وعن سبب تخصيص الحمد كله بالله تعالى :
إن "أل" للجنس أو للاستغراق وعلى كلا الحالتين تفيد الاستغراق والشمول للأفراد . والفرق بينهما إنما هو بالاعتبار ، والإجمال والتفصيل .
أي أن حقيقة الحمد إنما يستحقها الله سبحانه ، أو أن الذي يستحق جميع أفراد ومراتب الحمد هو الله سبحانه. فعلى الأول : تكون للجنس وعلى الثاني : تكون للاستغراق .
والسر في ذلك هو أن البسملة قد جعلتنا نعترف بأن الله الذي له صفة الألوهية متصف بجميع صفات الجمال والجلال والكمال . فإذا أردنا أن نطلب من الله سبحانه أن يفيض علينا من خلال هذه الصفات : الرزق ، والمغفرة ، والشفاء ، والخلق ، والقوة ، والصحة . الخ ، فمفتاح ذلك كله هو الرحمة الإلهية ، فلا بد من الدخول من بابها فإنه تعالى ممتلئ رحمة ، وكثيرة هي رحماته بمقتضى "رحمان" .
ثم لأجل استمرار الاستفادة من فيوضات الرحمة التي هي من مقتضيات صفات الألوهية لا بد من ثبات هذه الرحمة ودوامها مفيضة ومنيلة ، كما ألمحت إليه كلمة "الرحيم" .
وبعد تقديم ذلك الاعتراف بأنه سبحانه قد أفاض علينا من كل ما تقتضيه تلك الصفات بجميع فروعها من جلالية وجمالية ، أو فقل : من صفات فعل أو صفات ذات، يأتي الحمد والثناء بمثابة اعتراف بهذه الفيوضات ، لأنها هي التي دفعتنا لهذا الثناء .
وإنما اعتبرنا أن المستحق لحقيقة الحمد ، أو لكل مرتبة من مراتب الحمد وكل فرد من أفراده هو الله سبحانه، لأن كل ما يصل إلينا من خلال الإفاضة المباشرة مثل خلقنا . أو بالواسطة ، كإحسان الوالدين لنا . ومثل ما نستفيده من الطبيعة كالأرض ، والشجر ، والشمس والنجوم . إن كل ذلك إنما ينتهي إلى الله سبحانه بالمباشرة أو بالواسطة .
وهذا يفسر لنا إضافة "أل" الاستغراقية أو الحقيقية إلى كلمة "حمد" ، فقال : "الحمد" ...