بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
السلام عليكم
موضوع رائع قرأته للكاتب والباحث
جعفر حمزة
فاحببت نقله لكم ..
العُرف"، عندما يكون مسخاً ..
هو قانون واضح لكن غير مرئي، ملموس لكن غير مكتوب. يمارسه أفراد المجتمع في عقد ضمني مُسلّم به، بعضه مُثير للإعجاب والتقدير، فهو يُنتج ويُحفز للتفكير الحر الإيجابي، وبعضه كأقفاص الدجاج، فمساحة القفص “مُقدسة” ولا يمكن التفكير خارجه.
ذلك هو العُرف، أو البرمجة الجماعية Mass Mind في العقل الجمعي والسلوكيات التي يمارسها المجتمع من طريقة تفكير وطقس معين ذو صبغة دينية على سبيل المثال لا الحصر وتفاعل خاص مع منهج تفكير له عبر اللباس واللغة وأي أسلوب يمس حياته اليومية.
فالأعراف كائن حي تنعقد نطفته عبر سلوك أو فكرة تتفاعل مع رحم المجتمع وتلقى غذاء مناسباً ومستمراً لها، فتنمو وتكبر.
وقد يكون مشوّهاً أو سليماً، وذاك يرجع إلى أصل نطفة العقد
وهي فكرة تكوّن العرف من البداية.
التغذية المستدامة للعُرف
وتتأصّل الأعراف في المجتمع مع الزمن وتشكِّل قاعدة متينة من الصعب جداً تغييرها، فعامل الزمن والتغذية المستمرة لها تجعلان العرف متجذراً وممتداً بطريقة يكون فيها جزء لا يتجزأ من ما التصق فيه، فيكون له امتدادان:
رأسي: ينتقل من جيل إلى جيل، ويصبح كأنه الحمض النووي الذي لا يمكن تبديله. وهذا ما يمكن معاينته من خلال الطرح القرآني الجميل في توصيف “التبعية” البعيدة عن إعمال العقل، نتيجة لتغليب العرف الجمعي السلبي في المجتمعات التي صدّت دعوة الفطرة من قبل الأنبياء والرسل، فكان ردهم “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، فمرجعهم الفكري لا يُناقش أبداً ولا يُمس، فهو شأنٌ مُقدّس!
ونتيجة لهذا الصد ولهذا الإنغلاق، غفلوا عن أصل الفطرة، فكانت مجتمعاتهم غير مستقرة في جوانب عدة، كالجانب الاجتماعي والنفسي “قوم لوط وممارساتهم الجنسية الشاذة” أو الاقتصاد “قوم شعيب المُطففين في تعاملاتهم التجارية” أو السياسة “قوم قريش وسياسة الغَلَبَة، وجوانب أخرى يمكن استقراءها من القصص القرآني للأقوام الماضين.
أفقي: تتوسّع دائرة تأثير العرف، لتشمل سلوكيات ثانوية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بسلوكيات متصلة ولصيقة بمركز العُرف وتكونّه، فينتقل لها “عدوى العُرف”، لتصبح هي الأخرى سلوكيات تتحرك من جاذبية ذلك المركز، وكأنه بمثابة “ثقب أسود -Black Hole”. وتسهل عملية “الاستنساخ” إذا ما كانت هناك محفزات تدعم ذلك، مثل المال أو الدين، وأخطرهما ثانيهما، فما إن يدخل المقدس في دائرة العرف، حتى يكتسب حصانة مضاعفة، أولها مُعزّز من قبول الناس له، وثانيها مسحة التقديس فيه، فيدخل في دائرة “اللامساس”.
ومع تعامد هذين الإمتدادين: الرأسي” توارث الأجيال” والأفقي “ توسع سلوكيات العُرف” تكون نقطة القوة العظمى لدى العُرف، إذ يحوى الزمان في الامتداد الرأسي، والتنوع في الامتداد الأفقي. وتكون “مادة التقديس” هي العنصر الذي يُبعد الصدأ من هذا العرف ويجعله مستمراً عبر الزمن.