لأنتظار فرج الأمام (ع) مساحة كبيرة في تراث أهل البيت , وله أهمية قصوى وثواب عظيم وللأختصار نذكر روايتين نستدل بها على ما نقول:
* عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج "
*الإمام علي ( عليه السلام ) : "المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله " .
وأذا كان هذا الأمر قد ارتقى الى هذه المرتبة فلابد أن يكون أمرا غير طبيعي لأن الثواب على قدر المشقة وليس كما يتصوره البعض بذلك الأنتظار الساذج ’ بل للأنتظار معنى عميق ولذا كان أفضل الأعمال وكالمتشحط بدمه في سبيل الله ولنذكر هذه الرواية التي توضح لنا هذا المعنى:
عن الإمام الصادق عليه السلام : « من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظرواهنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة » .
هذا الرواية تبين لنا ان معنى الانتضار هو العمل بالورع ومحاسن الاخلاق والجد والاجتهاد في ذلك.
ولو ركزنا على مفردة من هذه المفردات فضلا عن الاخريات التي ذكرتها الرواية لتبين من خلالها صعوبة الأنتظار .
الورع :الذي هو شرط من شروط المنتظر الحقيقي يبينه الامام علي عليه السلام بما ورد بقولهالورع الوقوف عند الشبهة)
الامام زين العابدين(ع) "اعلى درجة الزهد ادنى درجة الورع ...".
فنحن الذين لم نتوقف عن المحارم فضلا عن التوقف عند الشبهة ولم نصل الى مرحة الزهد فضلا عن الورع والذي لا نصله الا بعد تجاوزنا مرحة الزهد هل نحن منتظرون حقا...؟؟
وهل أنتظارنا لأمامنا صادق...؟؟
وهل نطمع أن نكون من جيشه وتحت لوائه...؟؟
وهل لقلقة اللسان بعبارات نظهر بها شوقنا وانتظارنا لدولته تكفي...؟؟
اذا أراد زيارتك رأيس دولة مثلا ماذا تفعل ؟؟
قطعا سوف ينشغل كل فكرك به وبما تمهده له لكي يرى ما يحب منك حين زيارته وتبعد كل شائبة ممكن أن لا يرضا بها في تصرفك ومنطقك وأدبك وبيتك.
إن انتظار الامام يعني اننا لا نحب ولا نعمل المحارم , وان نعمل بالحق ونأمر به بالحكمة والموعظة الحسنة.
ان دولة الأمام وثورتة كبيرة جدا وخالصة جدا لاتقبل الفساد والمفسدين فهو يجئ لتطهير الناس من المحارم ولا يقبل في جيشه اهل المحارم الذين ليس عندهم ورع يحجبهم عن الشبهات.
فإذا كنت غير طاهر كيف تطهر الاخرين فالماء النجس لا يطهر النجس ...
وإذا كنت ظالما مجرما معتديا كيف يتسنى لك ان تكون ناصرا لمن جاء لكي يقتص من الظالمين...
وإذا كنت كثير الغضب سيئ الاخلاق مؤذي الآخرين كيف أنتظر ثورة يحرق لهبها كل هذه الصفاة الذمية وأصحابها...
ويدخل فيما قدمناه لمعنى الانتظار ان المنتظر لابد ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجاهد في سبيل الله بأذن المجتهد ان سمحت الظروف بذلك ولك كيف..
حيث مما يدخل في الحديث ان لا يكون المنتظر جالسا في بيته ولا يعمل بالواجبات كالأمر بالمعروف والجهاد , ان الأمام يريد منا ان نتفقه في الدين , وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط ومراحل لا يجوز الأخلال بها فعلى سبيل المثال, ان يكون بصيرا عارفا بالمعروف والمنكر وليس جاهلا , ان يكون دعائه بالحكمة والموعضة الحسنة , وان يسلك أفضل طريق في ذلك, وأن لا ينتقل الى مرحلة القوة الا بأذن الحاكم الشرعي- المجتهد- وهناك شروط كثيرة مذكورة في محلها, لكنا نرى بعض الجهال يريدون ان ينفعوا فيضروا ..يريدون ان يصلحوا فيفسدوا اكثر من الفساد الذي يريدون اصلاحه ...
فمثلا يريد ان يصلح امرا ما محرم فيقوم بحرق محل بأكمله وربما تأخذ النار المحلات المجاورة مع ان في ذلك اتلاف لأموال محترمة ويسبب فوضى في البلد واضطراب تنتج عنه نتائج وخيمة كهجرة البعض او عداوة الناس للاسلام والعلماء وما شابه...
بل نرى البعض يقتل بعض الناس اذا اساء لحركتة بكلمة او اذا عمل محرما مع ان قتل النفس من العثرات التي لا تقال والقاتل ارتكب محرما فضيعا بحجة الاصلاح ومثل هؤلاء تحدثنا الآية الكريمة عنهم:
قال تعالى(...الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )( 104 )الكهف
اما الجهاد فهو لا يجوز الا بأذن المرجع الجامع للشرائط اذا كنا حقا من المنتظرين ولآخذين بقول الأمام وذلك كون الأمام في الغيبة الكبرى امرنا ان نتبع المجتهدين حيث قال(ع)
" وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " .
فمن عمل برأيه أو برئي من لم يكن مجتهدا فقد خالف الأمام ولم يكن من اتباعه.
وان حاول بعض الجهال تبرير ذلك, ان المشكلة الحاصلة هي تطفل البعض على اختصاص الغير في العلوم الدينة وكأنهم خبراء في ذلك مع انهم لا يعرفون على سبيل المثال كيفية حكم الجهاد فضلا عن ادلته ...
اننا اذا مرضنا نذهب الى الطبيب ولا نناقش واذا عطلت سيارتنا نهب الى الميكانيكي ولا نعارضه فيما يقول وهكذا , فلماذا نتدخل في اختصاص من بذل عمره في دراسة الشريعة ونريد ان نوجههم حسب رغباتنا اليس العلماء ورثة الانبياء كما في الخبر ؟... واذا كان اللأنبياء مختلفون في المواقف كما نرى مثلا داود (ع) قام بالجهاد والحرب أما هارون(ع) لم يقم رغم فساد قومه وسكت ولكن نبينا(ص) ترك القتال رغم اضطهاد قومه له ولأصحابه في مرحلة من حياته ولكن في المرحلة الثانية قام بالجهاد المسلح, فكذلك العلماء تختلف ادوارهم وكل يرى الموقف حسب ادراكه الفقهي .
وايضا العلماء نواب الأئمة واللأئمة عليهم السلام تباينت مواقفهم فمن قام بالسيف كالحسين عليه السلام ومن سكت كزين العابدين(ع) حتى ان اهل المدينة قاموا بثورة ضد يزيد قاتل ابيه سيد شباب اهل الجنة وهو لم يشارك بل حافض على عوائل بني أمية من ان تتعرض للأذى وكذا باقي اللأمة من بعده لم يقوموا بثورة ولم يشاركوا , وقبال هؤلاء خرجت فرقة من الشيعة على هذا السكوت وهم اتباع زيد الشهيد وقالوا ان الامام لابد ان يقوم بالسيف ويجاهد الظالمين والا فهو ليس بأمام وخالفوا الأئمة في ذلك .
وما يفعله البعض من تعدي على العلماء الساكتين-حسب قولهم- لا يختلفون كثيرا عن الزيدية ولو قدر لهم ان يخلقوا في زمن الأئمة لكانوا زيدية فالينتبه الأخوة المتحمسين للجهاد ولينضروا لمواقف الأنبياء والأئمة وان الجهاد ليس بالضرورة ان يكون بالجهاد الحربي وهذا مافعله بعض ورثة الانبياء ونواب الأئمة الذين امرنا ائمتنا ان نتبع مواقفهم وإذا خالفنا أوامرهم لا تبقى لنا حجة يوم القيامة فإذا قلنا اننا نجاهد يقال لنا انكم مأمورون بأتباع العلماء كما مر علينا في قول الامام الحجة وكذا ما روي عن الامام الحسن العسكري(... من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه ) , وغيرها من النصوص, فإن قلنا أنهم لم يقوموا بالجهاد فسقطت حجيتهم فماذا نقول ان قيل لنا ان بعض الانبياء لم يقوموا بالسيف وأغلب الأئمة كذلك فهل تسقطوهم ؟!!.
وختاما اوصي اخوانتي ان يرجعوا الى رشدهم وان لا يهلكهم الشيطان فإن الأنسان اذا دخل تحت حزب او تيار او كتلة لا يفكر بأتزان "والحب يعمي ويصم", يأخذ رأي كتلته كالقرآن وهذا من تلبيس أبليس اللعين فالنفكر جيدا وبصدق برأينا ورأي الآخرين وان لا يكون التفكير بكيفية اثبات رأيي ودحض رأي الآخر وهذا التفكير الصادق الباحث عن الحقيقة خير من العبادة الكثيرة فقد ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
" فكرة ساعة خير من عبادة سنة ".
والتفكير عن الحق والحقيقة في مقدمة التفكير الذي حثت عليه الشريعة.