رسائل الامام الرضا (عليه السلام) إلى ولده الجواد (عليه السلام)
بتاريخ : 06-10-2011 الساعة : 11:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
وصل الامام الرضا (ع) مرو، وحلّ في عاصمة الخلافة، وقلبه متعلِّق بولده الامام، ومن هناك راح يراسِلُهُ ويخاطبه ، ويواصل الاهتمام به وإسداء النصيحة والارشاد له ، وقد ذكر المؤرِّخون أنّ الرضا (ع) كان يخاطب ابنه الجواد (ع) وهو يكاتبه ، بالتعظيم والاجلال ، ويكنيه بأبي جعفر . فقد روى الحاكم أبو عليّ الحسن بن أحمد البيهقي ، قال :
« حدّثني محمّد بن يحيى الصولي ، قال : حدّثنا أبو الحسين بن محمّد بن أبي عبّاد ، وكان يكتب للرضا (ع) : ما كان (ع) يذكر محمّداً ابنه إلاّ بكنيته ، يقول :
( كتب إليَّ أبو جعفر (ع)، وكنت أكتب إلى أبي جعفر (ع) ) وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وتردُ كتبُ أبي جعفر (ع) في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول:
(أبو جعفر وَصِيّي، وخليفتي في أهلي من بعدي) » .
وقد حفظ لنا التاريخ بعض هذه الرسائل،فلنقرأها مع الامام الجواد(ع)،ولِنُـمْعِن النظر فيها:
روى الشيخ الصدوق ، في كتابه عيون أخبار الرضا (ع) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ـ بعد أن ذكر السند الموصل إليه ـ قال :
« قرأتُ كتاب أبي الحسن الرضا (ع) إلى أبي جعفر (ع) :
(يا أبا جعفر ! بلغني أنّ الموالي إذا ركبتَ أخرجوكَ مِن الباب الصغير ، فإنّما ذلك مِن بُخل بهم ، لئلاّ ينالَ منك أحدٌ خيراً ، فأسألك بحقّي عليك ، لا يكنْ مَدخَلُك ومخرجُكَ إلاّ من الباب الكبير ، وإذا ركبتَ ، فليكُن معك ذهبٌ وفضّة ، ثمّ لا يسألك أحدٌ إلاّ أعطيتَهُ ، ومَن سألك مِن عمومَتك أن تَبَرَّهُ ، فلا تُعطِهِ أقلَّ مِن خمسين ديناراً ، والكثيرُ إليك ، ومَن سألك من عمّاتك ، فلا تُعطِها أقلّ من خمسة وعشرين ديناراً ، والكثيرُ إليك . إنِّي أريدُ أنْ يرفَعَكَ الله ، فانفقْ ، ولا تخشَ من ذي العرش إقتاراً) » .
وعن محمّد بن عيسى بن زياد ، قال :
« كنت في ديوان أبي عبّاد فرأيتُ كتاباً يُنسخُ ، فسألتُ عنه ، فقالوا : كتابُ الرضا إلى ابنه ، من خراسان ، فسألتُهُم أنْ يدفعوه إليَّ ، فاذا فيه :
(بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أبقاك الله طويلاً ، وأعاذَكَ من عدوّك يا ولدي ، فداكَ أبوك ، قد فسّرت لك مالي ، وأنا حيٌّ سويٌّ ، رجاءَ أنْ يُنميكَ اللهُ بالصلة لقرابتك ، ولموالي موسى وجعفر (رضي الله عنهما) .
فأمّا سعيدة فإنّها إمرأةٌ قويّة الحزم في النحل ، وليس ذلك كذلك ، قال الله :
(مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ) . وقال :
(لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) .
وقد أوسع اللهُ عليك كثيراً، يا بُنَيَّ فِداك أبوك ، لا تَستَرْ دوني الاُمور لِحُبِّها، فَتُخْطِئَ حَظَّكَ ، والسلام » .
وبالتأمّل في هذه المجموعة من الوثائق التاريخية ، نكتشفُ مدى العناية والرعاية الّتي كان يوليها الامام الرضا (ع) لولده الصبي ، ليعدّه ويربّيه إعداداً وتربية خاصّة ، تتناسبُ والمقامَ الكريم الّذي ينتظره . ومن خلال هذه الرسائل نكتشفُ قيمة هذه الشخصية ، والاملَ الكبيرَ الّذي يؤمله فيه والده ، الامام الرضا (ع) .
لذا فإنّ الامام الرضا (ع) يركز على بناء شخصيته ، وتعظيم مقامه ، ومخاطبته بالاجلال والتعظيم ، ويكنيه بـ (أبي جعفر) وهو صبيٌّ لم يبلغِ الحُلُمَ ، وهذا الاعداد والتربية الشخصية للجواد (ع) على مستوى الامامة والقيادة ، واضح في الرسالة الّتي بعثها إليه وهو يطلب منه أن يخرج من الباب الكبير ، ليواجه الناس ، وليتفاعل معهم ، ولتتركّز شخصيته في القلوب ، وليمارس عملية العطاء والكرم ، وقضاء حوائج الناس ، على مستوىً رفيع ، وهو صبي غضّ ، وينصحه أن لا يعطي من المال ما كان قليلاً ، لا يُعتدّ به ، ولا يناسب قدره ومقامه .
ثمّ يوضِّح الهدف من تلك الوصايا الواردة في هذه الرسالة :
« إنِّي أريد أنْ يرفَعَكَ الله » .
وفي الرسالة الثانية ، تتّضح خطّة الاعداد والتربية والتهيئة لشخصية الامام ، بتفويض الامر إليه في التصرف بمال أبيه ، وحَثّهِ على صلة بني هاشم ، وأتباع آل البيت (ع) ليمارس دور القيادة ، والعلاقة في هاتين الدائرتين ، منذ نعومة أظفاره ، حتّى إذا شبّ ونشأ ، كان كآبائه وسلفه الصالح من الائمّة الاطهار .
وفي عبارات كلّ رسالة نقرأ فيضَ الحبِّ ، وعباراتِ التلطّفِ والحنانِ ، لِيُفيضَ على ولده الحبيب مشاعرَ الحبّ ، ويُلغي فجوةَ البعد والحرمان مِن قُربِ المعاشرة .