نكمل للاخوة المتابعون ما بقي من الحلقات التي طرحها الكاتب الممهدون وكما ادناه - ونناقش بعد عرضها جميع لكم :
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الحلقة (11)
على حافة الظهور!
هل بعث المهدي رسولا ممهدا؟
5/ سنة التأييد بالآيات (2)
آيات الرسالة:
إن الآية المادية التي تجري على يد الرسول او تصاحب انبعاثه تمثل علامة دالة على صدقة فحسب، لذلك يمكن ان تكون مدخلا، يبدأ بعدها العقل يركن للمبعوث فيما يقوله، ويحاول تعقل التعاليم والبيانات والتشريعات استنادا لمعطيات العقل والمنطق، فيتعرف على الرسالة بالعقل!
إلا ان الحقيقة تبقى ان خطاب الرسالة بحد ذاته يحمل آيات وحجج وبراهين صدقها وصدق حاملها معها، وهي الايات التي تتصف بالاصالة والبقاء بالنسبة لاولي العقول، لذلك ورد في الحديث: "اعرفوا الرسول بالرسالة"!
فالايات المادية التي تصدر عن الرسول(ص) يشهدها الجيل المعاصر له، وتبقى لمن خلفهم ذكرى فحسب، بينما يتكاثر المؤمنون بالرسالة على مر القرون من خلال النظر في حجج الرسالة التي وردت في خطاباتها، مما يعني ان براهين الدعوة المنطقية هي الايات الكافية والوافية المتقومة بها الدالة على صدقها.
قال تعالى: "وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْه آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ (: آية) يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ". ففي هذا النص يوصي الكتاب بانه آية كافية على سلامة الرسالة وصدق الرسول تغني عن آيات أخرى مثل؛ شق القمر، ونطق الشجرة، وتسبيح الحجر!
ونموذج لمعرفة الرسول بالرسالة نجده في مشهد إسلام جعفر الذي استعرض رؤيته-التي دعته للإسلام- للنجاشي، فاقتنع النجاشي بها وأسلم من خلال نظره فيما تنص عليه الرسالة من صفات الرسول، ومن مبادئ واخلاقيات، وما تضمنته من تعاليم وتشريعات، عرضها عليه جعفر الطيار!.
"أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسيء الجوار يستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها لا نحلل شيئا ولا نحرمه.. .
فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ..
فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ..
وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ..
ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من عند الله فعبدنا الله وحده لا شريك له ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ..
فعدا علينا قومنا فعذبونا ليفتنونا عن ديننا ويردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ..
فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك ..
فقال النجاشي : هل معك شي مما جاء به؟ فقرأ عليه صدرا من سورة مريم فبكى - والله - النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم ..
ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى انطلقوا راشدين لا والله! لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا"..
وهذا النمط من الايمان المستند الى رؤية عقلانية مؤسسة على بينات الدعوة ومسلكها والآيات الواردة في خطابات وتشريعات الرسالة، وليس الى الكرامات والمعجزات، هو الذي ينتهجه الكبار والعقلاء والحلماء، كما يقول تعالى: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ...َ مِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا".
لقد آمن أولئك العقلاء وفعلت الرسالة فيهم- فعل عصا موسى في السحرة- عندما خروا يبكون تأثرا بالايات المتلوه عليهم فقط قائلين آمنا، وكان نموذجهم النجاشي والاساقفة، الذين وصف الخبر المتقدم لحظة ايمانهم التي اعقبت بيان جعفر بالقول: "فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم".
إننا نلاحظ أن فعل الآيات والادلة العقلية الناجمة عن النظر في معطيات الدعوة لها ذات التاثير، الذي تركته الآية المادية كآية العصا، بل أشد وطأ، ﻹن الآية الخارقة من السهل ان يطرأ عليه الشك، بينما الآية العقلية من الصعب ان يطرأ عليها النقض!.
اذا فهمنا ذلك، يمكن ان نستنتج ان خطاب رسول الإمام المهدي بحد ذاته يمتلك من الآيات والبراهين الكافية في الدلالة على صدق الرسول والرسالة، بما يغني عن الايات المادية المتظاهرة في صورة كرامات ومعاجز.
ان الايمان يحتاج الى براهين منطقية وادلة عقلية لتؤسس لعقده الثابته في القلوب، التي لاتحول ولاتزول، وليس الايات المادية الباهرة الا مدخلا ظرفيا ومؤقتا لتلك الايات العقلية الثابته، ويمكن ان يستغنى عنه، بدليل ان المعاجز يشهدها المعاصرون للرسول ويستغنى عنها في المراحل التالية، عندما يتتابع البلاغ بالاستناد الى البراهين العقلية للرسالة، وليس الى المعجزات والايات الباهرات!.
فإذا طبقنا ذلك على حركة الإمام المهدي، فقد عرفنا ان الإمام المهدي يصلح الدين الذي فسد بعد الإمام علي، وإصلاحه اي إعادة معالمه الأولى التي أرساها الرسول الخاتم، وأعاد طرحها الإمام علي بن ابي طالب!.
وان حركة رسل المهدي لاتصبو لغير ذلك، فالنظر في رسالتهم لن يكشف الا عن تلك العناوين الاصلاحية التي يتوخاها الامام في مشروعه الاصلاحي، الذي يتلخص في العناوين التي تضمنها دعاءه الذي املاه على نائبه في الغيبة الصغرى :
1- واحي بوليك القران وارنا نوره سرمدا لاظلمة فيه (التعليم)
2- واحي به القلوب الميته واشف به الصدور الوغرة (التزكية)
3- اجمع به الاهواء المختلفة على الحق (الوحدة)
4- وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة (الدولة).
ان خطاب مشروع المهدي ورسله لن يتجاوز هذه المعطيات ...
ان الحديث النبوي الذي دعا الى العقلانية: (اعرفوا الرسول بالرسالة)، والذي نعيد طرحه وندعو العقلاء لتبنيه في التعامل مع رسل المهدي، هو خطاب موجه للعقول الكبيرة -في كل زمن ومكان- بينما تبقى العقول الصغيرة او الضعيفة هي التي تغيب آيات الرسالة، وتبحث عن آيات خارقة!
ان الكبير لايكبر أو يصغر بالتفاف العوام، ولا بخفق النعال، ولا بالدعاية والاعلام، وانما الكبير هو كذلك:
بمنطقه الكبير!
وموقفه الكبير!
ومسلكه الكبير!
الذي يلفت اليه التاريخ فلا ينساه!
كالنجاشي الذي خرج من بهرجة العرش، وانخلع من سطوة جاهه فهاجر للحق!
وكل من أسره منصبه وأسكره جاهه عن الاستجابة لنداء الايمان وداعي العقل هو صغير سيكشف عن ذلك، الزمان عاجلا ام آجلا، وعندها ينسدل الستار ويعفي على أثره كما فعل بسادة قريش العتاة!