السيد محمد باقر الناصر
لا زلنا نريد من المهدوية معناها العام ؛ أي الاعتقاد بأن العالم لا بد له من يوم تقام فيه دولة العدل العالمية، ويقضى فيه على الظلم والفساد، وقد ذكرنا لهذه العقيدة مناشئ ثلاثة..
واليوم نود أن نؤكد أن المهدوية بحسب معناها العام هي حتمية تاريخية ؛ بمعنى أنها نتيجة حتمية لحركة التاريخ والمجتمع، فإننا يمكن أن ننظر إلى حركة المجتمع البشري بواحدة من نظرتين:
الأولى: أنها تفاعلات عشوائية تحصل وتؤدي إلى نتائج عشوائية، لا نظم لها ولا ضوابط تحكمها، وأن مستقبل البشرية تتقاذفه الصدف، ومن الممكن أن يتجه إلى مزيد من الفساد والتمزق والتشرذم، وليس هناك ضوابط تحكم حركة المجتمع والتاريخ البشري.
الثانية: أنها حركة تكاملية ؛ تسير سيراً ارتقائياً نحو كمال البشرية، وهي حركة هادفة تندرج ضمن سنن وضوابط تحكم مسيرتها نحو هدفها الذي أعدت له.
وبالتأمل في الآيات الكريمة ؛ نلاحظ أن القرآن الكريم ينظر إلى حركة البشر على أنها حركة مجتمعات وأمم، قال تعالى: ﴿ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ﴾.
ويطرح أن لكل أمة حياة وأجل، قال تعالى: ﴿ لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾.
ويطرح أن هناك سنن تحكم المجتمعات، قال تعالى: ﴿ فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً ﴾.
من هذه وغيرها من الآيات نفهم أن القرآن الكريم يثبت للأمم هوية غير هوية الأفراد، ويرى أن مسيرة التاريخ تحكمها ضوابط وسنن، وأن الأمم لها حياة وأطوار ثم آجال لا تتقدم ولا تتأخر، وهي تسير نحو هدف، وأن البشرية سهيمة في رسم مصيرها، وينفي العبثية.
والماركسية غير مأسوف عليها وافقت الإسلام في أن حركة التاريخ هادفة ؛ ولكنها اعتبرت أن ما يتحكم فيه هو تطور وسائل الإنتاج والعامل الاقتصادي.
ونحن لا نريد نبش قبرها بعد أن دق الشهيد الصدر والشهيد مطهري رحمهما الله مسامير تابوتها، وأعلن الإمام الراحل قدس سره نعيها وحدادها الرسمي في رسالته الشهيرة إلى آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي غورباتشوف، وأعلن أنها قبرت في متاحف التاريخ.
ولكن نقول: إن تلخيص الإنسان في النظرة المادية، وأنه مكبل بمصالحه المادية ومسيَّر في اتجاه جبري يفرضه عليه تطور وسائل الإنتاج الاقتصادية هي نظرة قاصرة ؛ فإن الإنسان كما يحمل غرائز يشترك فيها مع الحيوانات تشده نحو الطبيعة والمادة ؛ يتمتع بالفطرة الإلهية ويمتلك العقل والإرادة، وهو قادر على التحكم بمصيره، والتخلص من جبر الطبيعة، ويتمتع بقيم إنسانية ويحمل نوازع الخير مثل غريزة حب التدين وحب الخير، والسعي نحو الكمال، والبحث عن الحقيقة.
ويصر العلماء الإلهيون أن كل شيء يسير نحو كماله الذي أعدَّ له، دفعاً للعبثية عن الخالق الحكيم، فكما أن النبتة تتطور وترتقي إلى أن تصل إلى كمالها الذي أعدت له وخلقت من أجله، وهو أن تتحول إلى شجرة تؤدي دورها في نظام الطبيعة، كذلك البشرية تسير سيراً تكاملياً نحو كمالها الذي خلقها الله لأجله، إذ لا يعقل أن الله خلق الخلق، وأرسل الأنبياء، وأنزل الكتب والشرائع لأجل تكامل البشرية، ثم لا تتحقق إرادة الله، فهل غلب الله عزوجل على أمره ! سبحانه وتعالى عن ذلك ؛
أم لابد أن يأتي هذا اليوم كما جاء في الوعد الإلهي المحتم: