بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
هل ضرب الزهراء (ع) مسألة شخصية !
ويتابع البعض اعتراضاته ، فيقول : إن كنتم تقولون : إن عليا لم يدافع عن الزهراء ، بسبب وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له حيث " قيدته وصية من أخيه " . فإننا نقول لكم : إنما أوصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يفتح معركة من أجل الخلافة ، ولم يقل له : لا تدافع عن زوجتك . وضرب الزهراء لا علاقة له بالخلافة ، لأنها مسألة شخصية ، كما أن الزهراء نفسها لا علاقة لها بالخلافة ، أما مسألة الخلافة فهي تتعلق بالواقع الإسلامي كله .
والجواب : إننا قبل الإجابة على ما تقدم نسجل ملاحظة هنا مفادها : أن مسألة الزهراء (عليها السلام) مع القول هي مسألة الإمامة ، ثم الخلافة ، لأن هؤلاء إنما ينصبون أنفسهم أئمة للناس ، والإمامة مقام إلهي جعله الله لغيرهم ، والخلافة هي أحد شؤون الإمامة ، والدليل على ما نقول : هو محاولتهم تخصيص أنفسهم بحق التشريع ، بل يقول أحدهما حينما عوتب على بعض تشريعاته : أنا زميل محمد (1) . وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الأمر في كتابنا الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام) ، فراجع .
وبعد هذا الذي أشرنا إليه نقول :
أولا : إن القوم إنما جاؤا إلى بيت الزهراء (عليها السلام) من أجل إجبار أمير المؤمنين عليه السلام عليه البيعة لهم ، لكي تثبت خلافتهم ، ويتأكد استئثارهم بها دونه عليه السلام ، والزهراء تريد منعهم من تحقيق هذا الأمر بالذات ، وكذلك علي عليه السلام ، فكان القوم يريدون إزاحة الزهراء (عليها السلام) من طريقهم ليمكنهم اجبار علي (عليه السلام) على البيعة .
إذن فهذه معركة يخوضها أعداء علي (عليه السلام) ضده من أجل الخلافة، وقد أوصاه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يخوض معركة من أجل الخلافة ( 1 ) باعتراف نفس المعترض ، فما معنى قوله : إن الزهراء وضربها لا علاقة له بالخلافة ؟
بل الحقيقة هي : أن قضية الزهراء وما جرى عليها يتعلق بالواقع الإسلامي كله . وهل يظن هذا القائل أن مطالبتها (عليها السلام) بفدك أيضا كانت من أجل أن تستفيد منها في إنعاش حياتها المعيشية ؟ مع أن من الواضح أن حياتها عليها السلام بقيت على حالها قبل ذلك ، ومعها ، وبعدها ، فهي لم تبن بأموال فدك قصرا ، ولا تزينت بالذهب والفضة ، ولا استحدثت فرش بيتها ، ولا اقتنت التحف ، ولا ادخرت شيئا
للمستقبل ، ولا اشترت البساتين والعقارات ، والمراكب الفارهة ، كما فعل أو يفعل الآخرون ، بل كانت غلة فدك تصرف في سبيل الله ، وعلى الفقراء والمساكين .
مسألة فدك سياسية :
ومما يدل على أن مسألة فدك كانت سياسية تلك المحاورة التي جرت بين الإمام الكاظم (عليه السلام) وبين الرشيد ، فقد كان الرشيد يقول لموسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) : يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردها عليك ، فيأبى ، حتى ألح عليه ، فقال : لا آخذها إلا بحدودها . قال : وما حدودها ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إن حددتها لم تردها . قال : بحق جدك إلا فعلت ؟ قال : أما الحد الأول فعدن . فتغير وجه الرشيد وقال : هيه . قال : والحد الثاني سمرقند . فأربد وجهه . قال : والحد الثالث أفريقية . فاسود وجهه وقال : هيه . قال : والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية .
قال الرشيد : فلم يبق لنا شئ فتحول في مجلسي . قال الكاظم (عليه السلام) : قد أعلمتك أن إن حددتها لم تردها . فعند ذلك عزم على قتله ، واستكفى أمره يحيى بن خالد . . الخ . . ( 1 ) .
أجل ، لقد بقيت الزهراء (عليها السلام) تلك العابدة الزاهدة ، التي تبيت مع زوجها على جلد كبش كانا يعلفان عليه الناضح بالنهار ( 2 ) .
ولأجل ذلك فنحن لا نوافق على ما يقال : من أنها قد خاطبت عليا بالكلام الذي يتضمن جرأتها عليه (عليه السلام) بمواجهته بنوع من التأنيب بأنه : اشتمل شملة الجنين ، وقعد حجرة الضنين ، إلى أن تقول له فيه : " وهذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي ، وبلغة ابني ( 3 ) " .
إلا أن يكون للرواية معنى آخر ، لم تصل إليه أفهامنا ، أو كان ثمة قرينة لم تصلنا . أو لم يحسن الناس نقل كلامها إلينا . فنحن مع وجود احتمال من هذا النوع لا نجرؤ على تكذيب الخبر بصورة قاطعة ، كما ربما يظهر من كلام بعضهم .
المهم هو : أننا لا يمكن أن نتصور الزهراء (عليها السلام) تفكر بهذه الطريقة الشخصية الدنيوية ، وهي التي عوضها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن خادم بتسبيح خلده تشريعا إلى يوم القيامة وعرف باسمها ، أعني
" تسبيح الزهراء " .
وأن قسوة الخطاب في هذا الكلام يعطينا أنها لم تكن تعرف أن عليا (عليه السلام) كان مصيبا في كل مواقفه تلك ، مع أن الزهراء هي أعرف الناس بأن عليا (عليه السلام) مع الحق والحق معه ، يدور معه حيث دار ، وأنه لو فعل غير ذلك لطمست معالم الدين .
وإذا كانت هذه الحقيقة تتضح لكل دارس لتاريخ الإسلام ، فيرد سؤال : كيف أمكننا نحن أن نفهم ذلك بعد ألف وأربعمئة سنة ، لكن الزهراء المعصومة العالمة ، وسيدة نساء العالمين ، التي كانت القمة في الوعي الديني والعقيدي والاجتماعي والسياسي ، لم تستطع أن تعرف ذلك ؟ !
إن مواقف الزهراء (عليه السلام) في حياتها وبعد وفاتها تكشف لكل أحد عن غزارة علمها ، وع عمق وصائب تفكيرها ، وعن بالغ دقتها في تصرفاتها ومواقفها المؤثرة .
وخلاصة الأمر : أولا : إن الزهراء لا تعتبر ضربها ولا تعتبر أيضا مسألة فدك مسألة شخصية ، ولم تكن إجابتها القوم من وراء الباب تصرفا شخصيا ، بل كان دفاعا عن الإمامة والخلافة ، التي يراد اغتصابها ، وتريد هي منع تشريع هذا الاغتصاب ، ثم التخلص والتملص من تبعات سلبياته .
ثانيا : إن الإقدام على ما أقدموا عليه في حق الزهراء (عليها السلام) ، وعلى القول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مرض موته : إن النبي ليهجر ، وعلى غير ذلك من أمور من أجل الحصول على أخطر موقع ، وأشده حساسية ،
وأكثره مساسا بالواقع الإسلامي كله ، إن ذلك يعطينا : أن من يفعل ذلك غير مؤهل للموقع الذي يطلبه ، ويعرفنا : أنه لا يمثل النموذج الأمثل ، والأفضل للحاكم الإسلامي ، ولا تعكس مواقفه أو تصرفاته ، الرؤية الإسلامية الدقيقة في كل المسائل .
إذن فمسألة الزهراء هي أهم وأخطر المسائل وأشدها مساسا بالواقع الإسلامي ، ولم تكن ولن تكون مسألة شخصية ، واعتبارها كذلك ما هو إلا تصغير لشأنها ، وتحريف وتزوير للحقيقة .
ثالثا : إن مما يشير إلى ذلك : أن الله سبحانه قد جعل الزهراء (عليها السلام) معيارا لمعرفة الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ ، وبها يعرف الظالم والآثم من غيره ، وذلك لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قرر بصورة صريحة : أن الله يغضب لغضبها (عليها السلام) ، ويرضى لرضاها ، ومن آذاها فقد آذى النبي ، ومن آذى النبي فقد آذى الله سبحانه .
فنوع العلاقة بالزهراء إذن ، تحدد نوع علاقة الإنسان بالله ، وبالرسول ، وبكل القيم والمثل ، وعلى أساس ذلك يميز الإنسان بين ما يأخذ وما يدع ، ويتخذ موقفه ، ويحدد نوع علاقته بهذا الشخص أو بذاك.
على الحاضرين أن ينجدوا الزهراء :
قد يقول البعض : سلمنا أنه قد كان على الزهراء (عليها السلام) أن تتولى هي إجابة القوم ، ولكن : كيف يسمع الجالسون في داخل البيت كعلي والزبير وغيرهم من بني هاشم ما يجري عليها ثم لا ينجدونها ، بل يقعدون ، ويقولون لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ !
ونقول : أولا : من أين ثبت لهذا القائل أنهم لم ينجدوها ؟ ! فإن النجدة لا تعني فتح معركة بالسلاح ، والدخول في حرب .
ثانيا : هناك نص يفيد أنها هي التي أنجدت عليا حين أخذوه ، فاعتدوا عليها بالضرب ، يقول النص : " فحالت فاطمة (عليها السلام) بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط الخ . . . " ، ثم تذكر الرواية ، كسر ضلعها ، وإسقاط جنينها (صلوات الله وسلامه عليها) ( 1 ) .
وثالثا : إذا كان إنجادها يوجب تفاقم المشكلة إلى درجة كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نهى عليا (عليه السلام) عن بلوغها ، لما في ذلك من خطر على الدين ، فإن هذا الإنجاد يصبح معصية لأمر رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخيانة للدين ، وتفريطا عظيما فيما لا يجوز التفريط به من مصلحة الأمة ، وعلى الأخص ، إذا كان ذلك يهيئ الفرصة للمهاجمين لافتعال مشكلة تضيع على الناس إمكانية معرفة الحق .
وقد كان من واجب علي والزهراء عليهما السلام - على حد سواء - أن يحفظا للأمة ، وللأجيال ، حقها في معرفة الحقيقة ، وأن يضيعا على الآخرين فرصة تشويه الحقائق ، وذلك هو ما فعله علي عليه السلام بالفعل ، وهو الإمام المعصوم الذي لا يهم ولا يخطئ .
ورابعا : هناك نص يقول : إن عليا (عليه السلام) قد بادر إلى إنجادها ففر المهاجمون ، ولم يواجهوه ، يقول النص المروي عن عمر ،
والمتضمن كون عمر ركل الباب برجله ، وأصيب حمل فاطمة : دخل عمر ، وبادرها بضرب خديها من ظاهر الخمار ف " خرج علي ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار ، وقلت لخالد ، وقنفذ ومن معهما : نجوت من أمر عظيم " .
وفي رواية أخرى : قد جنيت جناية عظيمة ، لا آمن على نفسي . وهذا علي قد برز من البيت ، وما لي ولكم جميعا به طاقة ، فخرج علي ، وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها ، وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها الخ ( 1 ) . وستأتي نصوص أخرى عن مصادر أخرى في القسم المخصص للنصوص إن شاء الله تعالى .
====
المصادر:
( 1 ) تاريخ الأمم والملوك : ج 3 ص 291 ( ط الاستقامة ) والفائق : ج 2 ص 11 . ( * )
( 1 ) ذكر المفيد : أن عليا نقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله له : " إن تموا عشرين فجاهدهم " الاختصاص : ص 187 . وراجع : البحار : ج 28 ص 229 / 313 / 270 وفيه : " لو وجدت أربعين ذوي عزم لجاهدتهم " ، وتفسير العياشي : ج 2 ص 68 ، وتفسير البرهان : ج 2 ص 93 ، وراجع الصراط المستقيم : ج 3 ص 12 ، والاحتجاج : ج 1 ص 188 و 213 والمسترشد في إمامة علي (عليه السلام): ص 63 ، وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري ) : ج 2 ص 568 ، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج 2 ص 27 . ( * )
( 1 ) راجع : ربيع الأبرار : ج 1 ص 315 و 316 ، والطرائف : ص 252 ، وراجع : الكافي : ج 1 ص 543 ، والبحار : ج 48 ص 144 .
( 2 ) راجع : تذكرة الخواص ص 308 و 307 ، وطبقات ابن سعد ج 8 ص 22 و 23 .
( 3 ) البحار : ج 43 ص 148 ح 4 ، عن المناقب : ج 2 / 208 ، وضياء العالمين) مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 77 . ( * )
( 1 ) الاحتجاج : ج 1 ص 212 . ( * )
( 1 ) البحار : ج 30 ص 393 و 395 . ( * )
ونسألكم الدعاء.