اغتنام العمر في الطاعة
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه واغتنام ما استطعتم عملاً به من طاعته في هذه الأيام الخالية"1.
أ- مع الوصية
يدلّنا سيد الأوصياء عليه السلام على طريق الفوز ومفتاح كل سداد وصلاح كل فساد إلى اغتنام العمر وصرف الأوقات في طاعة اللَّه تعالى، والعمل ما قدرنا للإعداد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم ونحن في هذه الدنيا كرجل يملك حقلاً بإمكانه أن يزرعه كاملاً ويحصل على نتيجة وفيرة من الثمرات والخيرات لكنه يتكاسل ويهمل ويترك العمل أو يقوم بجزء بسيط لا يذكر من المهمات ثم بعد ذلك لا يرى نتاجه مرضياً والسبب هو ترك العمل كما يجب.
وهكذا العبادات والطاعات بإمكاننا أن نتزوّد بفعلها، لكننا نختار ما لا يجدي في الكثير من الأحيان أو نميل إلى تمضية الوقت في أشياء لا تغني ولا تسمن من جوع في يوم أحوج ما يكون فيه المرء إلى ثواب عمل ينجيه من عذاب أو يخفّف عنه عند الحساب، أليست السهرات التي يبتلى بها بعض الناس ويكثرون من التحدث والأخذ والردّ في شؤون غيرهم مع غفلتهم عن أحوالهم وتضييع أعمارهم فيما لا ينفعهم من لهو ولغو الدنيا في مادياتها وزخارفها وحطامها، من الأفضل إعمارها بطاعة اللَّه ولو عن طريق الحديث بما يرتبط بالآخرة ومن خلال ذكر اللَّه وذكر أهل بيت العصمة عليهم السلام، وبالخلاصة أن تكون مجالس طاعة لا مجالس معصية أو خاوية من الفائدة والثمرة.
وتعبير أمير المؤمنين عليه السلام بكلمة اغتنام واضح في دلالته على ما به الفائدة والربح وكذلك ما ورد في بعض الأحاديث:
ومما قاله رسوله اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه لا يدرك ما عند اللَّه إلا بطاعته"7.
ب- حاجة الخلق إلى الطاعة
لا يوجد شك في أن الطاعة ليست حاجة للَّه وإنما هي حاجة للخلق فالبشر هم المحتاجون إلى طاعة اللَّه وهو الغني قال تعالى:﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللَّه واللَّه هو الغني الحميد...﴾(فاطر:15).
وكذلك نفع الطاعة يعود إلينا وضرر المعصية، علينا، وليس من نفع ولا ضرر يصل إلى اللَّه منّا كما هو صريح القرآن والأحاديث والعقيدة يقول أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً اللَّه سبحانه: "لم تخلق الخلق لوحشة ولا استعملتهم لمنفعة ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك"8.
وعنه عليه السلام: "خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنه لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"9.
ج- بين الطاعة والعصيان
خطّان ما أبعد المسافة بينهما وما يترتب عليهما، خط الالتزام بأوامر الخالق تعالى وإطاعته في كل صغيرة وكبيرة، وخط العصيان والتمرّد وعدم الانصياع لما يريده عزَّ وجلَّ، ولكل خط منهما ملهم ودليل حيث في سبيل الشكر والخير يكون المتّبع هو اللَّه وفي سبيل الكفر والشر يكون المتّبع هو الشيطان الذي يحرّك النزوات والشهوات بالاتجاه الخاطىء المذلّ، فهنا دعوتان وعلى الإنسان أن يلبّي دعوة الخالق لا دعوة الشيطان وعن أولئك الذين استجابوا للدعوة الشيطانية المشؤومة يحدثنا أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "دعاهم ربّهم فنفروا وولّوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا"10.
وعنه عليه السلام: "دعاكم ربكم سبحانه فنفرتم وولّيتم، ودعاكم الشيطان فاستجبتم وأقبلتم، دعاكم اللَّه سبحانه إلى دار البقاء، وقرار الخلود والنعماء، ومجاورة الأنبياء والسعداء، فعصيتم وأعرضتم، ودعتكم الدنيا إلى قرار الشقاء، ومحل الفناء، وأنواع البلاء والعناء، فأطعتم وبادرتم وأسرعتم"11.
والقرآن الكريم يحذّرنا على الدوام من الوقوع في فتن الشيطان والتعاون معه واتباع خطواته.
فإن المصير الذي ينتظر أولئك المدعويين بعد تلبيتهم لدعوته هو النار والخسران، بينما لم يأمرنا اللَّه تعالى إلا بما فيه مصلحة ولم ينهنا إلا عما فيه مفسدة، فكل ما يقرّبنا من الجنة ويباعدنا من النار حثّنا على فعله وما كان مبعداً من الجنة ومقرباً من النار حثّنا على تركه.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع : "يا أيها الناس، واللَّه ما من شيء يقرّبكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به"12.
وفي وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه : "لم يأمرك(الله) إلا بحسن ولم ينهك إلا عن قبيح"13.
د- أفضل الطاعات
اتضح لنا من الفقرة الأولى أن اغتنام الوقت في الطاعة أمر في غاية الأهمية حيث ينبغي أن نتجنب المعاصي وهو ما لا بد منه وثانياً أن نملأ أعمارنا بفعل الخيرات وإن لم تكن مطلوبة على نحو الوجوب الشرعي الذي يستتبع تركه العقاب فضلاً عن الإتيان بالواجبات التي هي الأساس.
والناس في الطاعة على درجات:
1- الدرجة الأدنى: القيام بالواجبات وترك المحرمات.
2- الدرجة الوسطى: إضافة إلى ما تقدم فعل بعض المستحبات وترك بعض المكروهات.
3- الدرجة العليا: الالتزام الكامل بترك كل المكروهات وفعل جميع المستحبات التي تقع تحت القدرة والطاقة.
4- الدرجة الأعلى: زيادة على ما تقدم في الدرجة العليا العزوف عن اللذات المباحة وهذه الدرجة هي المعبّر عنها بأفضل الطاعات.
في أحاديث المعصومين عليهم السلام: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أفضل الطاعات هجر اللذّات"14.
وعنه عليه السلام: "أفضل الطاعات العزوف عن اللذات"15.
هـ - آثار الطاعة ومضمونها:
1- إطفاء الغضب الإلهي:
في الحديث: "الطاعة تطفىء غضب الرب"16.
2- الإقبال:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بالطاعة يكون الإقبال"17.
3- الفوز
عنه عليه السلام: "بالطاعة يكون الفوز"18.
4- السعادة
عنه عليه السلام: "بادر الطاعة تسعد"19.
5- رحمة اللَّه
في الحديث: "أجدر الناس برحمة اللَّه أقومهم بالطاعة"20.
6- الصلاح والسداد
فيما ورد: "طاعة اللَّه مفتاح كل سداد وصلاح كل فساد"21.
7- عزّ وصدقة
جاء في الحديث: "الطاعة عزّ المعسر وصدقة الموسر"22.
8- الغنيمة والربح
في الحديث: "أطع تغنم"23.
9- الهناء وقرّة العين
يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الطاعة قرّة العين"24.
10- أقوى سبب
في الحديث: "الطاعة للَّه أقوى سبب"25.
ومن أجمل ما يختم به الكلام هنا هو دعاء مولانا سيد الساجدين عليه السلام لتسهيل طريق الطاعة واغتنام العمر فيها حيث جاء في دعائه:
(اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن سهّلت له طريق الطاعة بالتوفيق في منازل الأبرار، فحيّوا وقرّبوا وأكرموا وزيّنوا بخدمتك)26.