للمرقد المقدس لأبي الفضل العباس (عليه السلام) تاريخ مشترك مع مرقد الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهو واحد من أهم مزارات الشيعة في العالم. فقد كان أبو الفضل العباس (عليه السلام) قد توجّه بأمر أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) إلى شريعة الفرات لجلب الماء لمخيّم آل بيت النبوّة، فاستشهد في معركة شجاعة إلى جانب نهر العلقمي. ونظراً إلى بعد مكان استشهاده، فقد دفن في ذلك الموضع. وكان بنو أسد أول من بنى قبّته بشكل بارز لكي لا يندثر أثره. وكان أول من زار ضريحه عبيد الله بن الحر الجعفي، الذي كان من كبار الشخصيات الشيعية في الكوفة. ومن بعده زار ضريحه جابر بن عبد الله الأنصاري عام 62هـ.
العمارة الأولى
ثار المختار الثقفي عام 66هـ بمساعدة جماعة من العرب وجماعة من الإيرانيين الذين كانوا من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، للمطالبة بدم الحسين (عليه السلام). ولما ولي الكوفة بنى مرقد الحسين في كربلاء. (على يده أو على يد الشيعة الآخرين). وهو أول من بنا عليه بناءً أيام إمرته. وبدأ البناء منذ ذلك الحين ينتشر في كربلاء. ولكن هارون الرشيد أمر بهدم الضريح عام 170هـ.
العمارة الثانية
لما تسلم المأمون الخلافة عام 198هـ. سار على خلاف سيرة أبيه واتبع سياسة التودد إلى الشيعة من أجل استمالتهم والاستعانة بهم. ولهذا السبب اغتنم محبو بيت العصمة والطهارة هذه الفرصة التاريخية، وبنوا الضريح المقدّس للمرة الثانية. وفي عام 232هـ. استولى المتوكل على الخلافة. وكان يكره الشيعة والعلويين. فأمر بهدم ضريحي الحسين (عليه السلام) والعباس (عليه السلام)، وكل مدينة كربلاء. وبعد الهدم حرثوا المكان كله واجروا فيه الماء.
العمارة الثالثة
وبعدما آلت الخلافة إلى المنتصر سار على خلاف سيرة أبيه المتوكل، واتبع أسلوب استمالة الشيعة. فقسم أموالاً طائلة بين العلويين وأمر باعمار كربلاء وبناء ضريح أبي الفضل العباس. وهكذا ازدهرت كربلاء في عهده. وبدأ الزوار يتوافدون على تلك المدينة من مختلف الأصقاع.
العمارة الرابعة
في عام 367هـ دخل عضد الدولة الديلمي بغداد. ثم سارع إلى زيارة كربلاء والنجف. وأمر ببناء ضريح عظيم لأبي الفضل العبّاس. وقد بدأ بناؤه عام 367 وانتهى العمل به عام 372هـ. والعمارة الحالية لمرقد أبي الفضل (عليه السلام) هي التي وضعها عضد الدولة وتتسم بالعظمة والضخامة.
في عهد الجلائريين
بعد قيام الدولة الجلائرية في إيران وتسلم الشيخ حسن الايلخاني للسلطة عام 740هـ. بدأ السلطان أويس (ابن الشيخ حسن) اعمار هذا الضريح، وانتهى العمل به في عهد ابنه السلطان احمد عام 786. وأرسلت إلى ذلك الضريح هدايا كثيرة من إيران.
في العهد الصفوي
دخل الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الحكم الصفوي الشيعي، بغداد منتصراً في 25 جمادي الثانية عام 914هـ، واستقبله الشيعة استقبالاً حاراً لا نظير له. وفي اليوم التالي، أي في 26 جمادي الثاني، توجه إلى كربلاء واعتكف يوماً كاملاً في ضريح أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). ثم سارع إلى ضريح أبي الفضل العبّاس، وأمر بالقيام بعملية اعمار واسعة في ذلك المزار، وأهدى إلى ضريح العبّاس اثني عشر قنديلاً من الذهب الخالص بأسماء الأئمة الاثني عشر، مما كان قد جلبه معه من إيران. وفرش كل الضريح الطاهر والأروقة بأفرشة حريرية ثمينة من حياكة أصفهان، وعيّن خدماً لحفظ وإضاءة قناديل الروضة. واصدر الشاه إسماعيل الصفوي أيضاً أمراً بتزيين القبّة بالقاشاني وبقي ذلك القاشاني موجوداً إلى عام 1302هـ.
في عهد نادر شاه أفشار
في عام 1153هـ أرسل نادر شاه هدايا كثيرة إلى روضة العبّاس (عليه السلام) وقام ببناء كثير فيها.
في عهد الوهابين
وفي 18 ذي الحجة من الحرام من عام 1216هـ. حين كانت أعداد غفيرة من الناس قد توجهت من كربلاء إلى النجف لأجل زيارة عيد الغدير، انتهز سعود بن عبد العزيز الوهابي الفرصة، وهجم على كربلاء بجيش عظيم، وأمر بنهب كل المدينة، وهدم روضة أبي الفضل العباس (عليه السلام) واستولى على جميع هدايا السلاطين والملوك الصفويين ونادر شاه والقناديل الذهبية والفضية وغير ذلك.
في العهد القاجاري
وبعد هجوم الوهابين السعوديين على كربلاء، ووصول خبر هذه الجريمة البشعة إلى إيران، قدّم أهالي إيران وبالتضامن مع الحكومة الإيرانية يومذاك (في عهد فتح علي شاه القاجاري) مساعدات سخيّة لهذه المدينة المنكوبة، وأعادوا بناء كل ما هدم فيها. وأعيد بناء روضة أبي الفضل العباس (عليه السلام) بشكل أفضل مما كانت عليه، ومن ذلك نَصب ضريح فضي أهداه فتح علي شاه القاجاري عام 1227هـ. ولم ينقطع البناء في الروضة المقدسة طيلة العهد القاجاري. وأعاد ناصر الدين شاه تزيين القبة بالقاشاني (وفي عام 1304هـ. انتهى العمل بقاشاني الصحن الشريف، وفي 1305هـ. انتهى العمل بتزيين القبّة الطاهرة بالقاشاني). كما قام الشيخ عبد الحسين الطهراني المعروف بشيخ العراقيين، ببناء كثير في تلك الروضة، حيث وظف لهذه المهمّة ثلث الميرزا تقي خان أمير الكبير، رئيس وزراء إيران المعروف.
ضريح قمر بني هاشم
يستدل من التواريخ إن ضريح قمر بني هاشم (عليه السلام)، كانت له من بعد العهد الأموي فصاعداً آثار وقبر ومدخل وروضة وسرداب.
نذكر على سبيل المثال بناءً على ما ذكره الكفعمي في البلد الأمين – وأورده المجلسي أيضاً في مزار البحار – في رواية صفوان بن مهران التي نقلها الشيخ المفيد انه حيثما ورد أمر بالتوقّف خارج الباب عند أول الدخول، فانه كان قد صدر للعباس (عليه السلام) مثل هذا الأمر. ويفهم من ذلك انه كانت لضريحه روضة ومدخل في القرن الأول إلى عهد الإمام الصادق (عليه السلام).
البردة الجديدة للضريح
تتظافر الجهود الخيرية من اجل التقرب إلى الله برجال حباهم وخصهم بمنزلة كبيرة بما قدموه من التضحية والفداء في سبيله، فهي تجارة بين الله عز وجل وعبده، العبد باع بضاعته وبذل النفس في سبيل الله والعقيدة والله هو المشتري لهذه البضاعة، ومن هؤلاء الرجال سيدنا ومولانا العباس بن علي (عليه السلام)، الذي خصه الله بالمنزلة الرفيعة والجاه العظيم.
وتتنوع مظاهر الحب والولاء لهؤلاء الرجال حيث تقوم مؤسسات ولجان وشخصيات في التعبير وبطرق مختلفة عن مظاهر هذا الولاء فالبعض يقيم الشعائر والبعض الآخر يوزع الطعام تبركا بهم والبعض الآخر يحضر لزيارة مراقدهم والبعض الآخر يعمر هذه المراقد ويظهرها بالشكل الذي يليق بها كمراكز للعبادة وذكر لله عز وجل، ومن هذا المنطق قامت لجنة أم البنين الخيرية في دولة الكويت وبجهود الوجيه الحاج عبد الله شرف رئيس اللجنة والسيد عباس سيد هاشم علي طاهر البوشقه الموسوي نائب رئيس اللجنة وبتوفيق رباني وبرعاية خاصة من الرسول الأكرم وأهل بيته بمشروع للتبرع في حياكة وخياطة البردة الخاصة بضريح سيدنا العباس (عليه السلام)، وتمت تظافر الجهود الكبيرة في تذليل الصعاب في طريق هذا العمل المبارك وإنجازه على أحسن وجه، حيث تم السفر إلى عدد من البلدان المختلفة مثل سوريا وإيران والسعودية ومصر والهند وبعد اطلاع على الإمكانات الموجودة في هذه البلدان المختلفة وتم عمل عينات من هذا العمل قررنا أن الهند وفي مدينة نيودلهي كانت أفضل ما قدمته من عروض لنا وقررنا أن نأخذ أفضلها وأحسنها، وتم الاتفاق مع الشركة المصنعة وتم كتابة الاتفاق بتاريخ 7/2/2005، بمعية السيد أسد الحسيني مدير حوزة الإمام الحسين (عليه السلام) في الهند، وبصحبة عدد من الوجهاء في تلك المنطقة على أن يتم إنجاز العمل بفترة 7 أشهر. واستخدمت في هذه البردة المواد التالية:
- تم استخدام 10 أنواع من الأحجار الكريمة:
1- الياقوت
2- الزمرد
3- الزفير
4- الكهرمان
5- اللؤلؤ
6 ـ المرجان
7- الفيروز النيشابوري
8- التوبا
9 ـ الأكوا مارين
10- الزبرجد
تم شراء أول كمية من الياقوت من قرية علي بور الهندية من صاحب المنجم بقيمة 3000 دولار، وتم أيضا شراء 7 حبات زمرد تزن 70 قيراط وضعت في البردة من جهة الرأس الشريف لسيدنا العباس (عليه السلام) وهي تحيط بدرة نجفية كبيرة بقيمة 4000 دولار. كما تم شراء 20 كيلو من اللؤلؤ الطبيعي من الكويت بقيمة 16000 دولار، وتم شراء 300 حبة فيروز نيشابوري من إيران بقيمة 5000 دولار. وتم شراء باقي الأحجار الكريمة الأخرى بأسعار مختلفة.
- القماش المستخدم هو المخمل الثقيل من النوع الراقي.
- الخيوط المطلية بماء الذهب.
- عمل على إتمام هذه البردة مجموعتين من الفنانين المهرة كل مجموعة من 10 أشخاص حتى يتمكنوا من إتمام العمل في المدة المتفق عليها وبجودة عالية. وكانت كلفة العمل اليدوي لهذه البردة المباركة ما يقارب 20000 دولار. تضاف إليها مصاريف سفر الحاج عباس من وإلى الهند لمرات عدة للأشراف على سير العمل واتصالات مكثفة لإنجاز هذا العمل المقدس لتبلغ الكلفة الإجمالية ما يقارب 65 ألف دولار.