شبكة النبأ: كلنا نتفق على أن التفكير، هو الاساس الذي يرتكز إليه تطور الانسان، ولو لا التفكير، ما كان للبشرية أن تنعم الآن بوسائل التطور الهائلة في مجالات الحياة كافة، حيث اصبح البشر يتواصلون مع بعضهم على مدار الساعة، وكأنهم يتحركون في منطقة صغيرة، أو حيز صغير يجعلهم يطلعون على بعضهم بصورة مستمرة كما يحدث الآن فعلا.
إذاً لابد من الاعتراف بقيمة التفكير وقدرته على تحقيق نقلات كبرى في حياة المجتمعات والدول، فالمجتمع المفكر هو المجتمع المنتج والمجدد ايضا، لأن التفكير طريق مؤكد للابتكار، مع التفكير سيجد الانسان سبلا عدة لمعالجة العقد والاستعصاءات، فضلا عن ايجاد الجديد دائما.. على العكس من ذلك حينما يكون المجتمع جامدا، وآليا ولا يهتم بطرائق التفكير الكثيرة والتي تقود الانسان في الغالب الى الابداع، او الابتكار.
هنا يصبح المجتمع غير المفكر آلة مبرمجة ضمن آفاق محسوبة مقدما، لا يمكن تجاوزها، وهنا سيغيب الابداع والتجديد وتسود حالات الخمول والتكرار والروتين، والركون الى السبات والآلية التي تقتل روح الابتكار، في هذه الحالة ستكون امام مجتمع خامل متردد قانع بما لديه حتى لو كان لا يقوده الى الحياة السليمة المرفهّة.
من هنا كان تركيز الفلاسفة واصحاب الشأن كبيرا في مجال التفكير، وكلنا نتذكر الجملة الشهيرة (أنا أفكر إذاً أنا موجود) التي اطلقها العالم رينيه ديكارت 'René Descartes الذي عاش للفترة من (31/3/1596) ولغاية (11/2/1650) وهو عالم وفيلسوف فرنسي ومؤسس الرياضيات الحديثة، تلك الجملة التى تداولها حتى عامة الناس والى الآن يتداولونها، تأكيدا على أن التفكير هو الاساس الذي انطلقت منه نهضة البشرية، ولا تزال تغذّ السير نحو التطور المستمر بفضل سمة او حالة التفكير التي لا مناص من الاعتماد عليها كمصدر أساسي للتجريب الدائم والتجديد في مختلف مجالات الحياة.
تُرى هل يمكن أن يكون التفكير ملاذنا.. وهل يمكن أن يقف سورا بيننا وبين الفوضى التي نعيشها الآن بمرارة؟.
إن واقعنا مشبع بالفوضى حين نتطلع الى ما يدور حولنا، لذا نتساءل هل يمكن للتفكير أن يجعل من تفاصيل حياتنا اليومية، بكل مسمياتها، أكثر تنظيما واتساقا؟، ومن الملاحظ أننا لا نعبأ بالتفكير، سواءا على مستوى الافراد أو الجماعات المعنية او المجتمع، لهذا يوصف مجتمعنا بالمجتمع غير المفكر، لأن التفكيري يجب أن تكون سمة او حالة شاملة يتسم بها عموم الشعب، حتى يمكن له الاندفاع نحو التطور بصورة صحيحة ومتوازنة، على أن يكون التفكير متوازنا صحيحا ينحو الى التجديد والابتكار، ومغادرة الركون الى الثبات او السبات او الآلية التي تقتل روح الابداع ومعطياته في آن واحد.
لذا لابد من ايجاد الدوافع التي تجعل من التفكير منهجا لحياتنا، بمعنى علينا أن نلغي التفكير كحاجة يومية او حتى لحظوية نحتاج إليها لكي نطور أنفسنا كأفراد ثم جماعات ثم كمجتمع يحتاج التفكير بصورة جدية حتى يقفز من خانة الجهل والسبات والروتين، الى ربوع التجديد والابتكار في كل مفاصل الحياة، لأن الانسان من دون التفكير لا يختلف عن الآلة، بمجرد أن تؤدي عمليها اليوم ستعيده نفسه غدا وبعد غد وبعده، إذ لا تطور ولا تقدم الى امام حتى ولو لخطوة واحدة.
من هنا لابد ان ينظر لمشكلة غياب التفكير او ضعفه او عدم الاهتمام به من لدن الافراد او المنظمات والمؤسسات المعنية، ومن ثم المجتمع ككل، لابد أن ينظر إليها بعين الحذر وتوقع العواقب الوخيمة، ومنها ان المجتمع يبقى يعيش حالة القبول بوضعه القار الساكن، ولا يتحرك نحو التغيّر والتقدم الى امام، بسبب جهل القيمة الاساسية للتفكير، وهو احد قيم التقدم المهمة التي يرتكز عليها الوضع البشري سابقا وراهنا ولاحقا.