[النور الحسيني]

الروضة الزينبيه في الشام

أفاد فريق من المؤرخين أنّ السيدة زينب عليها السلام توفّيت في إحدى قرى الشام، ويعزو بعضهم سبب سفرها إلى الشام أنّه حدثت في يثرب مجاعة عظيمة، فهرب منها عبد الله بن جعفر مصاحباً معه زوجته العقيلة وسائر عائلته، ولمّا انتهت العقيلة إلى ذلك المكان توفّيت فيه، وحدوث المجاعة فيما نعتقد لا أساس له من الصحة؛ لآنّ المؤرخين والرواة لم يذكروا أنّه حدثت مجاعة في يثرب في ذلك الوقت، مضافاً إلى أن عبد الله بن جعفر كان من الأثرياء المعدودين في المدينة، فهل ضاق نطاقه عن إعاشة عائلته حتى يذهب إلى الشام؟ كما أنّه كان من أندى الناس كفّاً، ومن أكثرهم إسعافاً وعطاءً إلى الفقراء والبؤساء، فكيف يتركهم ينهشهم الجوع وينهزم إلى الشام التي هي مقرّ السلطة الاُموية التي نكبته بسيّد اُسرته وابن عمّه الإمام الحسين عليه السلام وبولديه وغيرهما من أنباء الاُسرة النبوية.
وعلى أي حال، فإنّ المشهور في الأوساط الإسلامية أنّ قبر العقيلة في الشام حيث هو قائم الآن، وقد اُحيط بهالة من التقديس والتعظيم، وتؤمّه الملايين من الزائرين متبرّكين ومتوسّلين به إلى الله تعالى، شأنه شأن مرقد أخيها أبي الأحرار(عليه السّلام) الذي صار أعزّ مرقد في الأرض، والذي نذهب إليه هو أنّ قبرها الشريف في الشام وإليه ذهب الكثيرون من المحقّقين.
تاريخ عمارة مرقدها
من تاريخ المزار:
وتدل النصوص التاريخية على اشتهار هذا القبر منذ زمن قديم كانت لها أوقاف ومسجد كبير ومساكن.
ففي هامش (المراقد 2/33) من صورة ما على المرقد جاء فيها: (قبر السيدة الجليلة صاحبة الفضل الصديقة الطاهرة الزكية الفاخرة، الزاهدة العابدة الراكعة الساجدة التي شرفت قبرها قرية راوية شقيقة السبطين بضعة البضعة المحمدية والجوهرة الأحمدية من خصها الله بالكرامة الأبدية السيدة الجليلة أم كلثوم زينب الكبرى بنت أسد الله الغالب الإمام الجليل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه)، ثم ذكر شهادة القاضي مصطفى بن مصطفى أفندي في آخر ربيع الأول سنة 768 هـ، قال ابن جبير في رحلته التي كانت في أوائل المائة السابعة عند الكلام على دمشق ما لفظه:
(ومن مشاهد أهل البيت عليهم السلام مشهد أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب يقال لها زينب الصغرى وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشبهها بأم كلثوم (رض) والله أعلم بذلك، ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد يعرف براوية على مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجة ومساكن وله أوقاف، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست أم كلثوم جئنا إليه وتبركنا برؤيته نفعنا الله بذلك).
وقال ياقوت المتوفي 626هـ في (معجم البلدان) راوية بلفظ راوية الماء قرية من موقعة دمشق بها قبر أم كلثوم.
وقال ابن عساكر من أهل المائة الخامسة عند ذكر مساجد دمشق: (مسجد راوية مسجد على قبر أم كلثوم وهي ليست بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هي امرأة من أهل البيت سميت بهذا الإسم ولا يحفظ نسبها ومسجدها هذا بناه رجل من حلب). وفي (المراقد) عن الثمر للسيد البراقي المخطوط عن الحاج مصطفى كبه سنة 1302 عن السيد سليم المتولي للمرقد أن هذه السنة سقطت القبة على قبرها (ولما كشف التراب عن قبرها) وإذا بصخرة على القبر عظيمة من المرمر طولها قامة رجل ولم يتمكن من قراءتها أحد)، ثم أخبروا الوالي عن طاعن في السن بنواحي الشام وإنه عالم بالسير والتواريخ والألسن فأحضره وعرض عليه الصخرة، فما قدر أن يقرأ منها غير السطرين الأولين وهما:
(هذا قبر السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب بنت فاطمة الزهراء توفيت في هذا المكان وأقبرت في رجوعها الثاني).
وقد أُهدي الصندوق على القبر الشريف من إيران في سنة 1334 هـ ووضع عليه في احتفال خاص اشترك فيه جمهور الشيعة من لبنان وسوريا وتليت فيه كلمة للسيد عبد الحسين شرف الدين في 20 شعبان 1334 هـ، وجدد هذا الصندوق والضريح المكسو بالذهب في سنة 1393 هـ من قبل الشعب الإيراني المسلم.
واليوم يتوسط المرقد الحرم الذي بني على نظم هندسي بديع جداً ويحيط بالحرم صحن واسع الأرجاء وفي الصحن غرف معدة للزوار ينزل بها الزائرون، ويعلو مدخل الحرم الزينبي أسماء الأئمة الإثني عشر وحول الحضرة خطبة زينب مع ترجمتها بالفارسية محيطة بالكاشي وقد كان وضع الكاشي المحسن الحاج أبو القاسم الهمداني سنة 1383هـ 1963م والشباك المنصوب من الفضة وأبواب الحرم من الذهب المطعم بديع الزخرفة وجاء عليها ما نصه:
(أنشئ هذا الباب للحوراء زينب الكبرى (عليها السلام) من قبل العبد الذليل محمد تقي بن المرحوم الشيخ عبد الحسين آل أسد الله الكاظمي الذي يرجو من ربه العظيم أن يرحمه في الساعة الرهيبة التي تشخص فيها الأبصار سنة 1387هـ).
وفي الجانب الآخر: (صنع في أصفهان في عهد سادن الروضة السيد محسن مرتضى بن السيد رضا مرتضى وبمساعي السيد رضا السيد قاسم الحسيني وإشراف الشيخ محمد حسن المؤيد سنة 1387هـ، وبنظارة الحاج ميرزا أبو القاسم كوبا، والخطاط حبيب الله فضائلي).
وقد قيل في المزار ونعم ما قيل:
يـــــا زائــــراً قبر العقيلة قف وقل مني الســـــلام عــلى عقيلة هاشم
هـــذا ضريحك في دمشق الشام قد عكفت عليــــــه قـلوب أهل العالم
هـــــــذا هـــو الحق الذي يعلو ولا يـــــعلى عــــليه برغم كل مخاصم
ســـــل عـــن يزيد أين أصبح قبره وعـــــليه هـــــل من نائح أو لاطم
تاريخ البناء الحديث في مقام السيدة زينب:
المبنى الجديد لمقام السيدة زينب الكبرى:
أعد السيد المهندس محمد رضا مرتضى عام 1952 م مخطط مبنى مقام السيدة زينب الكبرى المتميز بما يلي:
1 - المساحة العامة تبلغ أبعادها 150 × 190 م.
2 - مساحة المبنى الخاص بالحرم تبلغ أبعادها 90 × 90 م.
3 - مساحة الحرم الداخلي تبلغ أبعادها 30 م × 30 م رصفت أرضيته مع أرضية رواقه بالرخام الإيطالي الجميل والنفيس.
4 - عرض الفناء الخارجي 15 م يفصل بين رواق الصحن ورواق المقام، يكسوه حجر القطيفاني المجلي الجميل.
5 - الاعتماد في عملية التشييد على الخرسانة المسلحة.
المداخل الأربعة لمقام السيدة زينب الكبرى:
لمبنى مقام السيدة زينب الكبرى أربعة مداخل للزائرين، يبلغ عرض كل منها أربعة أمتار، وعلى جانبي كل منها رواق جميل عرضه 4 م. رصفت بالحجر المجلي من نوع البيدروسي والكلسي المتميز بلونه البيج والرمادي الغامق الجميل. وتبدو خلف الرواق سبعون غرفة. واجهاتها بنيت من الحجر البازلتي، تذكرنا بتقاليد بيوت دمشق القديمة المحلية. ويعلو كلاً من أبوابها ونوافذها قوس نصف مستدير مما يذكرنا بجمال العمارة المحلية في قصور دمشق القديمة...
مداخل مبنى حرم السيدة زينب الكبرى:
ولمبنى ضريح السيدة زينب الكبرى أربعة مداخل واسعة وجميلة، يحيط بها رواق عرضه أربعة أمتار، يرتكز سقفه على أقواس متميزة بطابعها المعماري الإسلامي الجميل.
سقف الحرم المتدرج في مبنى مقام السيدة زينب الكبرى:
يتميز سقف الحرم في مبنى مقام السيدة زينب الكبرى بارتفاعه من 6 م عند الجدران الخارجية للحرم حتى ارتفاع 8 م وأخيراً 10 م جوار قبة الحرم التي يبلغ قطرها 10 م.
إن سقف الحرم متدرج، يفصل كل درجة عن غيرها سطح زجاجي عمودي من شأنه توفير الإضاءة الطبيعية الكافية والمناسبة، ودخول أشعة الشمس إلى داخل مبنى الحرم، أضف إلى ذلك توفير التهوية الضرورية من مختلف جهات وأطراف مبنى الحرم.
استخدام الخزف في تزيين رواق الصحن ورواق الحرم والأعمدة والدعائم والأقواس الحاملة للقبة والقبة نفسها والمئذنتين
استخدم الخزف الإسلامي الإيراني الجميل بألوانه وعناصره الزخرفية النباتية المتقاطعة والمتتالية وكتاباته الإسلامية القرآنية والأدبية... وذلك في سبيل تزيين واجهات رواق الصحن ورواق الحرم والأعمدة والدعائم والأقواس الحاملة والقبة نفسها والمئذنتين الرشيقتين الأسطوانيتي الشكل.
استخدام المرايا في كسوة الأقسام العلوية من جدران حرم مقام السيدة زينب الكبرى
وكسيت الأقسام العلوية من جدران الحرم الداخلية بتشكيل جميل من المرايا الدقيقة المصنعة في بلجيكا لهذه الغاية ويتداخل معها تزيينات الخزف القيشاني الجميل تغطي سطوح الدعائم حاملة القبة والأقواس والجسور... مما أسهم في تحقيق الجمال الزخرفي المتميز.
كسوة قبة مقام السيدة زينب الكبرى بالذهب
كسيت السطوح الخارجية لقبة مقام السيدة الكبرى بالذهب الذي جعل هذا المبنى يتلألأ ليلاً ونهاراً ويضفي على المنطقة جمالاً جذاباً ومتميزاً.
عناصر هامة من الحرم الزينبي الشريف
(1) أبواب الحرم الشريف
تمّ إهداء ثلاثة أبواب مذهبة للحرم الشريف آية في الإبداع الفني من حيث النقوش وهي مصنوعة في مدينة أصفهان من قبل أقدر الفنانين أستخدم فيها صفائح من الفضة المطلية بالذهب والمزينة بالنقوش الفاخرة والمطعّمة بالمينا. وتوّجت بآيات قرآنية كريمة وأحاديث شريفة مكتوبة بخطوط آية في الاتقان وهي محطّ إعجاب الزائرين.
(2) الضريح الزينبي
أهدى الشعب الإيراني عام (1955) ضريحاً لمقام السيدة زينب من خشب الأبنوس المطعّم بالعاج والمكسو بنقوش آية بالإبداع صنعه الفنان الكبير محمد صنيع خاتم وقد تمّ تركيبه على المقام الكريم، دشنه السيد رئيس مجلس الوزراء باحتفال كبير حضره عدد من الوزراء وكبار رجال الدولة وعدد من السادة العلماء والوجهاء.
(3) القفص الفضي الأول
تبرّع الحسن الكريم الحاج محمد علي حبيب عام (1955) بالقفص الفضّي الأول وصنع في باكستان من خشب الأبنوس المكسوّ بصفائح من الفضة، ركب على قاعدة من الرّخام وهو تحفة فنية تمّ تركيبها وأحتفل بذلك باحتفال مهيب ضمّ عدداً كبيراً من رجال الدولة والسادة العلماء والوجهاء.
(4) القفص الفضي المذهب الثاني
بعد أن اهترأت عناصر القفص الفضي الأول تبرّع المحسن الكبير الحاج عباس حسن فروش بقفص جديد صنع في مدينة أصفهان من قبل الفنان الكبير باروتش وزيّن بأبدع النقوش وكتبت عليه خطبة السيدة زينب بأجمل الخطوط تعلو القبّة المذهبة تتوسطها أسماء الله الحسنى.
أهم ملحقات الحرم الزينبي الشريف
( أ ) المستوصف
تمّ عام (1969 م - 1389 هـ) إنشاء مستوصف ملحق بالمقام ويجاوره ويقع على الشارع العام، وقد أعدّ مخططه متولي المقام المهندس السيد رضا مرتضى بحيث يكون مستقلاً عن كلّ مواصفاته المعمارية والوظيفية فقد ضمّ قاعتي انتظار للرجال والنساء وغرفة الطبيب وغرفة للمعاينة وصيدلية للأدوية.
( ب ) المقبرة
تمّ إلغاء المدفن القديم الذي كان في الجهة الشمالية من المقام وبعد أن تمّ توسيع المقام عملت لجنة الأشراف عام (1953) على إحداث مقبرة جديدة في الجهة الشمالية الشرقية من المقام ولما قاربت القبور على الامتلاء عام (1983) تمّ تصميم المقبرة من قبل متولي المقام السيد المهندس محمد رضا مرتضى على أحدث الأسس بحيث تستوعب حوالي (2500) قبر مبنية من البيتون وفق صفوف منتظمة تحدّها ممرّات وطرقات على جانبيها أحواض الزهور، وكذلك جهزت بمكتب للإدارة وصالة استقبال ومغتسل للأموات، مع بئر وخزان وشبكة أنابيب لتوزيع المياه على الأشجار التي تحيط بها من كلّ جوانبها.
( ج ) المسلخ
اعتاد زوار المقام أن يقدّموا أضحيات ونذور من الغنم والماعز تذبح في مسلخ المقام ثم توزع كلها أو بعضها على الفقراء، وقررت لجنة الأشراف إحداث مسلخ جديد مبني على أحدث الأسس وتتوفر فيه كلّ الشروط الصحيحة وبالسّعة الكافية لاستقبال أصحاب النذور.
( د ) المركز السياحي
وقد أحدثت لجنة الإشراف (مركز السيدة زينب للزيارة والإرشاد السياحي) ليقوم بهذا العمل وعهدت به إلى جهة موثوقة لإدارته.
( هـ ) قاعة الاستقبال:
إحداث قاعة استقبال فسيحة تتوافر كل الشروط وتمّ إكساؤها بالتزيينات من الجصّ على الطراز الإسلامي وجهّزت بأفخر الأثاث.
( و ) المصلى
كانت تقام صلاة الجماعة في بعض الأحيان في الحرم الشريف الأمر الذي كان يعطل الزيارة. وعندما توافدت مجموعات من المؤمنين الإيرانيين بمعدل (2500) إيراني أسبوعياً، وبدرت رغبة بتشييد مصلى قدّمت لجنة الإشراف الأرض اللازمة لذلك، وتمّ إنشاء هذا المصلى مع أماكن للطهارة والوضوء وصحن مناسب.