وتُبيّن الآية الكريمة التالية مدى علاقة الإمام بالرسول، حيث جعلت الموقفَ السلبيّ من الإمام عليٍّ يتضمّن الموقفَ نفسَه من رسول الله، ففي قوله تعالى: وشاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بعدِ ما تَبيَّنَ لَهُمُ الهُدى (139).
قال صلّى الله عليه وآله: « في أمرِ عليٍّ عليه السّلام » (140).
وهكذا بقيَ القرآن الكريم يهاجم في كثير من آياته مَن كذّب رسول الله صلّى الله عليه وآله في قضيّة قُرْب رسول الله من الإمام عليٍّ، وتفرده بالخصوصيّات والمهمّات التي كان صلّى الله عليه وآله يمنحها لعليٍّ، وكشف القرآن ذاتَ الرسول وأذيّتَه النفسيّة التي كان يتلقّاها من مُبغضي الإمام عليّ عليه السّلام.
فجاء في قوله تعالى: فمَنْ أظلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللهِ وكَذَّبَ بالصِّدْق (141) هو مَن رَدَّ قولَ رسول الله صلّى الله عليه وآله في عليّ عليه السّلام (142).
أما قوله تعالى: والذينَ يُؤْذُونَ المؤمنين والمُؤمناتِ بغير مَا آكتَسَبوا فَقدِ آحتَمَلُوا بُهتاناً وإثْماً مُبيناً (143)، فيفضح مظالمَ المنافقين للإمام عليٍّ عليه السّلام وتبين نزاهتَه، فقد ورد أنّها نزلت في الإمام عليّ عليه السّلام؛ لأنّ نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه (144).
وتوضح الآية الكريمة التالية أيضاً أنّ الله ينتقم من أعدائه بعليّ عليه السّلام، وبهذا يستلزم أنّ كلّ مَن قاتل عليّاً عليه السّلام هو عدوٌّ الله: فإمّا نَذْهَبنَّ بكَ فإنّا مِنُهم مُنتَقِمُون (145).
قال ابن عباس: بعليٍّ عليه السّلام (146).
وعن أبي عبدالله الجدليّ قال: قال لي عليٌّ عليه السّلام: « ألا اُنْبِئُك بالحسنة التي مَن جاء بها أدخله الله الجنّة، والسيئةِ التي مَن جاء بها أكبَّه الله في النار ولم يقبل منه عملاً ؟ قلت: بلى. ثمّ قرأ مَن جاءَ بالحَسَنةِ فَلَه خَيرٌ منها وهُم مِن فزعٍ يَومئذٍ آمِنون * ومَن جاءَ بِالسَّيِّئةِ فَكُبَّت وُجُوهُم في النار (147) ثم قال: يا أبا عبدالله، الحسنةُ حبُّنا، والسيّئةُ بُغضُنا » (148).
ولَحِق الخطابَ القرآنيَّ في تصدّيه لأعداء الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تأكيدُ الرسول صلّى الله عليه وآله، حيث ورد عددٌ من الروايات تصنف في دلالتها الناسَ إلى مَن هو محبّ للإمام عليّ عليه السّلام ومَن هو مبغض له، ولا تفكّك بين مَن يحبّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله ومَن لا يحبّ الإمام عليّاً عليه السّلام، وإنّما الإيمان هوالحبُّ لهما معاً، لأنّهما نفْسٌ واحدة « وأنفُسَنا ».
جاء في مسند أحمد من عدة طرق أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « مَن آذى عليّاً فقد آذاني » (149)، و « أيُّها الناس، مَن آذى عليّاً بُعِثَ يومَ القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً » (150).
وفي مسند أحمد أيضاً: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « لا يُحبُّك إلاّ مؤمن، ولا يُبغضك إلاّ منافق » (151).
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله مشيراً إلى أمير المؤمنين عليه السّلام: « أيها الناس، اِمتحنوا أولادَكم بحبّه؛ فإنّ عليّاً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يُبعد عن هدىً، فمن أحبَّه فهو منكم، ومَن أبغضه فليس منكم » (152).
ثانياً: تأكيد الرسول صلّى الله عليه وآله وحمايته المستقبلية لخطّ الإمامة
ركّز الرسول صلّى الله عليه وآله في ذهن الأُمّة أهميّة دور الإمام عليّ عليه السّلام، ولزوم التمسّك بولايته، فهو الذي ينجي الأُمّة ويحصنها من مزالق التَّيه والانحراف؛ ولهذا أشار صلّى الله عليه وآله لعمار: « ستكونُ في أُمّتي بعدي هَناة واختلاف، حتّى يختلفَ السيفُ فيهم حتّى يقتلَ بعضُهم بعضاً، ويتبرأ بعضُهم من بعض... يا عمار مَن تقلّد سيفاً أعان به عليّاً على عدوّه؛ قلّده الله يوم القيامة وشاحَينِ من دُرّ، ومَن تقلّد سيفاً أعان به عدوَّه؛ قلّده الله وشاحَين مِن نار، فإذا رأيتَ ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً » (153).
وأشار القرآن الكريم إلى المحن التي تتعرّض لها الأُمّة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله، حيث تؤدَّي إلى تشقّق الصفّ واختلاف كلمتها مما تكون نتيجة ذلك دخول كثير من الطوائف المتناحرة في النار، ولا تنجو إلاّ الفرقة التي تتولّى الإمامَ عليّاً عليه السّلام وتتّبع خطّه، وبهذا يسجل الإمام عليه السّلام أرقى قيمة في فضله على الباقين من المسلمين. فقد جاء في قوله تعالى:
إن الذينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانوا شِيَعاً (154) قال زاذان أبو عمر: قال لي علي عليه السّلام: أتدري على كم افترَقَتِ اليهود ؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: افترقَتْ على إحدى وسبعين فِرقة، كلُّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق هذه الأُمّة ؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: تفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق فيَّ ؟ قلت: وإنه لتفترق فيك ؟ قال: نعم، تفترق فيَّ آثنتَي عشرة فرقة، كلّها في الهاوية، إلاّ واحدة هي الناجية، وأنت منهم يا أبا عمر » (155).
وآية: فَسْأَلُوا أهلَ الذِّكْرِ إنْ كنتُم لا تَعلَمُون (156).