مواقف أصحاب الحسين عليهم السلام إن ما نقل عن واقعة كربلاء، أقل بكثير من الواقع.. فالوقائع أكثر وأعمق من حيث الفاجعة، أحد العلماء يقول: بعض صور عاشوراء والمصائب في ذلك اليوم، هي سر في قلب الإمام الحجة (عج).. ويبدو أن القضية أعمق بكثير مما نظن، وهذا الذي جعل الإمام (عج) يندب جده طوال زمان الغيبة، لا في أيام محرم فحسب، بل في كل أيام سنته، كما ينسب إليه في زيارة الناحية: (السلام عليك يا جداه!.. لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة ناصباً.. لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً).
إن من المشاهد التي سجلها أصحاب الحسين (ع)، في ليلة عاشوراء، ويوم عاشوراء -انظروا إلى البركة والخلود: ليلة ويوم في حياة الأمة، هذه الليلة واليوم؛ كأنه دهر بتمامه-:
فجعل برُير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: يا بُرير أتضحك؟.. ما هذه ساعة باطل، فقال برير: (لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا، وإنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه.. فو الله!.. ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة، ثم نعانق الحور العين).
إن الذين كانوا في ركاب الحسين (ع) بعضهم كان حديث عهد بالاستقامة: كالحر، وغيره.. وبعض أصحابه كانوا من أهل المراقبات الممتدة، كانوا من كبار القوم: معرفة بالقرآن، وتلاوة للقرآن الكريم، كحبيب بن مظاهر، وبرير.
إن اليقين بما سيؤول إليه الإنسان المؤمن، جعل بريرا يضحك في يوم عاشوراء.. هذا اليقين لو دخل قلب المؤمن في غير أيام عاشوراء؛ أي في حياتنا اليومية، من الطبيعي أن هذا اليقين؛ يكسب الإنسان: قوة إضافية، وقوة على مقاومة المنكر، وقوة على تحمل ترك الحرام وأداء الواجب.. ومن هنا نعتقد أن اليقين إذا دخل قلب العبد المؤمن، سينضبط في سلوكه.
إن اليقين والانضباط الباطني، بمثابة المغناطيس الذي نجعله أسفل الورقة، وعليه برادة حديد منثورة.. هذا المغناطيس تحت هذه الورقة، يجعل هذه البرادات المتناثرة في خطوط متوازية، قطبين: قطب سالب، وقطب موجب.. تأثير اليقين في حياة الإنسان، كتأثير هذا المغناطيس في البرادات المتناثرة.. الإنسان المتناثر في حياته، إذا دخل اليقين في جوفه؛ ستكون حركته متزنة تماما.. ومن هنا نقول في الدعاء: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.. تصبح حياة الإنسان ومماته ذا لون واحد: حياته حياة إلهية، ومماته ممات إلهي، كما كان أصحاب الحسين (ع