بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وبه نستعين
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعجّل فرجهم وفرجنا بفرجهم
اللهـم ثبّـتنا عـلى القـول بأمامتهـم فـي زمـن غيبـة قائمهـــم
اللهـم اجعلنـا مـن انصــاره واعـوانـه يـوم ظـهـوره وقيــامـه
رواية وتأمّل فيها
حدثنا محمدبن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال: حدثنا محمدبن يعقوب الكليني قال: حدثنا القاسم بن العلاء قال: حدثنا إسماعيل بن علي القزويني قال: حدثني على بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمدبن قيس، عن ثابت الثمالي، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال:*
فينا نزلت هذه " وجعلها كلمة باقية في عقبه " والامامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى يوم القيامة.
وإن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الاخرى، أما الاولى فستة أيام، أوستة أشهر، أو ستة سنين(1)
وأما الاخري فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الامر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا ، وسلم لنا أهل البيت .
------------------------------
(1) : قال العلامة المجلسي - ره -: قوله عليه السلام: " فستة أيام " لعلها اشارة إلى اختلاف أحواله عليه السلام في غيبته، فستة أيام لم يطلع على ولادته الا خاص الخاص من أهاليه عليه السلام، ثم بعد ستة أشهر اطلع عليه غيرهم من الخواص، ثم بعد ست سنين عند وفاة والدة عليه السلام ظهر أمره لكثير من الخلق.
أو اشارة إلى أنه بعد امامته لم يطلع على خبره إلى ستة أيام أحد، ثم بعد ستة أشهر انتشر أمره، وبعد ست سنين ظهر وانتشر أمر السفراء.والا ظهر أنه اشارة إلى بعض الازمان المختلفة التى قدرت لغيبته وأنه قابل للبداء.
ويؤبده ما رواه الكليني باسناده عن الاصبغ في حديث طويل قد مر بعضه في باب أخبار أمير المؤمنين عليه السلام " ثم قال: قلت: يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة؟ فقال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين، فقلت: وان هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، وأني لك بهذا الامر يا أصبغ اولئك خيار هذه الامة مع خيار أبرار هذه العترة، فقلت: ثم مايكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله مايشاء، فان له بداءات واردات وغايات ونهايات " فانه يدل على أن هذا الامر قابل للبداء والترديد قرينة ذلك والله يعلم - انتهى.
___________________________________
اقــــول : الرواية اعلاه واحدة من الروايات الشريفة التي تتحدث عن فتن وامتحان الناس وخصوصا أمة الاسلام في دينهم في آخر الزمان وفترة الغيبة الكبرى .
وهي ذات مضمون يشترك مع مضامين روايات كثيرة تركز على هذه الفتن والامتحانات والابتلائات الصعبة والخطيرة والممتدة لدهور طويلة وحيرة تصيب الناس واختلاف كثير بينهم .
ولعله وقبل الدخول في عمق مضمون الرواية لا بد من الاشارة الى مسئلة وهي ان عنوان واسم "المهـدي " في الدين الاسلامي هو ثابت عند جميع المذاهب الاسلامية وليس من خصوصيات مذهب آل البيت ع . ولكن هناك اختلافات بينهم ، فمنها واهمها فيما يخص هذا الطرح هو ان شيعة ال البيت ع تعتقد بإمامة المهدي وانه من العترة ( الثاني عشر ) المنصوص عليهم وهو حجة الله على خلقه كحال بقية آبائه الاوصياء عليهم السلام اجمعين . وانه ولد وغاب غيبتين احداهما الصغرى ، والاخرى هي الكبرى والتي لا زالت قائمة ومستمرة الى يوم ظهوره الموعود ، فهو عليه السلام حي يرزق .
في حين عند اهل بقية المذاهب السنية يعتقدون بانه انسان سيولد في آخر الزمان ، وليس بمرتبة المعصوم ولكن هو ولي لله يمهد له امره ويظهر به دينه ( علما ان في بعض كتبهم تبين خلاف اعتقادهم وإدعائهم هذا ! )
ناتي بعد هذه المقدمة المهمة التي ثبتناها الى المقطع المهم الذي يحتاج الى تامل وعمق في التفحّص ،
وهو قول المعصوم ع : ( وأما الاخري فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الامر أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت )
- قوله عليه السلام ( فيطول امدها حتى يرجع عن هذا الامر )
اقول : " فهذا الامر" هو أمر وعنوان المهدي في آخر الزمان الذي بشر به الرسول الخاتم وثبت عند جميع المذاهب الاسلامية . والرجوع عنه هو انكاره او اليأس منه .
- قوله عليه السلام ( أكثر من يقول به )
اقول : فهو جامع مشترك بين جميع المذاهب القائلة به ، اي اهل السنة واتباع مذهب آل البيت . وحيث انه ثابت عندهم جميعا ، فلا مرجّح (بحدود المقطع اعلاه ) أن يكون اغلب الراجعين من فرقة دون أخرى إلا بمخصص من نفس الرواية او روايات أخرى ، وكما سنبين تباعاً .
- قوله عليه السلام ( فلا يثبت عليه إلا من قوى يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت )
اقول : "ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت " هـي عبارة تحاكي عبارة القرآن ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
أي صِحّت ايمانهم ( وليس تمام أيمانهم ) مرهونة هنا بقبول حكم الرسول الذي هو حكم الله ، والتسليم له وهو التسليم لله . وكما يجري مع شأن الرسول يجريه الامام المعصوم ع بحق اصحاب او اهل الاعتقاد بمهدي آخر الزمان من أمة الاسلام بمختلف مذاهبها .*
هذا الحال والمعنى المهم والخطير عقائدياً اعلاه لا يثبت عليه على حد تعبير المعصوم ع إلا من : ( من قوى يقينه وصحت معرفته ) .
فمن هؤلاء الذين يمكن ان ينطبق عليهم وصف المعصوم ع " مَن قوى يقينه وصحّت معرفته " عند امة الاسلام بجميع مذاهبها والتي كما اسلفنا جميعها تعتقد وثابت لديها عنون المهدي في آخر الزمان !!!
بالطبع وكما معلوم ، فكلما ارتفع مقام وقدسية الشيء يكون التمسك بها والثبات عليها اشد مما دونها .
ولذلك نجد ان حقيقة الايمان في الاية السابقة الذكر اعلاه ارتهنت عند اصحاب النبي ص بقبوله وقبول ما يستتبع من حكمه والرضوخ اليه والتسليم المطلق ! وهذا لا يكون الا بمقدمة اعتقادية تستوجب أيمان اصحابه به قولا وفعلا !
فإذا رجعنا الى معتقد اهل السنة الظاهر عنهم في عنوان المهدي في آخر الزمان ، فهو في احسن احواله عندهم رجل وولي من اولياء الله الصالحين ليس معصوما ( اي قد يصيب ويخطأ ) ولكن الله يمهد له ويفتح على يديه ويحقق الوعد . وهذا النوع من الاعتقاد لا يعطي صفة القدسية الكبيرة لشخصه ورفعة المقام الخاص وإنْ تعترف بكبير دوره ! فإذا اضفنا الى ذلك حقيقة مهمة وخطيرة واساسية تظهر اهميتها هنا وهي ثبوت دوام بقاء حجة الله في الارض وفي كل زمان ، ولا تخلوا الارضمن حجة ، ومن لم يعرف إمام زمانه مات ميته جاهلية ! فان محصلة هذه الثوابت الاعتقادية المهمة تجعل حياة الانسان بدونها تائهة متحيرة تحكمها الاهواء وتفقد الامل لانها تفقد حقيقة مهمة ثبتها الله كسنة دائمة في حياة الناس على طريق هدايتهم فضلا عن ضرورياتها الاخرى .
في حين وبالمقابل عند معتقد اتباع ال البيت ع ، فالمهدي في آخر الزمان هو الامام المعصوم الثاني عشر من عترة الرسول الاطهار الذين جعلهم الله حجة على خلقة وفرض على الناس طاعتهم والاقتداء بهم . ولا يصح الايمان الا بالايمان بهم ولا تقبل الاعمال الا بولايتهم .
وهذا يعطي اعلى درجات القدسية ورفعة المقام للمهدي ع في معتقد الشيعة اتباع مذهب آل البيت ع
وهذا ينعكس على اعتقادهم وايمانهم بالمهدي ايضا ، ودرجة تمسكهم بهذا الاعتقاد بلا شك ستكون اقوى بكثير من بقية المذاهب الاخرى .*
وعليه ومحصلت ما سبق سيكون ( حتى يرجع عن هذا الامر أكثر من يقول به ) هم الاكثرية من اهل الاعتقاد الاضعف بمقام وقدسية المهدي ع . لان عنوان الامامة اصلا ضعيف ومنحرف ومتحير على طول خط زمان اعتقادهم
فإذا اشتدت الفتن وعظم البلاء وصَعُب الامتحان وخضع الجميع للتمحيص ، خرج من الغربال بسهولة الاضعف ايمانا بالمهدي ع . ومن هنا نستطيع استخراج المرجح الذي سيشمل فئة اكثر من غيرها اي اهل المذاهب الاخرى مقابل مذهب اهل البيت ع ، فيكون الاولى (بقوة اليقين وصحة المعرفة ) حسب تعبير المعصوم ع ، هو من كان اعتقاده بالمهدي ع يطابق الفهم الاسلامي الصحيح الذي اخبر به الرسول ص عن الله تعالى ، وهو ما عليه اتباع مذهب ال البيت عموما فتأمل .
واكدت الروايات مقام من يحمل هذا الاعتقاد الشريف كما في الرواية التالية عن الامام زين العابدين ع : ( ... إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لان الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ماصارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، اولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله عزوجل سرا وجهرا.
وهذا ما يعلل عنوان مضمون ذلك الياس الذي سيصيب البشرية عموما والكثير من اهل امة الاسلام خصوصا بالفرج والمخرج من المحن ومنها الظهور المقدس للامام المهدي ع في آخر الزمان عند اشتداد الفتن والبلاء . خاصتا عند اهل الاعتقاد المنحرف والاضعف والبعيد عن حقيقة مقام وقدسية المهدي ع .
بل ! ولعل فتن وشدائد وتمحيص آخر الزمان قبل الظهور المقدس للمهدي ع تنال حتى من ينسب في اعتقاده الى مذهب آل البيت ع ! لان ليس الانتساب الى مذهب ال البيت ع هو يستلزم نفس درجة شدة الاعتقاد علما وعملا عند جميع اهل هذه الملة ! ولقد اشارت مضامين روايات كثيرة الى اختلاف الشيعة فيما بينهم والى سقوط الكثير منهم في فتن اخر الزمان وفشلهم في الامتحان والانحراف .
ولقد ورد في الروايات الكثير من هذه المضامين نختار منها التالي :
1- عن إبراهيم بن هليل عن أبي الحسن الكاظم (ع) قال له: (أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل ثم صعر كفه )
اقول : الضمير في ( منكم ) لعل الظاهر منه يعود الى اصحاب الامام ع الذين من شيعته ، وهذا اذا صحّ فهو مصيبة وابتلاء كبيرين تجعل المسلم المؤمن ويفزع ويتأمل كثيرا !
2- وعن الإمام الرضا (ع) قال: ( والله لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر ) ثم قرأ قوله تعالى : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) .
اقول : والضمير في ( اعناقكم ) تعود ظاهرا الى اتباع مذهب ال البيت ع الذي يخاطبهم بخصوص من ينتظرونه في آخر الزمان ، ومما يؤكد ذلك قرينة الاية التي استدل بها الامام المعصوم ع لان من يدّعي الايمان بالمهدي ع وخاصة بحسب معتقد مذهب ال البيت ع الذين يصح عليهم عنوان الايمان بحسب الفهم القراني والروائي اكثر من غيرهم ، سوف يكونوا بمحل الاختبار والامتحان والتمحيص لهذا الايمان الذي يدّعوه .
لذلك وإن كان حال اهل مذهب ال البيت ع احسن بكثيرا جدا من بقية المذاهب ، فهم ليس بمعزل عن الامتحان والتمحيص واحتمال الفشل ، وكما اخبرت وحذّرت منه الروايات .
والله اعلم
الباحث الطائي
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 10-07-2016 الساعة 07:05 PM.