|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 26-06-2011 الساعة : 05:39 AM
الإحتمال الثاني: انَّ المراد من عنوان الأحسنية هي الأحسنية الواقعية في إطار الأقوال الواجدة للحجية في نفسها وبقطع النظر عن تفاضلها، وحينئذ يكون المراد أحد احتمالات ثلاثة:
الاول: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجية في حدِّ نفسه مالم يتعارضا أو يتزاحما واذا تعارضا أو تزاحما فإنَّ الحجية تسقط عن القول المفضول وتبقى الحجية للقول الأحسن.
فما يقتضيه القياس مثلا حجة في حدِّ نفسه وكذلك ما يقتضيه النص القرآني إلاّ انَّه حينما يتعارضان أو يتزاحمان فإنَّ الحجيَّة تسقط عن المفضول منهما وهو ما يقتضيه القياس.
الثاني: ان يكون كل واحد من القولين واجداً للحجيَّة ولا يكون التفاضل بينهما موجباً لسقوط المفضول حتى في ظرف التعارض أو التزاحم نعم الارجح هو الأخذ بالقول الفاضل.
الثالث: ان تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الفاضل وليست متصدية لحالات التعارض أو التزاحم.
والإحتمال الراجح من هذه الإحتمالات هو الأول وذلك بقرينة ذيل الآية اللشريفة (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ) ([1]) هذا لو كنا نبني على حجية مفهوم الوصف فيكون المتبع للأحسن هو الذي هداه الله عزّ وجلّ، وبمفهوم الوصف يكون غيره من أهل الضلال، إلاّ أنَّ المعروف بين الاعلام هو عدم حجية مفهوم الوصف، وعليه لا يكون الإتصاف بالهداية لمتَّبع الأحسن ملازماً لانتفائها عن غير المتَّبع للأحسن خصوصاً مع ملاحظة المعطوف على وصف الهداية وهي قوله (وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ) أي أولوا العقول الراجحة، فإنَّ هذا الوصف يُشعر بأن الأخذ بالأحسن من صفات الكمال وليس هو الفيصل بين الحق والباطل والهداية والضلال، فالهداية والتعقُّل من المفاهيم المشككة، فمن الناس من يأخذ منهما بحظ وافر فهذا هو الأهدى والأعقل، ومنهم من يكون حظه منهما أقل وهذا لا يقتضي انسلاب صفة الهداية والتعقل عنه.
ومن هنا لا يمكن استظهار المعنى الاول، ولا يبعد ان يكون المعنى الثالث هو المتعين من هذا الإحتمال، وذلك لأنَّه بعد عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم لا يكون ثمة مبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية الشريفة لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ المبرِّر لاستظهار تصدِّي الآية لذلك هو مفهوم الوصف، إذ به يثبت انَّ متّبع غير الأحسن لا يكون مهديّاً وهذا معناه سقوط الحجية عن القول غير الأحسن وذلك يقتضي انَّ الآية متصدية لعلاج حالات التعارض والتزاحم، إذ لا معنى لسقوط أحد القولين عن الحجية بمجرَّد أنَّ أحدهما أحسن من الآخر إذا لم يكونا متعارضين أو متزاحمين، وعليه وبعد عدم حجية مفهوم الوصف تكون الآية بصدد بيان راجحية اختيار القول الأحسن من القولين الواجدين للحجيَّة وليست متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم أصلا، لا أقل انَّ هذا المعنى محتمل جداً وليس المعنى الاول مترجح عليه فتكون الآية الشريفة مجملة من هذه الجهة.
على انَّه لو كان المعنى الاول من هذا الإحتمال هو المتعيّن لما كانت الآية الشريفة صالحة للإستدلال بها على حجية الإستحسان، وذلك لأن المعنى الاول لا يقتضي أكثر من حجيَّة القول الاحسن وسقوط الحجية عن غير الاحسن اما كيف نشخِّص الأحسن من القولين فهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه.
فالتعريف الاول والثاني والثالث والخامس كلها متصدية لتشخيص الأحسن من الأقوال والبحث إنما هو عن ثبوت الحجية لهذه المشخصات ولا يمكن إثبات حجية ذلك بالكبرى الكلية المستفادة من الآية الشريفة، إذ من الواضح ان القضايا لا تنقح موضوعاتها، فحينما يقول المولى أكرم العلماء فإنه ليس متصدياً لإثبات انَّ زيداً عالماً وان بكراً عالماً، وهنا أيضاً حينما يقول (الأحسن هو الحجة) لا يكون ذلك موجباً لإثبات انَّ الأحسن هو المستفاد بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو العقل أو المصلحة أو ما إلى ذلك، نعم لو ثبت من خارج الآية الشريفة انَّ الأحسن يتشخص بواسطة الذوق أو المصلحة أو العقل فإنَّه يمكن التمسُّك بالآية الشريفة لإثبات الحجية لهذه الصغريات، إذن فلابدَّ من إلتماس دليل آخر على حجية الإستحسان في إثبات ماهو أحسن.
نعم يبقى الكلام في التعريف الرابع وهو انَّ الإستحسان يعني (العمل بأقوى الدليلين)، وقد احتملنا للمراد منه ثلاثة احتمالات ورجحنا الإحتمال الاول وبناء عليه يكون التعريف متصدياً أيضاً لتشخيص القول الأحسن وبذلك يكون مشمولا للإشكال الوارد على التعريفات الاخرى، وأما بناء على الإحتمال الثاني فالإستحسان ليس من أدلة الحكم الشرعي، وأما بناء على الإحتمال الثالث فهو مطابق للآية بناء على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لها إلاّ انَّه لا ينفع لإثبات المطلوب بعد ان كان مفاده حجية الدليل الأقوى دون تشخيص ماهو الدليل الاقوى من الدليل الأضعف.
الاحتمال الثالث: لمعنى الآية الشريفة انَّ المراد من عنوان الأحسن هو الأحسن الواقعي إلاّّ انَّه في مقابل القول الباطل، فالآية الشريفة تمتدح اللذين يأخذون بالقول الحق، وذلك بقرينة السياق.
ولكي تتضح الدعوى نذكر الآية الشريفة بتمامها وكذلك التي سبقتها والتي تليها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ * أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ...) ([2]).
فالآية الشريفة واقعة في هذا السياق وهي تُعبِّر عن انَّ المهديين واولي الألباب واللذين لهم البشرى هم اللذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا لربهم واتَّبعوا أحسن القول، وفي مقابلهم من حقت عليه كلمة العذاب وليس من سبيل لإنقاذهم من النار.
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الآية الشريفة رتبت البشارة على اجتناب عبادة الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا ثم عطفت ذلك ببيان العلة من البشارة وهي اتباع أحسن القول، فأحسن القول هو اجتناب الطاغوت والإنابة لله جلَّ وعلا، فالتوصيف هنا باتباع أحسن القول سيق لغرض التعليل أو لغرض الإحتراز وكلاهما يصبان في صالح المطلوب كما هو واضح.
ثم لم تكتفِ الآيات بزفِّ البشرى للذين يتبعون أحسن القول أي اللذين اجتنبوا الطاغوت بل أوضحت مصير غيرهم فقالت (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) فليس هنا حالة برزخية فاما اتباع أحسن القول وهو المستوجب للبشرى وإمَّا اتباع الطرق الاخرى وهو المستوجب للعذاب.
وبهذا اتضح انَّ الأحسنية في الآية الشريفة ليست في مقابل الحسن وانَّما هي في مقابل سَيّء القول وباطله فهي على غرار قوله تعالى (أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) ([3]) فأحقية الذي يهدي للحق بالإتباع ليست في مقابل استحقاق من لا يهدي للإتباع، فالذي لا يهدي لا يستحق الإتباع بل يحرم اتباعه.
وبتمامية استظهار هذا الإحتمال تكون الآية غير نافعة لاثبات ما يروم القوم إثباته من حجية الإستحسان، وما قد يقال من انَّه يمكن إثبات حجية الإستحسان بواسطة التمسُّك باطلاق اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
نقول انه لو تم الإطلاق - بناء على هذا الإحتمال - فإنَّ الإشكال الوارد على المعنى الاول من الاحتمال الثاني لمعنى (الاحسن) وارد هنا أيضاً فراجع.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) ([4]).
وهذه الآية الشريفة تحتمل عدة احتمالات نذكر أهمها:
الإحتمال الاول: انَّ الآية الشريفة في صدد التأكيد على اتباع التكاليف الإلزامية، فإنها أحسن ما اُنزل من الله جلَّ وعلا، وذلك في مقابل الأحكام التكليفية الغير الإلزامية، فهي وان كانت حسنة إلاّ التكاليف الإلزامية أحسن، ولعل منشأ الأحسنية هو ان الملاكات في موردها تامة، فالأحسنية بلحاظ ما يعود على المكلَّف من نفع وما يندفع عنه من ضرر، أو بلحاظ انّ اتباعها هو المنجي من النار، وأما التكاليف غير الإلزامية فهي بالإضافة إلى انَّ ما يعود منها على المكلَّف ليس بمستوى ما يعود عليه من اتباع التكاليف الإلزامية، فهي بالإضافة لذلك فإنَّ اتباعها لا يوجب النجاة من النار والفوز بالجنة لو كان المتبع لها تاركاً للتكاليف الإلزامية.
الإحتمال الثاني: انَّ الآية الشريفة متصدِّية لعلاج حالات التعارض والتزاحم وان المكلَّف ملزم بالأخذ بأحسن ما اُنزل، ولمَّا كان التعارض فيما انزل غير معقول فيتعين القول إما باختصاص تصدِّي الآية الشريفة لحالات التزاحم أو انَّ المراد مما انزل هم الأعم من القرآن الكريم وسائر الأدلة - فإن التعارض حينئذ معقول، وذلك كما لو تعارض خبر ثقة مع ظهور آية - أو يكون المراد من التعارض هو التعارض الصوري بين متشابهات الآيات ومحكماتها فالأحسن حينئذ هو الأخذ بالمحكمات، والأحسنية هنا بلحاظ المكلَّف لجهله بالمراد من المتشابهات.
الإحتمال الثالث: انَّ الآية تخاطب الكفار أو العصاة وتعظهم باتباع أحسن ما اُنزل اليهم، فقد انزل اليهم التهديد والوعيد بالنار والعذاب كما انزلت اليهم البشرى بالمغفرة عندما يُنيبون إلى ربهم ويتوبون اليه من قبل ان يُباغتهم العذاب.
والأحسنية هنا بلحاظهم حيث انَّ الاوفق بحالهم هو التوبة والإنابة لانها تستوجب المغفرة.
ويمكن ان يستظهر هذا المعنى بواسطة سياق الآية الشريفة (وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ...) ([5])، وهذا المعنى استظهره الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) وأوفق احتمال يناسب دعوى دليلية الآية الشريفة على حجية الإستحسان هو الإحتمال الثاني إلاّ انَّه مع مخالفته لظهور الآية الشريفة لا تثبت به الدعوى.
أما مخالفته لظهور الآية الشريفة فواضح بملاحظة سياق الآية وسابقتها والتي تليها، فهي تأمر بالإنابة والرجوع إلى الله تعالى قبل فوات الأوان ومباغتة العذاب، وهذه اللغة لا تناسب أهل الطاعة واللذين يبحثون عن حكم الله تعالى ويتحرُّون مظانه، فهل من المناسب لو جاءك طالب الحق يبحث عن وظيفته الشرعية أترى من المناسب أن تهدده وتزجره وأي أحد من أهل المحاورة يقبل بهذا النحو من البيان حتى نقبل ذلك على الله جلَّ وعلا، ولو تنزلنا وقلنا انَّ المعنى المتعين من الآية الشريفة هو الإحتمال الثاني فإنَّه لا ينفع لإثبات الدعوى وذلك لامور:
أولا: لانَّه أجنبيٌ عما يُراد اثباته من حجية الإستحسان - بناء على التعريف الاول والثاني والثالث والخامس - فإنها جميعاً بصدد تحديد صغرى الدليل الاقوى، وهذا مالم تتصدَ الآية الشريفة لبيانه حتى بناء على الإحتمال الثاني، إذ انها - بناء عليه - بصدد بيان حجية الدليل الاقوى اما ان تشخيص الدليل الاقوى يتم بواسطة الذوق وملائمات الطبع أو ما يستحسنه العقل أو ما يدلُّ عليه الكتاب والسنة أو ما يناسب المصلحة أو العدل فهذا مالا يمكن استفادته من الآية الشريفة حتى بناء على الاحتمال الثاني.
واما التعريف الرابع فكذلك يرد عليه نفس الإشكال بناء على ما استظهرنا وهو الاحتمال الاول، وأما الاحتمال الثالث للتعريف فهو صياغة ثانية للآية بناء على احتمالها الثاني، وعليه لا يكون الإستحسان أكثر من لزوم العمل بالدليل الأقوى أما ماهو الدليل الاقوى فهذا ما لا يتصدى التعريف الرابع - بناء على احتماله الثالث - لبيانه.
ثانياً:الآية - بناء على احتمالها الثاني - أخص من المدعى في بعض التعريفات كالتعريف الاول حيث لا تختص حجية الإستحسان - بناء عليه - بحالات التعارض أو التزاحم بل هو حجة حتى في غير مورديهما وكذلك الكلام في التعريف الثاني بل وحتى الخامس لو كان الالتفات إلى المصلحة والعدل مطرداً حتى في غير حالات التعارض والتزاحم كما هو مقتضى اطلاق التعريف.
الدليل الثالث: وهو من السنة الشريفة وهو ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن مسعود انَّه قال (انَّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (ص) خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد (ص) فوجد أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيِّه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سَيء) ([6]).
والإشكال على الإستدلال بهذه الرواية من جهتين:
الجهة الاولى: تتصل بالسند حيث انَّ ابن مسعود (رحمه الله) لم يُسند الرواية إلى الرسول (ص) فهي مقطوعة، وهذا ما يوهن الإستدلال بها على المطلوب إذ لعلها كلاماً لابن مسعود نفسه، نعم بناء على حجية قول الصحابي يمكن الإستدلال بهذا النص إلاّ انَّ الإستدلال حينئذ يكون بقول الصحابي لا بالسنَّة الشريفة، وعندئذ يكون الدليل مبنائياً، فمن لا يرى حجية قول الصحابي لا يصلح هذا الدليل لإلزامه، وذلك لا يمثل طعناً في الصحابي الجليل ابن مسعود إذ فرق بين عدالة الرجل وبين حجية قوله واجتهاده.
الجهة الثانية: إنَّ لفظ المسلمين في قوله (فما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن) ظاهر في العموم المجموعي أي ما رآه مجموع المسلمين، وحينئذ تكون الرواية أجنبية عن محلِّ البحث، إذ انَّها انَّما تُثبت حجية الإجماع لا حجية الإستحسان الذي قد يختص به مجتهد أو مجتهدان، على انَّه لا يبعد ان يكون ذلك مختص بالصحابة حيث رتبت الرواية حجية ما يراه المسلمون حسناً على نظر الله جلَّ وعلا إلى قلوب العباد ووجدانه امتياز قلوب الصحابة على سائر قلوب العباد، إذ لا معنى لثبوت حجية استحسان المسلمين بسبب ان قلوب الصحابة خير قلوب العباد إذ لا إرتباط بين السبب ونتيجته مما يوجب استظهار انَّ الذي ثبت لاستحسانه الحجية هو خصوص الصحابة، فتكون الرواية أخص من المدعى - لو بنينا على انَّها في صدد إثبات حجية الاستحسان وإلاّ فهي - كما هو الظاهر من الرواية - أجنبية عن محل البحث، إذ انَّها متصدية لإثبات حجية إجماع الصحابة.
ثم انَّ الإنصاف انَّ الرواية ليست متصدية للحديث عما يكشف عن الحكم الشرعي وان رؤية أو إستحسان المسلمين يكشف عن حكم الله الواقعي بل هي تعبِّر عن انَّ قلوب المسلمين أو الصحابة لمَّا كانت على الفطرة لم تتغلَّف بحجب الضلال والكفر أو انَّها تخلَّصت منها بالإيمان والهداية فإنَّ لها حينئذ ان تتعرَّف على موارد الفضيلة والرذيلة والخير والشر، إذ ان ضمير الإنسان إذا خلا من الكفر والعصبية فإنَّه يكون دليل الخير والصلاح.
هذا ما يُستظهر من الرواية فهي من الروايات الأخلاقية التي لا صلة لها بالدعوى، والتعبير (بما رآه المسلمون) ناشئ عن انَّ الوقوف على موارد الفضيلة والرذيلة لا يختص بفرد دون آخر بعد افتراض سلامة الفطرة.
والذي يؤكد ماذكرناه انَّ الرواية رتَّبت الفقرة الأخيرة وهي قوله (ما رآه المسلمون حسناً) على نظر الله جلَّ وعلا لقلوب العباد ووجدانه انَّ قلوب الصحابة خير قلوب العباد، وواضح انَّ القلب لا يكشف عن الحكم الشرعي وإلاّ فما معنى اختلاف المسلمين في فتاواهم المعتمدة على الإستحسان إلاّ ان يقال ان قلب المسلِّم مشرِّع وليس كاشفاً وحينئذ يجب الإلتزام بأن ما يوحيه قلب كل مسلم من حكم حجة عليه ولو لم يكن هذا المسلم مجتهداً، وذلك لأنَّ الرواية لم تجعل هذه الصفة لمسلم دون آخر حتى تكون صلاحية ذلك منحصرة بالمجتهد، وهذا ما لا يلتزم به القائلون بالإستحسان.
الدليل الثالث:دعوى الإجماع على حجية الإستحسان.
والظاهر عدم وجود دعوى بهذه السعة وانما هي موارد .. وقليلة أيضاً - ادُّعي انَّ اجماع الأمة عليها نشأ عن الإستحسان، وحينئذ نقول: إن صُرِّح حينئذ في معقد هذه الإجماعات انَّها نشأت عن الإستحسان فإنَّ الاستحسان يثبت في الجملة أي في الموارد التي تجمع الأمة قاطبة على صلاحيته لإثبات حكم أو نفي حكم ولا يصحُّ التعدِّي منها إلى موارد اخرى، كما لابدَّ من ملاحظة أي نحو من الإستحسان الذي أجمعت الأمة على أهليته لإثبات حكم ذلك المورد ومع تشخيصه يكون هو المتعين من أنحاء الإستحسان، إذ انَّ غيره ليس مورداً للإجماع فلا يمكن الإستدلال بالإجماع على حجيته، ومع عدم تشخيصه لا يصح إعمال الحدس لتحديده، وذلك لأنه اجتهاد خاص لا يمكن تحميل اجماع الاُمة عليه وإلاّ فهو خروج عن الإستدلال بالاجماع.
هذا كلُّه لو صُرِّح في معقد الإجماع بأن مدركه هو الإستحسان وأما مع عدم التصريح فلا مبرِّر للإستدلال على حجيّته بالإجماع إلاّ الحدس والإجتهاد وهو خروج عن الإستدلال بالإجماع.
والظاهر انَّ تمام الموارد القليلة التي ادعي قيام الإجماع عليها وانَّه ناشئ عن الإستحسان هي من هذا القبيل، إذ من المتعذِّر عادة إحراز انَّ المنشأ من تبني كل فرد أو عالم من الامة لهذا الحكم هو الإستحسان، وعدم وجود ما يبرِّر الإجماع من نص لا يقتضي تعين المدرك في الإستحسان فلعلَّ المدرك هو السيرة العقلائية أو المتشرعية، ولعلَّ المناشئ مختلفة فكل فريق نشأ تبنيه للحكم عن مدرك غير الذي نشأ عنه تبني الفريق الآخر فيتكون الإجماع ولكن بمناشئ مختلفة.
هذا بالإضافة إلى عدم تمامية دعوى إجماع الأمة على حجية الإستحسان، فإنَّ هذه الدعوى منقوضة بمذهب الامامية حيث يبنون جميعاً على عدم حجيته وكذلك الظاهرية والشافعية.
وبهذا يتضح سقوط تمام الأدلة التي استدلَّ بها على حجية الإستحسان، وهو كاف لسقوطه عن الحجية من غير حاجه لإثبات ذلك، فإن الأدلة الظنية التي لم يقم الدليل القطعي على حجيتها باقية على الأصل وهو عدم الحجية.
لقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ([7]).
[1]- سورة الزمر: 18.
[2]- سورة الزمر: 17 - 20.
[3]- سورة يونس: 25.
[4]- سورة الزمر: 55.
[5]- سورة الزمر: 53 - 56.
[6]- مسند أحمد: مسند المكثرين من الصحابة الحديث 3418.
[7]- سورة النجم: 28.
تقبلوا تحيتي
|
|
|
|
|