هي البنت الكبرى لابيها حلت محل امها المتوفاة
ترعى ابيها وترعى اخوتها واخواتها صارت لهم والدة واختا
وفرتهم لهم ذاك الحنان الذي فقدوه بفقدهم امهم
وصارت اما لابيها تداريه وتحن عليه وتواسيه
ومرت الايام
وخطبت تلك البنت ورفضت
وقالت لا يمكن حتى يتزوج اخوتي واخواتي كلهم
ومن يبقى لابي يداريه
ويمسح عرق التعب عنه وخصوصا ان مهنته جدا متعبة وتتطلب جهدا عضليا كبيرا
ومرت الايام وتزوج اخوتها واخواتها
وبقيت هي وحيدة مع ابيها
تكسر الم الوحدة بحنانها الكبير نحو ابيها
تنير ظلمة وحشة فراق الاحباب والاحبة
فصارت كل عالمه
وحان وقت زواجها
وفقها الله لكل الخير وتزوجت من شاب بسيط مؤمن
وبقيت في بيت ابيها
ومع السنين
اشترى ذاك الاب بيتا لابنته الكبرى
قال بنية
انت ضحيتي لاجلي الكثير الكثير وتعبتي
وحنانا من قلبي يا بنية هذه الهدية البيت لك
قبلتها مع مرارة فراق الاب
قبلتها وقلبها مفجوع ببعدها عن ابيها
وكانت كل يوم تاتي لابيها
تطبخ له تداريه تغسل ملابس وتنطف بيته وملبسه
واستمر الحال هكذا
وتزوج الاب من امراة اخرى
وهذا حقه الشرعي
ولكن مع هذا الزواج بدا
الفراق بين تلك البنت وذاك الاب
وهبت صوبهم رياح المشاكل
تعصف بصفاء ذاك البيت الكبير
ليغبر جوه ويصفر ويعلوه نسيج العناكب
ومع الايام اخذ هذا الخلاف بين البنت وزوجة الاب يكبر ويكبر
حتى استمر سنينا
ورزقت تلك البنت صبيانا وبنات
وانشغلت هي الاخرى باولادها وبناتها وزوجها
ولكن قلبها مع ابيها
ولم يصفى ذاك الجو الاسري حتى اصيب ذاك الاب بجلطة دماغية
اسكنته الفراش عاجزا عن الحركة
مصابا بفقدان ذاكرة وصعبة النسيان
نسي كل شي
الا اسم بنته الكبرى
فكان دائما في مرض يهلوس ويصيح باسم ابنته الكبيرة
فكان بجنبه
نعم ابي قل وامر
ودموع العين تنزل على خديها باكية حزينة على ذاك الاب العزيز الغالي
والاب
فاقد غائب يكاد يكون جسد بلا حياة
واستمر حاله هكذا سبع سنوات طوال
ومع تحسن ذاكرته رويدا رويدا
الا ان جسده بقي عاجزا
وكما قلنا سابقا ان عمله كان يتطلب جهدا عضليا كبيرا
انهكته الايام
وصار حبيس الفراش
وفي السنة السابعة من مرضه
وكان الوقت وقت امتحانات
ولانشغال تلك الام ببناتها وبنيها وتوفير بيئة دراسية لاولادها
رن الهاتف قارعا اجراس الرحيل
نادها اخوها ان ابي في حالة صحية تعبة جدا فقد ساءت حالته فجاءة
وهو يصرخ باسمك عاليا
ولا يريد احدا غيرها
تناوشت عباءتها مسرعة راكضة وضعتها على راسها
وهي تبكي
وتنادي ابي ابي
وطول الطريق هي تصرخ ابي
وطول الطريق هو يصرخ ابنتي
عجيب لهذا الزمان
وصلت ودمع العيون هطال
قالتها بصوت يكسر القلب
اي بوية
كول بوية
شنو تريد بوية
وهو يصرخ بنية اخرجيني من هذا البيت
بنية خذيني الى المستشفى
لا اريد هذا البيت
وحدها اختارها من بين اخوتها الذكور
وهي البنت
اخذته بسرعة الى المستشفى
وهنالك وضعوه في ردهة الانعاش
ومضى يوم وحالته من اسوا الى اسوأ
وبقيت هي خارج الردهة تبكي وتبكي
وفي اليوم الثاني
اخذت الاغماءات نصيبها منه
فساعة يستفيق زساعة يغمى عليه وبدأ الورم ياخذ برجليه معلنة لحظات الوداع
وطالت اغماءته الاخيرة
ولم يستفق منها
دخل ابناءه واحدا بعد واحد ما افاق
وبقيت هي للاخير
فدخلت
وما ان دخلت حتى فتح عينيه
ونظر بعينيها
نظرة اخيرة وودع هذه الدنيا وداعا ابديا
----------------------------
وكان عينيه تقولان
بقول رسول الله صلوات ربي عليه وعلى اله
رفقا بالقوارير
رفقا بالقوارير
فاحيانا تكون البنت بنتا
واحيانا تكون البنت بنتا واما وابا واختا
----------
هدى المالكي