مشاهدات عن زيارة العاشر من محرم في كربلاء المقدسة
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الارْواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ، وَأنَاخَت برَحْلِك عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ، أهْلَ البَيتِ السَّلأمُ عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين عليهم السلام.
وعظم لكم الأجر ولنا في استشهاد أبا عبد الله الحسين(ع) روحي له الفداء.
من خلال مشاهدتي لزيارة عاشوراء في ذكرى استشهاد أبي الأحرار الحسين(ع) أحببت ان أدون لما سجلت بي مشاهداتي من ملاحظات وأرجو إن أكون موفقاً في نقل مارايته بعيداً عن أي انحياز وكل ما أصبو هو تثبيت الحقيقة والوصول بنجاح أي زيارة مليونية وتحقيق الزوار وكل المعنيين الغايات والأهداف التي يصبون إليها وسوف أؤشر أولاً كل المشاهدات الأيجابية وبعدها ما اعترى هذه الزيارة المليونية من ملاحظات سلبية لكي يتم تلافيها في الزيارات المقبلة.
1 ـ لقد توجهنا وبعون الله تجاه كعبة الأحرار عصراً وكانت كل الحشود المليونية تتجه إلى كربلاء المقدسة للمشاركة في القيام بكل المراسيم الخاصة لعزاء أبي الثوار أبو السجاد روحي له الفداء.
وكان منظر الحشود المليونية منظر يبعث على الفخر ولا يتملك المرء إلا البكاء من هذا المنظر المهيب في أن الكل قد توحدوا وبغض النظر عن المذهب أو الدين أو العرق أو الجنسية لكي يتم للكل في الانصهار في حب الحسين وتوجه الكل بقلوب ملؤها الأيمان وحب أمامهم والتبرك بلمس قبره الشريف والدعاء تحت قبته الشريفة وكذلك كان الأمر نفسه بالنسبة لأخيه أبا الفضل العباس(ع) وهذه المواقف التي أكتبها يعجز قلمي المتواضع ان يسطرها لجلال الموقف وهيبته والتي وباعتقادي المتواضع لا يستطيع أن يصفها أي كاتب لروعة هذه المواقف المهيبة والجليلة لمواكب الزوار وهي تتسارع للوصول إلى قبلة الثوار والاستظلال بتلك الأرض المباركة وتحت خيمة الإمامين الحسين والعباس روحي لهما الفداء ولتكون الجلوس في تلك البقعة المباركة هي أعلى مراتب الطمأنينة والاستقرار الروحي الذي ينشدها العبد المؤمن ولتنصهر كل تلك الحشود بغنيها وفقيرها في طبقة واحدة ولكي ومن خلال المشهد المهيب لتقف وقفة أجلال وانحناء كلها في حب الحسين والتزود بكل النفحات الروحية وفي أعلى مضامينها من ذلك المنبع والمنهل الصافي في حضرة الحسين وأخيه العباس.
وهذه هي إحدى الأهداف والمضامين التي حققتها الثورة الحسينية في توحد المجتمع الإسلامي ولكي تكون رسالة الحسين(ع) ليست خاصة بمذهبنا أو ديننا بل تكون رسالة لكل الإنسانية ولكي تكون أهدافها ومضامينها منار يستدل به الشرفاء والمؤمنين في العالم.
فطوبى لك يا سيدي في أن استشهادك كان هو النتاج الحقيقي لهذه الثمرة التي سطرتها بسفك دمك الشريف الطاهر أنت وأخيك وآل بيتك وأصحابك (سلام الله عليهم أجمعين) والتي لم يتصصح ديننا الحنيف وكل مايحدث الآن إلا بقيام ثورتك والتي سطرت بها الملاحم الواحدة بعد الأخرى في واقعة الطف الخالدة.
2 ـ أحيي وفي هذه النقطة كل الأجهزة الأمنية والسلطات التي بذلت جهوداً كان غاية في التنظيم والدقة والذين بذلوا جهود استثنائية وغاية في الدقة والروعة في خدمة زوار ابا عبد الله وحفظ سلامتهم وتقديم كل المساعدة والعون ولم أرى أي أحد منهم أي مظهر من التذمر أو التعب فكانوا بحق الجنود الأمناء في حفظ الأمن في كربلاء المقدسة والزوار فتحية لهم لما قدموه من جهود تستحق الإشادة والتقدير بها.
3 ـ وكذلك لاحظت مقدار الجهد الكبير الذي أبدوه خدمة الحضرتين المطهرتين من جهود وعلى مدار ال(24)ساعة من تقديم الخدمات للزوار والتفتيش والخدمات ميما يتعلق بالتنظيف في منطقة ما بين الحرمين المطهرين وكذلك الأمور الصحية الأخرى مما يستحق الإشادة إليها والتقدير لهذه الخدمات والتي كان قسم كبير منهم من المتطوعين لخدمة الزوار في هذه الزيارة المهمة.
4 ـ وأحب أن أشير في هذه النقطة إلى المواكب الحسينية الذي كانوا بحق أن يطلق عليهم من لقب خدام أبا عبد الله من تقديم الطعام وكل مسائل الراحة من ناحية أماكن الاستراحة وعمل المصلى داخل الجوادر وكذلك تقديم كل الخدمات الأخرى وحتى الإسعافات الأولية والتي كانت المفارز الطبية متواجدة في كل مكان.
وهنا يجب أن أشير إلى أن هؤلاء الخدام من المواكب وحتى أهالي كربلاء قد قاموا بدور كبير في تقديم الطعام للزوار والذي قدر أعدادهم ب(4) ملايين زائر وربما أكثر فلو لم تكن هذه الخدمة للمواكب وكل الذين يقدمون الطعام للزوار وخدمة الزوار لكنا لاحظنا ان هناك كان تقصير واضح وكبير في خدمة الحشود المليونية من الزائرين لأن الحكومة ولنكن صريحين لا تستطيع سد متطلبات هذه الحشود المتجهة لزيارة أبي عبد الله الحسين(ع) وحتى لو كانت الدولة قوية ولها من الإمكانات الضخمة فكيف ونحن كلنا يعرف ماهو حال دولتنا العاجزة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنيها ولهذا أقول لكل من يقول أن بذل الطعام وهذا الإسراف الذين قد يتبادر إلى ذهن البعض من الأخوان !!هو ليس أسرافاً بل هو وكما نقول ((زاد أبا عبدالله)) وهو مفخرة نفتخر بها في أننا نبذل الطعام لكل زائر يزور هذه البقعة المباركة ويعبر عن الكرم العراقي الذي لم أشاهده في أي مكان أخر ولأذكر ما شاهدته في إيران عند زيارتي لها في السنة الماضية وصادفت وفاة الأمام موسى الكاظم وتم عمل المواكب واللطميات ولكن لم أشاهد أي احد قد أقام موكب لخدمة الزوار وقدم وحتى ولو الشاي بل كان فقط مواكب والكل شاهد ماذا كانت تقدم المواكب وخدام الكاظم من خدمة للزوار في وفاة الأمام الكاظم (ع)فكيف وهذه الزيارة العظيمة لاستشهاد سبط النبي محمد(ص) وهذه الحشود المليونية التي تحتاج إلى الطعام وكافة الخدمات فكان هنا دور المواكب الحسينية لها الدور الرائع في هذا المجال والذي تعجب كل الزوار العرب والأجانب من هذه الخدمة والتي لايجدون أي شيء منها في بلادهم من تقديم الطعام ومن كل الأصناف وحتى أنواع المشروبات مما يدلل على الكرم العراقي ودور المواكب وخدام أبا عبد الله الفعال في هذا المجال.
ولننظر الى هذه النقطة من زاوية أخرى أن كثير من الزوار الذين يزورون ليس لديهم المقدرة على الأكل في المطاعم لارتفاع أسعارها حيث إن وكمثال إن سعر الدجاجة المشوية تصل الى (12) الف دينار وحتماً معه عائلته فلا يستطيع هذه الأعباء المالية في زيارته وهو قد تحمل تكاليف السفر للوصول إلى كربلاء مما تشكل عبء أضافي ناهيك عن ان المطاعم لا تستطيع سد احتياجات هؤلاء الحشود من ناحية إطعامهم ما يشكل قصور واضح في أطعامهم ومن المعلوم أن الزيارة ليلية ولا تنتهي إلا بعد صلاة الظهر وبعد ركضة طويريج مما يستلزم وجود الطعام لسد جوع الزائر الذي يكون متعباً من إرهاق السفر والسهر في الليلة العاشرة لأداء مراسيم الزيارة ولهذا برز دور المواكب الحسينية وخدام الزوار الواضح والفعال في سد هذه المتطلبات.
4 ـ لاحظت ومن خلال زيارتي بروز ظاهرة تربوية ايجابية وبأعلى مستوى فلاحظت كل الزوار كان كل همهم التأدب وعدم الجدال والتصايح بل كان الزوار كل متأدبين بالخلق الحسيني الذي رفعه أبو الشهداء روحي له الفداء وهو الخلق الإسلامي الذي يمثله بأبهى صوره سيدي ومولاي الحسين(ع) وخصوصاً الشباب وحتى الرجال والنساء ومن مختلف الأعمار كان كلهم منسجمين ومتآزرين وكل واحد منهم يحرص على عدم التطفل أو إيذاء الزائر الأخر في ظاهرة جميلة ورائعة تحمل كلها بصمات الفكر الحسيني الذي أراده إمامنا في ترسيخه في الأمة الإسلامية فكان الشاب الذين يمتازون بفورة الشباب والاندفاع كانوا كلهم حريصين على عدم التأثير على أي زائر وحرصهم على عدم التأثير على أي زائر في ممارسة طقوسه الدينية من الصلاة وقراءة الأدعية وحتى لو حصل ذلك فأنه يبادر فوراً على الاعتذار والسماح .
فهذه الظاهرة والعلامة التربوية هي ظاهرة صحية ولنعمل كلنا على حض شبابنا بالأخص وكافة الأشخاص على القيام بهذه الزيارات الضخمة لتربية أولادنا وشبابنا على التأدب بالخلق الإسلامي الذي شاهدته وبأبهى صوره في هذه الزيارة.
لأنه عندما يداومون كل شبابنا على هذه الزيارات وكل الأشخاص سوف يتربى هذا الشخص على آداب الزيارة ولتكون المحاضرة التي يسمعها من المنبر في الأخلاق والتربية عامل مهم في التأدب والتخلق بخلق الإسلام ولتصبح له ركيزة أساسية وعلاج لكل الأشخاص في أن زيارة الحسين هي تمثل لنا العلاج بل واللقاحات الدائمة لتهذيب أخلاقنا وتربيتنا وفق الخلق القويم لأن ديننا ألإسلامي دين الأخلاق ولتكون مثل هذه الزيارات مدارس تربوية لشبابنا من الرجال والنساء وفق الأسلوب الصحيح الذي لا غبار عليه.
وبما أنني أطلت في مقالتي هذه فلأختمها ولأكملها في مقالة أخرى نكمل مشاهداتي عن هذه الزيارة الخالدة لسيد الشهداء سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين وأخيه العباس (سلام الله عليهم أجمعين) وآل بيته وأصحابه الأطهار أنشاءالله أن كان لنا في العمر بقية .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.