فآثروه عليهم السّلام وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً.
فلما أمْسَوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يَتِيم فآثروه عليهم السّلام.
ووقف عليهم أسيرٌ في الثالثة، ففعلوا عليهم السّلام مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذَ علي بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه
وآله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفِرَاخ مِن شِدَّة الجوع قال صلّى الله عليه وآله:
مَا أشد مَا يَسُوؤُنِي ما أرى بكم.
فانطلق صلّى الله عليه وآله معهم، فرأى فاطمة عليها السّلام في محرابها قد
التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه صلّى الله عليه وآله ذلك، فنزل
جبرائيل وقال:
خذها يا مُحمّد، هَنَّأَكَ اللهُ في أهل بيتك، فَأقرَأَهُ السورة.
وفي هذه السورة – أي: سورة الإنسان، أو: سورة هَلْ أَتَى– نكتة رائعة جداً، وقد
ذكرها الزمخشري في تفسيره الكشاف، عند تفسيره لهذه السورة قال:
إنَّ الله تعالى قد أنزلَ هَلْ أَتَى في أهلِ البيت عليهم السّلام، وَلَيس شَيءٌ مِن نعيم
الجَنَّةِ إِلاَّ وَذُكِرَ فيها، إِلاَّ الحُور العِين وذلك إِجلالاً لفاطمة عليها السّلام.
فهذا هو إبداع القرآن الكريم، وهذه هي بلاغته والتفاتاته، وهذه هي عظمة فاطمة
الزّهراء عليها السّلام عند ربها العظيم.
5ـ آية المَوَدَّة وهي قوله عزَّ وجلَّ:
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى
الشورى: 23.
وقد أخرج أبو نعيم، والديلمي، من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى أن تحفظوني في أهل بيتي، وتَوُدُّوهُم
لِي.
وعلى هذا فإذا كان أجرُ الرسالة هو المَوَدَّة في القربى، وإذا كان المسؤول عنه الناس يوم القيامة هو المَوَدَّة لأهل بيت النّبيّ عليهم السّلام، فبماذا نفسر ما حصل للزهراء عليها السّلام بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآله من اهتضام، وجسارة، وغَصبِ حَقٍّ؟!! لكننا نترك ذلك إلى محكمة العدل الإلهية.
6ـ وهي قوله عزَّ وجلَّ:
وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ
الإسراء: 26.
فقال شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد:
إن الله عزَّ سلطانه لما فتح لعبده وخاتم رسله صلّى الله عليه وآله حصون خيبر،
قذف الله الرعب في قلوب أهل فَدَك، فنزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه
وآله صاغرين.
فصالحوه على نصف أرضهم – وقيل:
صالحوه على جميعها – فقبل ذلك منهم، فكان نصف فَدَك مُلكاً خالصاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ لم يوجف المسلمون عليها بِخَيلٍ ولا رِكَاب، وهذا مما أجمعت الأمّةُ عليه، بلا كلام لأحدٍ منها في شيء منه.
فعندما أنزل الله عزَّ وجلَّ قوله:
وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ.
أنحلَ فاطمةَ فدكاً، فكانت – فَدَك – في يدها – للزهراء عليها السّلام – حتى
انتُزِعَتْ منها غَصباً في عهد أبي بكر.
وأخرج الطبرسي في مجمع البيان عند تفسيره لهذه الآية فقال:
المُحَدِّثون الأَثبَاث رَوَوا بالإِسناد إلى أبي سعيد الخدري أنه قال:
لما نزل قوله تعالى:
وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ
أعطى رسولُ الله فاطمة فدكاً، وتجد ثَمَّةَ هذا الحديث مِمَّا ألزم المأمون بِرَدِّ فَدَك