أيها العالم: لن نسكت.. ولا والله لن تذهب دماء الزهراء (ع) هدراً !!
بتاريخ : 06-06-2012 الساعة : 09:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أيها العالم: لن نسكت.. ولا والله لن تذهب دماء الزهراء (ع) هدراً !!
آن الأوان كي نكشف للشعوب زيف الظَّلَمة ونبيد الظُّلْمة.
- يا لها من أمة لم تشهد جنازة نبيها ثم انقضت على بيت ابنته ولطمتها وكسرت ظلعها واسقطت جنينها!!
- كل الأنبياء والملائكة والأولياء والأمم السالفة عرفت حق فاطمة .. إلا هذه الأمة!
- فليهاجمونا وليحاربونا فسيبقى صوتنا يقول: (لعن الله ظالميك يا فاطمة)!
- عندما يقع الظلم باسم الدين وتصبح مفاهيم الأمر الواقع منهجية تناقلها الأجيال.. فلا بد حينها من فضح المؤامرة ومدبريها!
- من الذي قال بأن الوحدة تعني السكوت على الجرائم التي وقعت على الزهراء ؟!
- ما ذنبنا نحن؟ نحن المظلومون فما بالكم لا تدينون الظالمين؟!
- نعم.. نلعن الظلمة كما لعنهم الله ورسوله! فما من قداسة لمن لا يستحق القداسة!
- كيف لنا أن نتناسى ما جرى على الزهراء؟! إذن فلينس كل مظلوم ظلامته وليتخل كل صاحب فضية عن قضيته!
- أليست مآسينا الحاضرة قد جاءت على انقاض يوم لطموا فيه الزهراء واقتحموا دارها وأحرقوه؟!
- إدانتنا لظالمي الزهراء هي إدانة لمنهجهم وموقفهم وكل ما آتانا منم وهذا يقتلع جذور مشاكلنا الحالية.
- لقد صنعوا للأمة أبطالا ورموزا هم في واقعهم شرار خلق الله!
- أليس (صدام) في نظر البعض بطلا مجاهداً؟! فكذلك ظالموا الزهراء جعلوا في ما مضى!
- لماذا توعد الإمام الجواد الظالمين وأقسم على إحراقهما؟
- لماذا يعطى الله لمن يقول مرة واحدة (اللهم إلعن الجبت والطاغوت) سبعين ألف حسنة ويمحو عنه سبعين ألف سنة ويرفعه سبعين ألف درجة؟!
بعد ما كشف عن بصرة؛ نظر إبراهيم في جانب العرش نورا عظيما، فقال: (إلهي وسيدي ما هذا النور)؟ أتاه الجواب: (يا إبراهيم.. هذا نور محمد صفوتي)!
سأل إبراهيم ثانية: (إلهى وسيدي أرى نورا إلى جانبه)؟ فأتاه الجواب: (يا إبراهيم.. هذا نور علي ناصر ديني)!
سأل إبراهيم ثالثة: (إلهي وسيدي أرى نورا ثالثا يلي النورين)؟ فأتاه الجواب: (يا إبراهيم.. هذا نور فاطمة تلي أباها وبعلها... هذا نوري أفضله على جميع الأنبياء)!
عرف إبراهيم عليه الصلاة والسلام حق فاطمة، وأدرك أنها حجة عليه، فأقر بالإيمان بها والولاية لها. عندها كافأه الله، بتكامل نبوته، ويصعوده رتبة الإمامة، وتفضيله على سائر الأنبياء ما عدا خاتمهم صلى الله عليه وآله... ذلك لأنه عرف حق فاطمة!
وبعد أزمان؛ يأتي ذلك الرسول الخاتم، سيد الأنام: ليزيح الستار عن جزء من السر المكنون، فيقف ذات يوم معلنا: (خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء... خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم... ما تكاملت النبوة لنبي حتى اقر بفضلها ومحبتها... أنا وعلى وفاطمة والحسن والحسين كنا في سرادق العرش، نسبح الله، فسبحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يؤمروا بالسجود إلا لأجلنا)!.
وذات يوم: يأتي النبي نداء من رب السماء: يا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)!
وعندما يجتمع النبي بأهل بيته، تحت كساء يماني، لتبدأ مراسيم تشريف إلهي عظيم، ستتناقله الأجيال جيلا بعد جيل، وستختزنه القلوب قبل العقول، وستردده الألسن في كل مجلس ومحفل طلبا لنزول الرحمة.. في تلك الأثناء؛ يشرق الوحي من رب الأرباب صادعا: (يا ملائكتي ويا سكان سماواتي.. وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء)!
ويتوجه أمين الله جبرائيل بالسؤال كي تسجّل الإجابة في تاريخ الخلود: (يا رب.. ومن تحت الكساء)؟ فيجيئه جواب العلي الأعلى: (هم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة؛ هم فاطمة وأبوها ويعلها وبنوها)!
ويقسم الجليل رب العالمين على نفسه بنفسه؛ ويرسلها إلى صفيته وحبيبته، قاطعا عهدا على ذاته، معلنا: (يا فاطمة! وعزتي وجلالي! وارتفاع مكاني! لقد آليت على نفسي من قيل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار)!
فهي المحور وعلة الإيجاد، وهي قطب الأكوان وسيدة الإنس والجان، وهي سبيل النجاة. (على معرفتها دارت القرون الأولى) كما قال صادق الآل صلوات الله وسلامه عليه. هي التي ليس يدانيها أحد، ولا يتقدم عليها أحد، سوى أبيها (صلى الله عليه وآله). أما بعلها فهو كفءٌ، يماثلها في الدرجة والفضل، وإما بنوها فهي سيدتهم وحجة عليهم، إذ يقول مولانا العسكري صلوات الله وسلامه عليه: (نحن حجج الله على الخلق.. وفاطمة أمنا حجة علينا)!
تحت ولايتها ملكوت السماوات والأرض، ومنها ظهر الوجود، وبيدها صنعته، فقد صدر عن حضرة القدس بيان فيه: (هي فاطمة! وبنورها ظهر الوجود من الفاتحة إلى الخاتمة)!
الأنبياء والأولياء، والصالحون والأتقياء، والملائكة وسكان السماوات، وأهل القرون التي خلت، والأقوام التي مضت، كلهم عرفوا حق فاطمة! وأدركوا من تكون فاطمة! وعلموا كيف تحفظ فاطمة!
أما هذه الأمة!!
فما عسى المرء أن يقول؟! وما عساه أن يعبّر؟! وكيف له أن ينطق ويصوّر؟! أتراه يتحدث عن الانقلاب والتهديد والوعيد؟! أم تراه يتكلم عن (وإن) وإضرام النار؟! أم عن اقتحام الدار؟! أم عن (المسمار) ؟! أم عن الصفعة واللكزة؟! أم عن الضلع والكسرة؟! أم عن (آذيتنا) وبيت الأحزان؟! أم عن يوم الشهادة والأذان؟
ويلها! ما فعلت هذه الأمة ببنت نبيها؟! ويحها! كيف أقدمت على ما أقدمت عليه بحقها؟!
من قبل؛ كان رسول رب العالمين قد كشف عما سيحدث، إذ تقاطرت الدموع - اللآلئ - من عينيه الشريفتين وقال: (وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربه أجل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزوجل لملائكته: (يا ملائكتي ويا سكان سماواتيّ! انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي، قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار)!
وإني كلما رأيتها؛ ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها! وانتهكت حرمتها! وغصب حقها! ومنعت إرثها! وكسر جنبها! وأسقطت جنينها وهي تنادي: (يا محمداه)!! فلا تجاب! وتستغيث فلا تغاث! فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعدما كانت في أيام أبيها عزيزة!
فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم على محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة! فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها! وعاقب من غصبها! وذلل من اذلها! وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها! فتقول الملائكة عند ذلك: آمين رب العالمين.
وفي يوم من الأيام؛ استذكر حفيد الزهراء ما جرى على أمه. كان الرضا صلوات الله عليه جالسا؛ فجاء ابنه الجواد صلوات الله عليه و هو ابن أربع سنين، فجلس، وبينما هما كذلك، وإذا بالجواد يضرب بيده على الأرض، ويرفع رأسه على السماء حزينا!
سأله أبوه الإمام: (بنفسي أنت.. لم طال فكرك)؟ فاجاب ابنه الإمام: (في ما صنع بأمي فاطمة! أما والله لأخرجنّهما ثم لأحرقنّهما ثم لأذرينّهما ثم لأنسفنهما... في اليم نسفاً)!
بكى الرضا مما قاله ابنه الجواد، فاستدناه وقبّل ما بين عينيه وقال له: (أنت لها.. أنت لها)! أي الإمامة!
فما الذي جرى حتى تتوقد نفسا الإمامين الرضا والجواد نارا؟! وما الذي وقع حتى تولد هذا الموقف الحاد والعنيف تجاه قوم السقيفة؟! هل كان لمجرد (اختلاف) أو (قضية شخصية) كما يصوره بعض علماء العامة؟! أم كان لوقوع مصيبة عظمى حرّفت من مسار دين الله وبدلته وانتهكت حرمته؟!
فلنترك الإجابة للتاريخ.
استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما، وأسرع القوم إلى السقيفة لاهثين، وجرى ما جرى بتخطيط مسبق لإزاحة الخليفة الشرعي عن منصبه، وإقامة نظام الانقلاب السياسي وتم ذلك بينما كانت الزهراء عليها الصلاة والسلام مفجوعة بمصابها بوالدها، وبينما كان صنوه أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام مشغولا بتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه.
يالها من أمة! لم تشهد حتى جنازة نبيها!! إذ لم يصلِّ على الرسول إلا خليفته وأهل بيته ونفر قليل من أصحابه يتقدمهم الخلص الحواريون. أما أولئك فقد كانوا مشغولين بالتكالب على سلطان الدنيا، فتركوا رسول الله مسجى، وانصرفوا إلى إرساء حكومتهم غير الشرعية، وكان تبريرهم في ذلك؛ أنهم وجدوا - حسب اجتهادهم المزعوم - أن تنصيب الخليفة أولى من دفن الرسول، لأنه (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)! وخشيوا من أن يموت واحد من الناس في تلك الأثناء، أي ما بين وفاة الرسول وتنصيب الخليفة، فيكون قد مات ميتة جاهلية!!
وبعد ماتم لهم ما أرادوا: بويع الحاكم الانقلابي الذي جاء إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) كالعريس يزفه قومه بالتهليل والتكبير! هذا وجثمان رسول الله لم يوارَ بعد!
ورمق الخليفة الجديد وصاحبه منزل الزهراء بنظرة اللؤم، حيث كان بنوهاشم وزعيمهم الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما في حال العزاء، وفي حين كان يفترض بالمسلمين أن يتقدموا بواجب التعزية لآل رسول الله، فإنهم تركوهم في مصيبتهم وحدهم، فما اعظمها من مصيبة تبعت مصيبة!
ولم يكتف الانقلابيون بذلك، فقد علموا بأنه إن لم يبايع علي (عليه السلام) والذين معه فإن حكمهم ما زال مهددا بالانهيار، لأنه بني على أساس إزاحة علي (عليه السلام) ونقض بيعته يوم الغدير، ومادام علي موجودا فمعنى ذلك أنه سيصبح شوكة في خاصرتهم.
كان لابد من إجباره على البيعة، بأي شكل كان، وهذا ما دفع الانقلابيين إلى أن يرسلوا إليه غير مرّة يطلبون بيعته لإضفاء الشرعية على نظامهم، لقد جاءوه في إحداها وقالوا له: (أجب خليفة رسول الله)! فأجابهم الأمير (عليه السلام): (لسريع ما كذبتم على رسول الله)!
عندها تبيّن لهم أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يأبى البيعة، فكان لابد من اتخاذ قرار المواجهة المسلحة، فقام الثاني بإيعاز من الأول بحشد عدد من أنصار النظام، ممن لا يعرفون لرسول الله حرمة، وجلهم من أبناء الزنا وذوات الرايات!
حمل هؤلاء معهم مشاعل من نار، وأحاطوا بمنزل الوحي والرسالة، وجمعوا الحطب حوله مهددين بإحراقه إن لم يخرج أهل البيت للمبايعة والرضوخ للحكم الجديد. هنا ظهرت للانقلابيين مفاجأة لم تكن في البال، إذ برزت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها رمزا للتحدي، وأعلنت رفضها القاطع للنظام الجائر، وقد أثر هذا الأمر في عدد من المتجمهرين، فعادوا أدراجهم، ولكن ابن صهاك وعدداً من أقرائه السفلة لم يؤثر فيهم الأمر شيئا، فصعدّوا من تهديدهم بكل جرأة ووقاحة!
يذكر ابن قتيبة وهو من أعاظم علماء السنة في كتابه (الإمامة والسياسة) ص 12: (إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أبا حفص.. إن فيها فاطمة! فقال: وإن!!
فخرجوا فبايعوا إلا عليٌ فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي، حتى اجمع القرآن فوقفت فاطمة عليها السلام على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرٍ منكم! تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا!
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اِذهب فادع لي عليا، فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟! فقال قنفذ: يدعوك خليفة رسول الله! فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
فرجع قنفذ فابلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا! فقال عمر الثانية: لا تهمل هذا المتخلف عنك بالبيعة! فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع! فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع على صوته فقال: سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له!!
فرجع قنفذ فأدى الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا! ثم قام عمر فمشى في جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبتِ يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة!
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر)!!
ولكن ابن قتيبة لا يشرح لنا تفاصيل إخراجهم عليا علي السلام من الدار، وما فعلوه بحق الزهراء (عليها السلام)، ويعرض عنها، ولكن يأبى الله إلا أن يظهر ما جرى على لسان علماء آخرين من أهل السنة لا يقلون اعتبارا عن ابن قتيبة! (المصادر في ص 14 من هذا العدد).
وهاهو الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) ينقل عن النظام ما حدث في ص 83 فيقول: (إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها! وكان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها! وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين)!!
الله أكبر! هكذا أصبحت دار الرسالة تنتهك وتستباح من ابن صهاك وحثالته! وهكذا تضرب الزهراء صلوات الله عليها ويلقى جنينها! ممّن؟! من قوم يشهدون أن أباها رسول الله وخاتم النبيين!!
هل يتحمل قلبك أيها القارئ مزيدا من التفاصيل؟! خذ هذه.
كانت الزهراء صلوات الله عليها قبل هجوم الانقلابيين خلف الباب، وقد عصبت رأسها بعصابة، ولم يكن عليها خمار، فلما هجم القوم لاذت - بأبي وأمي وروحي - خلف الباب لتستر نفسها عن أولئك السفلة، فعصروها عصرة شديدة - واويلاه - وكانت حاملا في شهرها السادس بمحسن (عليه السلام)!
صرخت الزهراء وصاحت: وا محمداه!! ونبت مسمار كان في الباب في صدرها فأدماها! ولم تستطع الزهراء المقاومة، فانفرج الباب قليلا، وعندما بانت يدها صلوات الله عليها، أخرج الملعون بن الملعون سوطه وضربها فسقطت على الأرض! واقتحم أبناء الزنا الدار يقصدون عليا (عليه السلام)، فحاولت بنت النبي منعهم وصدهم وقالت لهم: (أما تتقون الله! تدخلون عليَّ بيتي وتهجمون على داري! يا أبتاه يا رسول الله لبئس ما خلفك ابن الخطاب وابن أبي قحافة)!! فصفعها السافل على وجهها المقدس ولكزها المنحط الوضيع بمقبض السيف على بطنها ورفسها!! وهنا أجهضت جنينها الشهيد!!
استنجدت فاطمة صلوات الله عليها بخادمتها فضّة وصاحت: (يا فضة.. إليك فخذيني وإلى صدرك فاسنديني، والله لقد قتلوا ما في أحشائي)!! وأسرعت فضة على مولاتها باكية منتحبة وحملتها إلى الحجرة!
وسمع صراخها واستغاثتها حيدر الكرار، فجاء كالليث الغضنفر وأخذ بتلابيب ابن صهاك فهزه وصرعه ووجأ أنفه ورقبته وكاد أن يقتله، لولا أن الله تعالى - لحكمته - لم يأذن له، وعندها قال أمير المؤمنين له: (يابن صهاك! والذي كرم محمدا بالنبوة؛ لولا كتاب من الله سبق، وعهدا عهده إلي رسول الله لقلعت الذي ما بين عينيك)!!
ساعتها صاح ابن صهاك بصوت الجبان ينشد النصرة والإغاثة من القوم، فجاءوه ورأوه تحت قدمي أمير المؤمنين، فما كان منهم إلا أن ألقوا حبلا في رقبة ولي الله قاصدين اقتياده إلى زعيم النظام، وكان الولي قادرا على أن ينسفهم نسفا، (لولا كتاب من الله سبق، وعهد من رسول الله) فطاوعهم صلوات الله عليه!
وارتفعت أصوات النساء الواقفات في الطريق، وعلت أصوات الرجال بالعويل، والجميع يبكي لهول المنظرّ! هذا أمير المؤمنين علي، نفس رسول الله واخوه وصنوه وخليفته على أمته، يقاد بلا كرامة إلى مجلس النظام الجديد الذي كشف في أول أيامه عن استبداده وظلمه، ويرى سلمان المحمدي المنظر، فنفظر قلبه من شدته، ويقول باكيا: (أيصنع ذا بهذا؟! والله لو أقسم على الله لا نطبقت هذه على هذه)!! ويعني سلمان: ايعقل أن يحدث مثل هذا التعدي على خير خلق الله بعد نبيه؟! والله لو أقسم أمير المؤمنين على بن أبي طالب على الله ودعاه لانطبقت المدينة على أهلها!
ولكن سلمان رضوان الله عليه لم ير الأمير يقسم، لأنه (كتاب من الله وعهد من رسوله).
مع صيحات النساء، أفاقت الزهراء وفتحت عينيها المقدستين الذابلتين من شدة البكاء على مصيبة أبيها ومصيبة بعلها ومصيبتها بأبي وأمي: فسألت فضة: (أين علي)؟! فأجابتها: (أخذوه للمسجد)!!
الله أكبر!! ألله أكبر!!
تنهض الزهراء من فراشها والدماء لم تجف بعد، وتتناسى كل آلامها وأوجاعها، والطعنات التي وجهت لها، فتضع خمارها على رأسها، وتخرج من الدار لتنقذ عليا الذي لم يعد له ناصر يومها غيرها!!
وجيء بأبي الحسن صلوات الله عليه إلى مجلس الحكم، فقيل له: بايع ابابكر! فقال (عليه السلام): (لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي)!
فقال له الثاني: إنك لست متروكا حتى تبايع! فنظر إليه أمير المؤمنين نظرة ذكرته بما وقع له على يديه فارتجف من شدتها، وقال الأمير: (احلب حلبا لك شطره! اشدد له اليوم ليردّه عليك غدا! والله لن أبايعكم والبيعة لي فري رقابكم)!! والمقصود من كلامه (عليه السلام): قم ودبر الأمر لكي يستلم صاحبك زمام السلطة اليوم، حتى يستخلفك عليها في ما بعد!! وهذا ما وقع فعلا!
في هذه اللحظات جاءت فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، فرأت ما يحدث لبعلها أمير المؤمنين، فقالت: وا أسفاه عليك يا أبتاه! أو تكل حبيبك أبوا الحسن المؤتمن وأبوا سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيته صغيرا وآخيته كبيرا، وأجل أحبائك لديك، وأحب أصحابك إليك، أولهم سبقا إلى الإسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير)!!
رمقت الأنظار بنت رسول الله التي أنّت أنّه وهي تقول: (وامحمداه! واحبيباه! وأباه! وا أبا القاسماه! وا أحمداه! واقلة ناصراه! واغوثاه! وا طول كربتاه! وا حزناه! وا مصيبتاه! واسوءَ صباحاه)!
وأجابها الأول: إن صباحك لصباح سوء!!
ووقفت الزهراء على جوار قبر أبيها (صلى الله عليه وآله) وخاطبت القوم قائله: (خلوا ابن عمي، فو الذي بعث محمدا أبي بالحق، إن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعن قميص رسول الله على رأسي، وأصرخنّ إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي).
وشاهد من كانوا في المسجد أساس حيطانه تقتلع من أساسها!! حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ!! هنا خاطب أمير المؤمنين الزهراء، ودعاها لأن تعود إلى خدرها المنتهك! وطلب الأمير من سلمان رضوان الله عليه أن يأخذها ويرافقها (فو الله لو فعلت لتنطبق السماء على الأرض)!!
والتزمت الزهراء بوصية أبيها وبعلها، ورافقت سلمان إلى الدار، وبينما هي كذلك، يقول سلمان: (رجعت الحيطان حتى صعدت الغيرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا)!!
وسمع الثاني نداءً من الزهراء يقول: (أما والله يا ابن الخطاب! لولا أني أكره ان يصيب البلاء من لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة)! فارتعد الثاني خوفا وفزعا!!
ويبقى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في المسجد، وقياديو الانقلاب يحاولون إجباره على البيعة فيأبى، وعندها يقوم الأول بإمرار يده على يد أمير المؤمنين المقبوضة، ويوهم نفسه والانقلابيين أنه قد بايعه!! وتبدأ أبواق السلطة بإشاعة هذا الأمر في كل مكان، فيصيح الموجودون: قد بايع علي!! قد بايع علي!!
ويكتب أزلام السلطة بذلك إلى رؤساء القبائل والعشائر، وإلى جيش أسامة بن زيد الذي كان في الشام لقتال الروم، ويذكرون أن عليا (عليه السلام) قد بايع أبابكر! فيستغرب الناس في بداية الأمر، لكنهم يقبلون به بعد ما رأوا أنه قد شاع والنتشر حتى توهموا أنها الحقيقة عينها، فيظنون أن الخليفة الشرعي قد تنازل لخليفة آخر، وبهذا حصل النظام الجديد على شرعيته وبقى إلى يومنا هذا! ليس بشكله العيني، وإنما بأشكال مختلفة هنا وهناك!!
وبعد هذا؛ هم يلوموننا الآن!
يلوموننا لأننا - حسب دعواهم - ننبش تاريخا قد مضى! يلوموننا لأننا - بزعمهم - نخلق فتنة لا حاجة لنابها! يلوموننا لأننا - في منطقهم - نستحضر قضايا عفا عنها الزمن لنؤجج بها نار الشقاق! يتهموننا ويرشقوننا بوابل من السهام بدعوى أننا نمزق وحدة الأمة!
كل هذا لأننا أبينا أن نسكت على تلك الجرائم التي ارتكبت بحق الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ولم نتناساها، وأبينا إلا أن نكشف مظلومية البتول وندافع عن حقها ونفضح أعداءها، أعداء الله ورسوله. وصرنا بذلك؛ مثيري الفتن ومؤججي نار التعصب وممزقي شمل الأمة!
فليكن! فإنما موقفنا يستتبع موقف الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، التي كانت في نظر الزمرة الحاكمة الظالمة، مصدر شق عصا الطاعة والتأليب على خرق الجماعة؟
إن الزهراء صلوات الله وسلامه عليها؛ بمواقفها الشجاعة وكلماتها الإبائية؛ ترد على هؤلاء الذين يزعقون اليوم، ويرموننا بصنوف التهم. إنها رفضت التنازل عن حق أو إلغاء مبدأ في سبيل وحدة وهمية، كان يمكن لها أن تسكت وترضى، وكان يمكن لبعلها أن يبايع ويقبل، حرصا على (الوحدة) التي تشدق بها أهل السقيفة كما يتشدق بها الجهلاء هذه الأيام. إلا أنهما صلوات الله عليهما سجلا درسا علّم الأجيال أن الوحدة لا تعني الرضوخ للظلم، أو السكوت عن الحق، أو إمضاء الباطل، أو القبول بالأمر الواقع. فما هذه بوحدة حقيقية، إنما هي وحدة وهمية هلامية بنيت على أرضية هشة، هي أرضية المصالح الدنيئة.
نحن نتساءل: هذا الزخم الهائل من النصوص، الواردة عن أهل بيت الوحي والعصمة صلوات الله عليهم في التبرؤ من الظالمين ولعنهما، ألا يدلل على حقيقة ما؟! ألا يكشف عن أن الله تعالى بنص المعصوم، يدعونا لأن نفضح هذين وننال منهما لما ارتكباه بحق الزهراء والعترة؟! أليس الله أعرف بمصلحة الأمة منا؟! ولو كان في السكوت والتغاضي والتواري مصلحة لكان قد قررها الشارع المقدس، ولكن الشارع أمرنا بأن نستمر في منهجية التبري، الذي هو ركيزة من ركائز الدين، بغيرها لا يستقيم.
إنهم يقولون: هذه قضايا قد انتهت ولا داعي لذكرها الآن! والمطلوب منا أن ننظر إلى المستقبل وأن نحرص على الوحدة مع الفريق الآخر الذي يعتقد بهذين ويجلهما ويقدسهما!
ونحن نقول: إن هذه القضايا لم تنته! فنحن اليوم، بما نعيشه من فرقة، وبما نتجرعه من آلام الظلم والجور من السلاطين والحكام، وبما نراه من مظاهر الفساد والإفساد، إنما جاء على خلفية ذلك اليوم الذي ظلمت فيه الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، واستبيحت حرمتها، وأزيح بعلها عن الخلافة الشرعية، ولو كان كل ذلك لم يقع، لكنا الآن في نعيم، نعيش تحت ظل حكم آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، لا جور ولا ظلم ولا استبداد ولا أباطيل ولا تخاريف ولا رجعية ولا جهل!!
إن آثار السقيفة وإسقاطاتها لم تنته، وهي باقية إلى اليوم، وهاهي الأمة تعيش في خبط ومآسي بسببها، ولو أردنا تغيير حالنا فيتوجب علينا أن نقتلع رمزية الانقلابيين من الأذهان، حتى لا تكون هذه الرمزية سببا في استمرار انتهاج المنهج الذي خطوه لنا، والذي تدفع الأمة - بسبب انقيادها له - ثمنا باهظا أوقعها في ما وقعت فيه الآن.
يؤكد سماحة المرجع الديني الأعلى الإمام الشيرازي دام ظله الوارف في كتابه (من فقه الزهراء عليها السلام - الجزء الثالث - المجلد رقم 123 من موسوعة الفقه الكبرى) على ضرورة بيان مظلومية الزهراء وأهل البيت عليهم السلام والنيل من أعدائهم، وهو يرد على من يعتبرون ذلك إشغالا للأمة في الفتنة واستحضارا لأحقاد قد مضت، فيقول حفظه الله: (يجب إحياء ظلامة السيدة الزهراء عليها الصلاة والسلام حتى تكون على مر الأيام غضة طرية لا يعفي عليها الزمن كمصيبة سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام.. لا يقال: ذلك تاريخ قد انقضى! لأنه يقال: التاريخ هو الذي يصنع المستقل، والحاضر تاريخ المستقبل، ومن لا تاريخ له لا جذور له، ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه الحكيم قصة هابيل وقابيل، وغيرها من القصص. قال سبحانه: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب). ولذلك سجلت عليها السلام ظلامتها بقولها: (ونصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشا). ولذلك كان (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمه لأمرنا عبادة) ولذلك ورد: (من أبكى أو بكى أو تباكى وجبت له الجنة)... فالدعوة إلى إلغاء التاريخ تعد عند العقلاء سفاهة وجهلا إن لم تعد مخططا خبيثا لقطع الأمة عن جذورها ليسهل للمستعمر ابتلاعها... فلماذا نسمع همسات من هنا وأصوات من هنالك تنادي بطمس أهم ملامح التاريخ وأهم منعطف تاريخي وأهم محور في معادلة الصراع الكبرى بين قوى الجاهلية والإيمان، حيث تقول الآية القرآنية الشريفة: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)؟!!
ولعل أبلغ رد على هؤلاء الانهزاميين التراجعين، الذين يريدون منا أن نسكت على جرائم الظالمين بحق آل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، هو ما كتبه سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي دام ظله في كتابه (في السجن.. كانت مقالات) وهو الكتاب الذي ألفه في زنزانته عندما سجنوه ظلما وعذبوه جورا!!
يقول السيد المرتضى بعد عرضه لعدد من النصوص الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام في أهمية وضرورة لعن الجبت والطاغوت وأعداء أهل البيت عليهم السلام: (وربما تعتري الكثيرين حالة حيرة بل تعجب واستغراب، بل ومضات ريب وشك، وربما تطفح على السنة بعضهم تساؤلات، او تنعكس عبر اقلامهم علامات استفهام حقيقي أو استنكاري: أفهل يعقل ذلك؟ أهل يمكن أن يعطي الله لمن يقول كل يوم مرة واحدة: (اللهم العن الجبت والطاغوت)، سبعين ألف حسنة ويمحوعنه سبعين ألف سيئة ويرفع له سبعين ألف درجة؟!
أهل يمكن أن يعطي الله لمن قرأ زيارة عاشوراء: مئة مليون درجة؟ وما معنى ذلك؟
وربما يزيد بعض المتنورين! و(المثقفين)! لماذا (نتعمد) شحن النفوس بـ (العداوة والبغضاء)؟ لماذا نزرع في ضمائر الناس (المحن والحزازات) ثم نسقيها ونغذيها لتنفجر براكين ثائرة وتتحول إلى أعاصيرها مدمرة؟ لماذا لا نحل (الألفه والرأفة والاخوة والمحبة والصفاء) محل كل ذلك؟ لماذا نؤجج أحقادا تاريخية دفينة؟ ولماذا لا (نتحد) ونكون يداً واحدة على جحافل الأعداء، وجيوش الشرك والضلالة، والاستعمار والاستعباد؟ بادئ ذي بدء نقول: هل في ذلك (تأجيج أحقاد تاريخية، وإثارة أحداث بالية هي بمعزل عن حياتنا الراهنة وعن مآسينا الحاضرة)؟ أم انه (تحديد لـ (قادة الأمة) الحقيقيين، وتعريف بـ (الأسوة والقدوة) التي تطبع بصماتها على حياة الأمم على مر الأزمنة والأعصار)؟ هل في ذلك حديث ممل ومكرر عن (أشخاص من التاريخ الغابر، عاشوا فترة زمنية محددة، وما توا بعدها، ومات معهم كال شيء) أم أنه حديث استراتيجي عن (منهج وفكر وسلوك، ومدرسة متكاملة، تجسدت في هذه الشخصية التاريخية أو تلك)؟ هل أولئك الأفراد أضحوا، مجرد أسطورة تاريخية، و(شخصيات محنطة في متاحف التاريخ ومجاهيله)، أم انهم لا يزالون - عبر أقوالهم وسيرتهم - ملء سمع الناس وأبصارهم وعقولهم، يعايشونهم في حياتهم الشخصية والعائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها؟! وهل كان القران الكريم مجانبا جادة الصواب - وأعوذ بالله حتى من مجرد التفكير في ذلك - عندما ركز العدسات على (أئمة الضلال) و(أئمة الهدى والرشاد) وعندما صب لعناته الخالدة على فرعون وقارون وهامان والسامري وقوم لوط وقوم هود وقوم صالح وقابيل ونظائرهم من قبل؟ لماذا ذكر الله (أبا لهب) في القرآن الكريم، وهو الكتاب السرمدي الذي جعله الله منارا ومصباحا لكل الشعوب والأمم على مر التاريخ، و (أبو لهب وامرأته) لم يكونا إلا شخصين متحددين بفترة زمنية خاصة ثم أكل دهر عليه وشرب؟! ولماذا نجد القرآن الكريم يسلط الأضواء على قادة وكبراء وسادة معسكري والإيمان الكفر والهدى والضلال على مر التاريخ وبكثافة؟
ولماذا نجده - وهو الوسيط بين الرب والخلق - يقوم بعملية دمج لـ (الأشخاص والمناهج) وبعملية تعريف للمنهج عبر الأشخاص وللأشخاص عبر المناهج والربط بينهما؟ (...) إن (بلورة القيم الإنسانية ومعاني الخير والصلاح) في عقول الناس وأنفسهم وعواطفهم ومشاعرهم وضمائرهم وزوايا حياتهم وجوانبها، يتم ويتكامل عبر التركيز على مشاعل الهداية الذين تجسدت فيهم تلك المثل العليا والمعاني السامية، وان استدراج الناس نحو مهاوي الباطل والضلال يتم عبر تسليط الأضواء على أبطال وهميين أو حقيقيين، تمثلت فيهم معاني الشر والضلال. وان (أسوة صالحة) واحدة تصنع أكثر مما يصنعه ألف كتاب وحكمة وعظة. وان (أنموذجا مثالياً فاضلاً) يقود الأمة أو الأمم نحو مدارج الكمال اكثر من عشرات الدراسات والبحوث والخطب! وكان لذلك أن قرن الله تعالى الرسالة بالرسول، والكتاب بالأنبياء والأوصياء، وكان لابد من (القرآن الناطق) إلى (جوار القرآن الصامت) كما قال مولى الموحدين عليه صلوات المصلين. والعكس بالعكس تماما.. فان (عالما ضالا) و(حاكما جائراً) و(فناناً فاسداً)، يؤثر تأثيره الكبير الكبير وربما على حياة أمم على مر الأعصار... وفي الحديث: (إذا فسد العالِم فسد العالَم). ولذلك نجد في عالم اليوم ذلك السيل الجارف من الإعلام وتلك المليارات المتزايدة أبدأ من الأموال والتي تبذل لـ (صناعة ابطال) و(تحت شخصيات) و(مكيجة وجوه) لتسطع. في أعين جمهور البسطاء. شموسا مضيئة، أو الفن والثقافة، أو حتى (عالم الإنسانية). وبذلك، يسهل علينا تفسير تلك التعبيئة الرهيبة التي يقوم بها الاستعمار الشرقي أوالغربي على مر التاريخ لتسليط مالا يحصى من العدسات والأضواء ولعقد مئات المؤتمرات، ولنصب النصب التذكارية والتماثيل والصور اللامعة حتى على أوراق النقد وطوابع البريد ولكتابة مالا يعد من البحوث والدراسات عن شخصيات من أمثال: جمال عبد الناصر بطل القومية العربية! واتاتورك بطل التقدم والعلمانية! ومحمد رضا بهلوي بطل القفزة الحضارية! ودارون بطل أصالة القرد وحالة البهيمية! ولينين بطل الاشتراكية وحقوق الطبقة الكادحة! ومحمد عبد الوهاب ومحمد علي الباب وكسروي والوردي ونظائرهم. بدرجة! أوباخرى. أبطال المذاهب الضالة والفرق المبتدعة. بل إنهم بدأوا ينحتون للشعوب أبطالا وشخصيات وقدوات من أمثال: هذه المرأة الفاتنة أو ذاك المطرب والموسيقار وغيرهم، من أبطال الأهواء والشهوات والملاهي! إن كل ذلك ما هو إلا عملية (عزل) ذكية وماهرة وحضارية لـ (الشعوب الساذجة الغافلة) عن كل ما يدفعها للتحرر والانطلاق وعن كل ما يشدها للوجه المشرق النقي الروحاني من تاريخها! ولذلك أيضا كان معاوية قد أمر بلعن الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) على سبعين ألف منبر!! ولذلك أيضاَ كان ذلك الحشد الكبير من الأحاديث والروايات والكلمات الدالة تصريحا وتلويحا، وتفسيراً وتأويلا، وباطناً وظاهراً على الموقع الذي يحتله الأول والثاني في تاريخ الحركة الإسلامية، وعلى الدور الذي اضطلعا به، وعلى الزلزال الذي أحدثاه في قلب عالم الرسالة، وعلى الثورة المعاكسة التي قاداها لتحطيم حركة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في الصميم، وعلى منهج الظلم والجور والطغيان والاستبداد الذي أرسيا دعائمه، وعلى إحياء (الجاهلية) على انقاض الدين الوليد.