بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بقلم: الشيخ عبدالله النمر
(بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك و انحر إن شانئك هو الأبتر)
يقول الرسول(صلى الله عليه وآله) : (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل فأدخليني الجنة فناولي من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة من صلبي فلما هبطت واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية فلكما اشتقت لرائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة).
فهي(عليها السلام) إنسية فعلا ولكنها حوراء أولاً فللزهراء(عليها السلام) بُعدين: بعد الحورية وبعد الإنسية.
فمن البعد الأول(الحوراء): أصل هذا اللفظ ومدلوله العميق في اللغة نجد ان الحور والحوراء والتحور هو من التردد والحركة والحيوية والفاعلية، المحور والحوار وكل الألفاظ التي تشتق من هذا اللفظ.فالحوراء هو من عالم الحركة والحيوية والاندفاع والوغول في أعماق الغيب.فهي سلام الله عليها في أصل تشكيلها من ثمر الجنة.
وتشير الراويات أن نورها سابق لخلق الأرض والسماء، وهناك روايات تشير أنها(عليها السلام) في كل شؤونها غيبيٌ حتى في اسمها (فاطمة) ولكن علم الله ماقبل أن يكون وما يكون فسماها فاطمة. فالله هو من سماها تبعا لعمله بما كان وما سيكون فسماها فاطمة. نحن في حياتنا نسمى الأشياء اعتباطاً ومجازاً فنسمى هذا محمد وذاك حسن وذاك علي، فليس من الضرورة أن يكون هناك حسنٌ في حسن ولا علوٌ في علي وليس من المؤكد أن يكون محمد محموداً في حقيقته ولكن نطلقها تيّمناً وتبركاً ورغبة في ان يكون دافعا للمسى أن يكون على اسمه.
ولكن في مقام الزهراء(عليها السلام) والرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) فإن هذه الاسماء كاشفة عن حقائق واقعية تكوينية. ففاطمة (عليها السلام) سميت بجعل إلهي تكويني لأن الله علم بمكان وسيكون فسماها فاطمة لتفطم محبيها من النار وتفطم باغضيها عما طمعوا فيه.بل هي أكثر من ذلك من حقائق تكوينية فتشير الراويات ان لها عند الله تسعة أسماء وفاطمة هو واحد من هذه الحقائق التكوينية الموجودة في هذه الذات النورانية. فهي فاطمة والزهراء والرضية والمرضية..
وأن الله جل وعلا علم بعلمه الغيب أنه لولا علي(عليه السلام) ماكان لها كفؤ فهي بلغت في كمالها أنها لم تعد قابلة لأن تكون فراشاً لأحد من الأنس إلا علي.
أيضاً أن الله تعالى في علمه بالميثاق قد دفع عنها الطمث، وتقول الروايات أن الله جل وعلا اجتباها من نساء العالمين وأن رضا الله رضاها وسخط الله سخطها. وهي صاحبة المصحف والتسبيح واللوح وكل هذه مؤشرات على جهة الغيب عند فاطمة(عليها السلام) فهي من عالم الغيب في فكرها وروحها ومشاعرها.
هذا الواقع الغيبي في حياتها (عليها السلام) أدهش كثر من الناس وأوقعت كثير من المفكرين والعلماء في مخمصة فهم هذا الكائن، هل هو أنسي هل هو أخروي هل هو أرضي أم سماوي؟ وهذا ما فتح باب واسعاً لبعض الجهال في أن ينفوا جهة الإنسية للزهراء فكتبواأن لها من الغيب كذا وكذا وهذا من طبيعة الإنسان في ميله للمزايدة والمغالاة ورفض الواقع.
فالزهراء هي من عالم الغيب ولكنها انطلق من عالم الأرض في حوراء لكنها إنسية. وهناك توجه مقابل حاول أن يجرد الزهراء من جانبها الغيبي طلبا للبقاء على البعد الإنسي فقد ذهب البعض أنه ليس متصورا للزهراء كل هذا المعنى من الغيب لأن في ذلك تجريد لبعدها الإنسي فليس مألوفا من الإنس أن يكون لهم هذا اللون من الغيب ومشكلة هذا النوع من التفكير استعصى عليه ان يفهم قدرات الإنسان وطبيعية هذا العالم فمن قال أن العالم في حدود ما تدركه وتراه وما نحسه لعله الأنس بالحياة المادية هو الذي كبلنا ومنعنا من فهم واقع هذا العالم.
فهو أوسع من هذه الدائرة المادية فهو مليء بالملائكة وقوى الغيب والعقول المجردة. هذا العالم يدار من الله من قبل السموات السبع والكرسي والعرش واللوح والقلم والملائكة فكل هذه الوجودات تعيش بيننا وفينا ومن خلالنا. فكل أجزاء الوجود من المادة المركبة إلى الانسان والحيوان والملائكة تعشي حالة وجودية من الانطلاق لله عز وجل. يقول تعالى: (وما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم) فكل هذا الوجود متناغم في حركة لله، هذا في عالم الحيوان والجماد والمادة.
أما في عالم الإنسان فالانطلاق لله فيه أوسع ولكن يحتاج للروح الحية والحيوية والقلب النابض. نحتاج إلى أن نتجرد لهذا اللون من الغفلة والسهو والانقطاع لعالم المادة هناك عالم أدق وأبهى وارقي ولو تعاملنا مع منطق العالم لانفتحت لنا أفاق ونوافذ المعرفة في هذا العالم.فلماذا نحاسب الزهراء في حدود إدراكنا فلا ندرك هذا الغيب فنقول أنه لا يمكن للإنسان أن يبلغ هذه المقامات. بل أن الإنسان لديه من القدرات أن يعيش مع الملائكة والعرش وأن يتقدم على أنواع الملائكة من المسبحين والقديسين بل أن مثل الزهراء هم الذين علموا الملائكة التسبيح والتقديس فسبحت هذه المخلوقات النورانية. فللزهراء هذا العالم وهذا الأفق ولها خصوصية تعطيها هذا الاستعداد فهي الأنثى الوحيدة بين المعصومين (عه) ومن طبيعة الأنثى أن تكون أكثر رقة وشفافية واكثرعاطفة وأقوى انطلاق وانبثاق.
وهذه الخصوصية عامة لكل النساء وهي ليست إيجابية في كل الحالات فهي مكنة وقدرة يجب تطويعا للانطلاق إلى الخير. (المرأة الصالحة افضل من ألف رجل صالح والتراب أفضل من المرأة الطالحة). فالزهراء من حيث انها معصومة ومن حيث أنها أنثى قد انطلقت في عالم الغيب والسماء حتى ان الرسول (ص) الذي كان ينطوي على أطيب الريحة والمشام كان يشم الزهراء إذا اشتاق لرائحة الجنة.
ولكن للزهراء وجهة آخر وهو انها إنسية ومن خلال الزهراء يمكننا أن نخرج بتصور متكامل للشكل الأتم والنموذجي لشخصية المرأة.فإن كنا نعيش حالة من القلق من وضع المرأة الإجتماعي فإننا من خلال الزهراء(عليها السلام) نستطيع ان نخرج بتصور متكامل لشخصة المرأة. فتقزل الزهراء انه خير لنساء أنه لاترى الرجال ولا يراها الرجال فهو جوابها حينما سألها أمير المؤمنين(عليه السلام).
فهذا الوجهة الآخر لهذه الحوراء هو الوجهة الإنسي. فكل الأحكام الشرعية تصب في أن تأخذ بيد الإنسان لعالم الغيب وكلما ترقى الإنسان في عالم الغيب كلما كان أعرف بمقتضيات الأحكام الشريعة والتقنينات المادية. بل انهما يصبان في مطلب واحد وهو كيف يعرف الإنسان نفسه فإذا عرف نفسه اتخذ الطريق القويم واتخذ المنهج الصحيح من خلاله يسعد في دنياه ويبني أرضه فينطلق في عوالم السماوات. الزهراء(عليها السلام) كانت النموذج المتكامل في شخصة المرأة الحية التي تعيش في هذه الارض لتنطلق إلى السماء.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية في التصور الإسلامي لشخصة المرأة المسلمة:
1. الرويات 2. الدليل العقلي 3. الواقع الذي نعيشه
فإذا كان الظاهر من الروايات ان المرأة أن تعالج بنحو معين وإذا أبى الواقع أن يعطينا صورة واضحة فلا شك أن هناك مسلمات عقلية تكون حاكمة في ميادين معرفة شأن المرأة. فمن المسلم عقلا أن المرأة صنو الرجل إنما وجدت في هذه المرحلة الوجودية لتسلك مايسلكه في طريق الكمال والمعرفة. الزهراء كانت تمثل مجموعة حصيلة هذا الدلائل الثلاث لشخصة المرأة الناصعة فإذا قصر التاريخ في توصيل الصورة التامة إلا أنه خدمنا في نقل بعض خطب الزهراء الذي يحكي عن هذا التكامل.
فلو نظرنا نظرة مختصرة في الخطبة التي ألقتها الزهراء(عليها السلام) في مسجد أبيها(صلى الله عليه وآله) نلاحظ أنها استعرضت الحركة الإسلامية في ذلك اليوم وهو كاشف عن معايشة لكل جزئيات هذه الحركة مما يحكي عن فهم عن مكونات هذه الحركة وروح الحركة ومقاصدها وكم كانت الزهراء تعيش واقع وملابسات هذه الحركة وهي لم تكن تبلغ الثمانية عشر من العمر وهي تعي كل هذا الوعي وتعيش هذا الفهم ثم أنها استعرضت الاحكام الشرعية واركان الدين وفروعه وفصلت فيها.هذا اللون من الاستيعاب يحكي عن شخصية متكالمة وهم رفيع فهي لم تكن تعيش في هم البيت والمطبع بل كانت تعيش هم الحركة الانسيانية وهو يكشف لنا كم انها عانت وتأذت بعد فقد الرسول(صلى الله عليه وآله) فهي عاشت في كل حياتها هم الحركة الإنسانية وّا كان رسول الله أرشل رحمة للعالمين فهي بلا شك امل الإنسانية للنجاة في الآخرة