بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد
إن لمحبة الذوات الطاهرة التي أمرنا الله تعالى بحبها درجاتا وأنواعا .. فمنها
الحب الاعجابي : بمعنى ان كل من يرى كمالا في عالم الوجود ، فإنه يميل اليه ميلا طبيعياً ، ميل كل ناقص لما هو أكمل منه .. وهذا المقدار من الميل لا يستلزم التفاعل مع ذلك الشيء ، بمعنى اتخاذ ذلك الكامل قدوة في الحياة .. وهو ما نراه في كتابات بعض غير المسلمين الذين يبدون اعجابهم الشديد بعلي (ع) من دون ان يدينوا بالدين الذي دان به علي (ع) ، وضحى لاجله النفس والنفيس.
ومنه الحب الادعائي : بمعنى اظهار الحب امام الاخرين ، مقدمة للفوز بشيء من عاجل الحطام ، او المباهاة لكسب الجاه والمنـزلة في القلوب .. وكم من القبيح ان نجعل التظاهر بحب الله وأولياءه ، سلعة تبادل بالفانى من المتاع !..
ومنه الحب المصلحي : فالبعض لا ينظر الى المعصوم (ع) الا كوسيلة لقضاء الحوائج فحسب .. وعليه ، لو تأخرت الاستجابة قليلا ضعف ايمانه به ، معاتبا له في نفسه ، وإن استحى في إظهار ذلك .. اننا لا ننكر رجحان - بل حسن - جعلهم الوسيلة امام الله تعالى ، ولكن هذه سمة من سماتهم في مقابل سمات عظمى ، منها : اتخاذهم الوسيلة لتحقيق السعادة في النشأتين ، ودرجة الرضوان عند الرب المتعال
ولكن ارقى صور الحب ، هو حب ذواتهم المباركة : لما تجلت فيها من الصفات الالهية بما تحتملها الحدود البشرية .. وحينئذ يكون هذا الحب – اذا كان صادقا – مدعاة للتشبه بهم قدر الامكان ، إذ أن من احب حبيبا حاول التشبه به ، وغلب عليه ذكره ، وتجنب كل ما يثير غضبه وسخطه.
إن الفترة الزمنية التي عاشتها الزهراء (ع) لم تكن كافية لتتجلي منزلتها الحقيقية ، من خلال أقوالها وأفعالها المستندة إلى عالم الغيب ، ومن هنا شبهت بليلة القدر في خفاء القدر والمنزلة .. ولكن الذي يكشف بعض النقاب عن منـزلتها السامية - في اللوح المحفوظ - هي تلك الكلمات الصادرة فى حقها من أبيها المصطفى (ص) .. ومن المعلوم ان ما صدر منه لم يكن باعتبار القرابة النسبية ابداً ، فهذا ينافي عدم النطق عن الهوى ، كما عبر القرآن الكريم.
إن النبي (ص) تعمد في مواقف عديدة إبراز مكانة الزهراء (ع) عند المسلمين .. فهذا هو النبي (ص) اذا اراد سفراً كان آخر الناس عهدا بفاطمة ، واذا قدم كان أول الناس عهداً بفاطمة (ع).. وهذا النبي (ص) يسميها بأم ابيها ، ومن المعلوم ان الام تمثل نقطة الحنان والعطف في حياة الانسان ، ولا عجب في أن تكون فاطمة (ع) الملجأ الذي يفرج الكروب عن رسول الله (ص) لما صارت روحه التى بين جنبيه ..
إن أم المؤمنين عائشة تصف علاقة فاطمة بأبيها (عليهما السلام) قائلة : ما رأيت من الناس احدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله (ص) من فاطمة .. كانت اذا دخلت عليه رحب بها وقبّل يديها واجلسها في مجلسه .. وقد عبرت عنه في موضع آخر قائلة : ان النبي (ص) كان يقوم اليها اذا دخلت عليه .. ومن المعلوم ان هذا التعبير يغاير التعبير بالقيام المجرد .. فمعناه أن النبي (ص) كان يقوم ويمشي نحوها اجلالا لها ، وشوقا اليها ، وهذا ما لم يصدر منه تجاه أحد من المسلمين .
إن تعبير النبي( ص) عن فاطمة(ع) : بـ ( أن الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ) لا ينبغي ان نمر عليها مرور الكرام .. فإن هذه الكلمة باطلاقها - من دون تحديد بزمان او بحالة - تدل على ان ما كان يصدر عن الزهراء (ع) كان مطابقاً للارادة الالهية في كل مراحل حياتها .. ومن هنا كانت مواقفها بمثابة الخط الذي يتبين به الرشد من الغي ، وهذه هي معنى العصمة :حيث مطابقة القول والفعل البشري ، لما يريده المولى في كل شأن من شؤون الحياة
إن من أروع ما قيل في حقها على لسان ذريتها : تلك الكلمة الخالدة من الامام العسكري ، إذ يصفها بانها حجة على الائمة (ع) ، وهم حجج الله على الخلق .. فيا له من تعبير !!.. ولا عجب في ذلك ، بعد ان علمنا ان معنى الحجة هو ما يحتج به الانسان امام الله تعالى ، ومن الواضح ان قولها حجة في الشرع على كل أهل الشريعة بما فيهم الامام المعصوم.. ومن هنا اسند الائمة (ع) بعض علومهم الى امهم الزهراء (ع) من خلال ما املته على امير المؤمنين (ع) من العلوم بعد وفاة ابيها (ص).
إن من الدروس العملية من حياتها : تأكيدها الشديد على ضرورة العفة للنساء في أشد صورها .. فهي تفرح عندما يكلفها النبي (ص) بتحمل شؤون المنزل لما في ذلك الكفاية من تخطي رقاب الرجال .. وتفرح عندما تصور لها اسماء بنت عميس نعشاً بعد وفاتها ، لئلا يرى حجم بدنها عند التشييع رغم انه في جوف الليل ، وفي ثلة قليلة من اصحاب امير المؤمنين (ع)..وهنا فلنتساءل ، الى اين وصلنا نحن مدعوا المشايعة لها ، في تعاملنا مع الجنس الآخر؟!..