( أنا والحسين : الانتماء للحزن الابيض ) لـ جاسم الصحيح
بتاريخ : 02-09-2010 الساعة : 07:32 PM
هذه قصيدة للشاعر / جاسم الصحيح بعنوان ( أنا والحسين : الانتماء للحزن الابيض ) أنا والحسين : الانتماءُ للحزْنِ الأبيَض
.............................................
عارياً كالصلاةِ عليكَ
أجيئُكَ متَّكِئاً فوقَ عكَّازةِ الدمعِ
مُكتنـزاً بالورودِ الجريئةِ حدَّ الفُتونِ ..
فهل تستطيعُ الورودُ مغازلةَ الجرحِ ؟!
هل يستطيعُ الحدادُ اعْتقالَ الكآبةِ في خرقةٍ من سَوَادْ ؟!
أُعيذُكَ يا سَيِّدَ الفَرَحِ البَشَريِّ ..
أُعيذُكَ من قيدِ هذا الحدادْ
هُنا الحزنُ أبيضُ كالياسمينِ
صقيلٌ كسَيْفِ الظهيرةِ في غمرةِ الاتِّقادْ
هُنا ( كربلاءُ ) التي أحصنتْ فرجَها
حينما كانتِ الأرضُ مغموسةً في الفسادْ
هُنا أنتَ نسرٌ من الذكرياتِ العذَارى
جناحاكَ تينُ الفِداءِ و زيتونُهُ ..
آهِ كمْ نقتفي ريشَكَ المتقدِّمَ في ساحةِ النصرِ..
كمْ نقتفيهِ إلى مطلعِ الفجرِ
حيثُ تنامُ الحكايةُ في شَفَتَيْ ( شَهْرَزَادْ )
وأرواحُنا في مهبِّ الحماسةِ
تعلو وتهبطُ ما بين منعرجاتِ التوهُّجِ
في مهرجانِ العنادْ
نحاولُ أن نستحمَّ بنارِ القصائدِ
حين استحالتْ حقيقتُنا كومةً من رمادْ
نعدِّدُ ما خَلَّفَتْهُ الرماحُ بِجسمكَ من طعناتِ الهوى
كلَّما انغرسَتْ طعنةٌ أنبتتْ عاشقاً
والهوى بِالأذى يُستزادْ
كانَ سهماً من الوَرْدِ
ذاكَ الذي فَتَحَ القلبَ للعاشقينَ
وقال : ادخلُوا آمنينَ
إلى جنَّةٍ من جِنانِ الفُؤَادْ
سلامٌ على اسْمِكَ في حمحماتِ الجيادْ
كنتَ أنتَ الجوادَ الأخيرَ على الأرضِ
تختالُ في قبَّةٍ من صهيلٍ
أمامَ الضِبَاعِ التي خَبَّأَتْ فيكَ أنيابَها ..
هاجَ في صُلْبِكَ النسلُ ..
هبَّتْ رياحُ السلالةِ
واستدعتْ الخيلُ أفخاذَها ..
كلَّما اندلقتْ قطرةٌ من دمٍ
شَبَّ مهرٌ عصيُّ القِيَادْ
سلامٌ على الخيلِ في عشقِها للطِرادْ
سلامٌ على باشقَيْنِ حزينَيْنِ في مُقلتَيْكَ
أطلاَّ على غيمةٍ للكآبةِ تحتلُّ أُفْقَ الجِهادْ
سلامٌ على زهرةٍ من دمائكَ
غاصتْ بها نحلةُ الشِعْرِ
تذرعُ عمقَ الرحيقِ / المدادْ
سلامٌ على دمعةٍ لا فقاعاتَ فيها
ترفُّ على ليلِ ( عاشورَ ) قُبَّرةً من سُهَادْ
سلامٌ على الحزنِ في صوتِ أُمِّي
غداةَ تُؤرجحني فوق إسمكَ في غنوةِ المهدِ ..
تصعدُ بي جبلاً من أساطيرِ عشقكَ
ثُمَّ تُقَمِّطُني بالتمائِمِ حتَّى ينامَ المهادْ
لقد كَبُرَ الطفلُ عن ساعديْ أُمِّهِ
والصغيرُ الذي كُنْتُهُ
فَضَّ وجهَ البراءةِ عن وجهِهِ
صارَ يسألُ :
كيف تصيرُ الدماءُ تجاريَّةً
والشهادةُ تفترُّ عن أَمَةٍ في المَزَادْ
سلامٌ على جرحكَ الغضِّ
عند المرابينَ بالدَمِ
هذا الذي يتحدَّى الكسادْ
دفنَّاكَ في صفحاتِ التقاويمِ
ثُمَّ حَثَوْنا عليكَ المآتمَ
مُتَّكئينَ على حائطٍ من رُفاتكَ
حيثُ حناجرُنا تتوحَّد في الصمتِ ..
لا صوتَ يعلو على الإرثِ
لا عُنُقٌ تتسامى قليلاً وتكسرُ قبضةَ تاريخِها ..
كُلُّنا مُقمعونَ
وأعناقُنا جثثٌ فوقَ أكتافِنَا ..
آهِ يا قانصَ الحَيِّ
لا تُطلقِ النارَ نحو عصافيرَ ميِّتَةٍ..
لا تُرِقْ شهوةَ الطلقِ -عن عَبَثٍ- من عروقِ الزنادْ
سنابلُكَ (العشرُ) ما برحتْ فوقَ متنِ المنابرِ
تُرخي ذوائبَها للحصادْ
وقيثارةُ الألمِ السومريِّ
تفيضُ على الحاصدينَ الكئِيبينَ ..
تصحو العصافيرُ من موتِها
تتلمَّسُ حبَّةَ قمحٍ
ولكنَّها لا ترى غير قشٍّ قديمٍ يحاصرُهُ النملُ ..
يا بيدرَ العشقِ
قد يكتفي النملُ بالقشِّ كيْ ينتمي للزواحفِ
لكنَّنا فتيةَ الأُفْقِ
نحنُ العصافيرَ نبحثُ عن حَبَّةِ القمحِ
كي نستعيدَ انتماءاتِنا للسماءْ
أُصارحُك الآنَ عن ( أخوةٍ ) يأكلونَكَ
في عتمةِ ( البئرِ ) يا ( يوسفَ ) الشُهَدَاءْ
( قميصُكَ ) هذا المسجَّى على مِشجبِ الثأرِ
جَفتْ بهِ الكبرياءْ
ولمْ يبقَ في حلقةِ الذِكرِ وَجْدٌ
يلمُّ الدراويشَ والأولياءْ
سلامٌ على البَرَكَاتِ التي تتناثرُ من جُبَّةِ ( الشيخِ ) ..
كنتُ أُلملمُها في دمي كالنجومِ الوِضَاءْ
وإذْ يستهلُّ ( المحرَّمُ ) من كلِّ عامٍ
أَقُدُّ لهُ من ضلوعي هلالاً
يطوِّقُهُ الحزنُ بالانحناءْ
ويجهشُ أسلافيَ الأوَّلونَ على مقلتيَّ
فتنبثُّ من صوتهِمْ قُبَّراتُ الرثاءْ
وأغرقُ في القطرةِ البِكرِ
من قطراتِ حليبِ الأمومةِ ..
كانتْ كما دمعةٍ طفلةٍ تتعلَّمُ في خَدِّيَ المشيَ ..
واويلتاهُ !
أنا مَنْ رأى الثديَ يبكي
ومَنْ رضعَ الدمعَ حتَّى ارتوى بِالشقاءْ
أنا مَنْ رأى الحنجراتِ مُحَنَّطَةً
تتنقّلُ ما بين جيلٍ وجيلٍ على وَتَرٍ من دماءْ
سلامٌ على أوَّلِ العُمْرِ
حيثُ المواسمُ تستنبتُ الشوكَ في أرضِ ذاكرتي
والشعائرُ ذاتُ التجاعيدِ تُرضعُني الانتماءْ
ولا لحنَ غيرُ النحيبِ يُطاردني كالوباءْ
كلَّما اكتملتْ دمعةٌ في استدارتِها
أَكْمَلَتْ دورةَ الأرضِ حولي ..
كأنِّيَ منبعثٌ من ضريحٍ
أجرُّ قطاراً من الذكرياتِ على سُكَّةِ الموتِ ..
أحنو على العجلاتِ الضعيفةِ
حين تنوءُ بما حملتْ من عذابي ..
ورائحةُ القهرِ شاهدةٌ في دمي
أنَّني قد رضعتُ الشعائرَ طازجةً واكتملتُ الولاءْ
أُطلُّ على وجهيَ البِكرِ
غصناً تحطُّ عليه الخفافيشُ
إذْ يتهجّى الوجوهَ على شُرُفاتِ المآتمِ
يقرأُ فيها مواريثَهُ من كنوزِ البكاءْ