هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم نزلت في حق فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهي تدل على عظم شأنها وكبر شخصيّتها وارتفاع مقامها نشير إلى بعضها(14):
سورة هل أتى
منها: سورة (هل أتى)(15) وقد نزلت في أمير المؤمنين علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) لمّا منحوا طعام فطورهم للفقير واليتيم والأسير، في قصّة مشهورة، رواها الفريقان،
فأنزل الله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً& إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)(16).
روى الشيخ الصدوق (قدس سره) في أماليه عن الإمام الصادق عن أبيهپ في قوله عزَّ وجلّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).
قال: مرض الحسن والحسين پ وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع بعض أصحابه،
فقيل: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما.
فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّ وجلّ،
وكذلك قالت فاطمة (عليها السلام)،
وقال الصبيّان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام،
وكذلك قالت جاريتهم فضّة.
فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليٌّ … إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف،
فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع(17) من شعير؟.
قال: نعم،
فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة(عليها السلام) فقبلت وأطاعت.
ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمس أقراص، لكلّ واحد قرصاً.
وصلّى عليّ … مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليٌّ … إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.
فوضع … اللقمة من يده ثمّ قال:
يــــا بـــنت خير الناس أجمعين فاطــــــم ذات المــــجد واليقين
جاء إلــــى الــــباب لــــه حنين أما تريــــــن البـائس المسكين
يــــشكو إلـــينا جـــــائعاً حزين يشـــــكو إلـــــى الله ويسـتكين
مـــن يفعل الخـــير يقف سمين كلّ امـــــرئ بكـــــسبه رهــين
حــــرّمها الله عــــلى الضـــنين مـوعــــده فــــي جــــنّة رهين
تهــــوي بــــه النار إلى سجّين وصاحـــب البـــخل يقف حزين
شرابـه الحميـم والغسليـن
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) تقول:
مــــا بيَ من لؤم ولا وضاعة(18) أمـــــرك ســــمعٌ يا بن عم وطاعة
أرجــــو إذا أشبـــــــعت من مجاعة غذيــــــت بــــــاللبّ وبـــــالبراعة
وأدخــــــل الـجنّة فــــــي شــــفاعة أن ألحــــــق الأخـــــيار والجماعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
ثمّ عمدت (عليها السلام) إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكلّ واحد قرصاً..
وصلّى عليّ … المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله).. ثم أتى منزله، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ… إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنّة.
فوضع عليٌّ … اللّقمة من يده ثمّ قال:
بنـــــت نــــــبيّ ليــــس بالزنيم فـــــاطم بـــــنت الســيّد الكريم
مــــن يرحـــم اليوم هو الرحيم قـــــد جــــــاءنا الله بــذا اليتيم
حـــــرّمها الله عـــــلى الــــلّئـيم مـــــوعده فـــــي جـــنّة النعيم
تهـــــوي بــه النار إلى الجحيم وصاحــــــب البــخل يقف ذميم
شرابها الصديـد والحميـم
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
فســـــوف أعــــــطيه ولا أبالي وأؤثــــــر الله عـــــــلى عيالي
أمســــــوا جيــاعاً وهم أشبالي أصــــــغرهم يـــــقتل في القتال
بكـــــــربلا يقـــــتل بــــــاغتيال لقاتـــــــليه الــــــويل مـع وبال
يهـــــوي بـــــه النار إلى سفال كبــــــوله زادت عـــلى الأكبال
ثمّ عمدت (عليها السلام) فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح(19)، وأصبحوا صياماً.
وعمدت فاطمة (عليها السلام) فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً، وصلّى علي (عليه السلام) المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله).. ثمّ أتى منزله، فقرّب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ … إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا؟.
فوضع عليِّ … اللقمة من يده ثمّ قال:
فـــــاطم يا بـــــنت النــبيّ أحمد بنــــــت النــــــــبيّ سيّد مسوّد
قـــد جاءكِ الأسير ليس يهتدي مكبّـــــــــلاُ فـــــي غـــــلّه مقيّد
يشـــــكو إليــــنا الجوع قد تقدّد مــــن يطعم اليوم يجده في غد
عنـــــد العــــليّ الواحد الموحَّد مـا يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطني(20) لا تجعليه ينكد
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
لـــــــم يبق ممّا كان غير صاع قد دبّرت كــــــفي مـــــع الذراع
شــــــبلاي والله هـــــــما جياع يا ربّ لا تتركهـــما ضياع(21)
أبوهمــــــــا للخير ذو اصطناع عبل الذراعين طويل الباع(22)
وما عــــــــلى رأســي من قناع إلاّ عبــــــاً نســـــــجتها بــصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فآتوه(23) وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.
قال شعيب في حديثه: وأقبل عليٌّ بالحسن والحسين نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع،
فلمّا بصر بهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة.
فانطلقوا إليها (عليها السلام) وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها(24)، فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى.
فهبط جبرائيل فقال: يا محمّد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.
قال: وما آخذ يا جبرائيل؟.
قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) حتّى إذا بلغ (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً)(25).
فوثب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى..
فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات:
(إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيراً). قال: هي عين في دار النبيّ(صلى الله عليه وآله) يفجّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين.
(يُوفُون بِالنَّذْرِ) يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم.
(وَيَخَافُونَ يَوْمَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقولون عابساً كلوحاً(26).
(وَيُطْعِمُونَ الطْعَامَ عَلَى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له.
(مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين،(وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين،(وَأَسِيراً) من أسارى المشركين.
ويقولون إذا أطعموهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءٌ وَلاَ شُكُوراً) قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنّهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاءً تكلِّفوننا(27)به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.
قال الله (تعالى ذكره): (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه(مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَى الآرَائِكِ) والأريكة: السرير عليه الحجلة (لاَيَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَزَمْهَرِيراً)(28).
قال ابن عبّاس: فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنّة: يا ربّ إنّك قلت في كتابك: (لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً)؟
فيرسل الله جلّ اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكنّ علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت (هَلْ أَتَى) فيهم إلى قوله تعالىوَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً)(29).
5- سورة الكوثر
كما نزلت فيها (عليها السلام) سورة (الكوثر):
قال تعالى: ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ & إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ& فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ & إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ )(30).
فقد صرح العديد من المفسرين بأن (الكوثر) يراد به فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)(31).
وهناك تفاسير أخرى ولا مانع من الجمع، فان الآيات القرآنية كالشمس ـ حسب المروي عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) ـ تنطبق في كل يوم منذ نزولها إلى يوم القيامة على مختلف الأفراد بحسب أعمالهم، نعم هناك من تنطبق عليه الآيات انطباقاً كفرد أفضل، وهناك من تنطبق عليه كفرد متوسط أو كفرد في أول الطريق..
مثلاً: (المؤمن) الوارد في القرآن الحكيم ينطبق على سلمان كفرد ثان، وينطبق على المعصومين (عليهم السلام) كفرد أول، وينطبق على المؤمن العادي كفرد ثالث، إلى غير ذلك من الأمثلة.