي في عنقه فلعلي لا اقدر على فكه، فيفكه خالد عن نفسه أو فكوه انتم عنه فانتم أولى به إن كان ما تدعونه صحيحاً،
فقام اليه بريدة الاسلمي وعامر بن الأشجع
فقالا: والله يا ابا الحسن لا يفكه من عنقه إلا من حمل باب خيبر بفرد يد، ودحى به وراه وحمله وجعله جسراً يعبر الناس عليه وهو فوق زنده، وقام اليه عمار بن ياسر فخاطبه فلم يجب احداً الى أن
قال له ابو بكر: سألناك بالله وبحق اخيك المصطفى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إلا ما رحمت خالداً و فككته من عنقه، فلما سأله بذلك استحيى و كان علي((عليه السلام)) كثير الحياء فجذب خالداً اليه وجعل يحذف من الطوق قطعة قطعة ويفتلها في يده فتنفتل كالشمع ثم ضرب بالأولى رأس خالد ثم الثانية فقال : آه يا امير المؤمنين............... فقال له: (يا امير المؤمنين) قلتها على كره منك ولو لم تقلها لاخرجت الثالثة من اسفلك ولم يزل يقطع الحديد جميعه إلى ان ازاله عن عنقه وجعل الجماعة يكبرون ويهللون ويتعجبون من القوة التي اعطاها الله سبحانه امير المؤمنين((عليه السلام)) وانصرفوا شاكرين .....................................