1- الوعد : تبدأ الاية الكريمة بوعدٍ إلهي ( وعد الله ) ، ومعلوم وثابت في القرآن أنّ الله لا يخلف ما وعد ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) ،،، ( وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
2- متعلق الوعد واختصاصه : تعلق الوعد الإلهي واختص بـ " الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " حيث انّ كلمة " مِنْكُمْ " تخرجه من العام وتخصصه بفئة من المؤمنين لا عامة المؤمنين لان ( من ) تفيد التبعيض لغتاً .
ثم تعطي الاية لمن تعلق به الوعد من بعض الذين آمنوا وتضيف اليهم صفة ثانية وهي ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
3- مضمون وتفاصيل هذا الوعد :*
اولا - لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ،،،وجدت افضل من فسرهذا المقطع كما يلي : *(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ) أي يجعلهم خلفاءه في أرضه (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، والمراد من المستخلفين من قبلهم إمّا مطلق أنبياء الله ورسله وأوصيائهم نظير قوله تعالى في آدم مخاطباً ملائكته ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي اْلأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة/31] وكقوله في داود مخاطباً له ( يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) [ص/27] وكقوله تعالى مخاطباً خليله إبراهيم ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة/125]، وكقوله تعالى في بعض رسله وأنبيائه ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء/74]، أو المراد من المستخلفين من قبلهم – ولعلّه هو الأولى – بعض الأنبياء الماضين الذين أهلك الله قومهم الكافرين والفاسقين منهم وأنجاهم مع المؤمنين الصالحين من اتباعهم كنوح وهود وصالح وشعيب وأمثالهم “ كما أخبر الله عن ذلك بقوله تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ اْلأَرضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم/14-15]. ... انتهــــــى ،،، اقول وحيث انه وعد الهي لخصوص بعض المؤمنين من اهل الاستخلاف الذين هم كأمثال الانبياء والرسل والاوصياء فهذا يرجح الاحتمال الثاني المذكور في النقل اعلاه اكثر من الاول الذي هو عموم الاستخلاف على الارض كاساس وسنة الهية ثابته وسيتبين ذلك اكثر لاحقا .
ثانيا - وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ،،، المضمون الثاني للوعد الإلهي وبعد وعده تعالى باستخلافه المؤمنين في ارضه كما جرت في سنن الامم الاخرى وما ثبت من تحقق وعده فيهم . فان الله سيمكن لهم دينهم الذي ارتضى ، ولمّا اتصف هذا الدين المذكور برضى الله خاصة وهو المقبول عند الله فان مصداق هذا الدين المرضي في الامة الاسلامية المحمدية الخاتمة نجدها في قوله تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ،،، ومعلوم مما ثبت روائيا ان الاية ومضمونها نزلت في حق علي امير المؤمنين بعد تنصيبه من قبل الله ورسوله وليا واماما عاما للمسلمين وبذلك كمل الدين الاسلامي المحمدي الخاتم بالولاية ، وهي ولاية الإئمة الاطهار ، وارتضى الله لهم هذا الدين ، فتأمل*
هذا الفهم يخصص الاية الكريمة بوعد الهي يجري في امة محمد ص كما جرى في الامم السابق بان يستخلف الله الذين امنوا وعملوا الصالحات وهم خصوص امة محمد من المستخلفين في الارض وهم العترة الاثني عشر الطاهرين ومن اتبعهم باحسان من اهل الدين الذين ارتضـــى الله وهو الايمان بالله ورسوله وطاعتهما والايمان بولاة الامر من بعد رسول الله وطاعتهم لانهم حجج الله وكما ثبت ذلك في قوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) .
اذن هذا الوعد الإلهي الذي هو لمن سوف يستخلفه الله في ارضه ممن ارتضاهم( المستخلفين ) وارتضى دينهم ( من آمن بالمستخلفين ) ، سيكون في مضمونه تحقق " التمكين " بعد الغلبة عليهم واقصائهم ، وهذا يدخل في ملاحم القرآن وآفاقه المستقبلية الغيبية لم نجد لها تحققا فيما مضى ودللت الروايات عند جميع المذاهب بما يفيد بتحقق مصداقه ( هذا على الاقل اذا لم يكن هو نفسه قصدا كما يفهمه الشيعة الاثني عشرية ) في آخر الزمان على يدي المهدي المنتظر سواء ممن قَبِلَ فهم الاية كما فهمناها او لا .
ثالثا - وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ،،، يزيد هذا المقطع المعطوف على ما سبق كون هؤلاء الذين ارتضى الله دينهم وتعلق بهم الوعد الإلهي بالاستخلاف كما استخلف الذين من قبلهم في اممهم ، حالهم قبل استخلافهم بانهم يتصفون بالخوف ، وحيث ان القضية والموضوع هو في الدين فان متعلق الخوف هو اعتقادهم الديني ، وعلمنا مما سبق اعلاه بان الله اختص وعده في هذه الاية بالذين ارتضى دينهم وفي امة محمد ص هم الذين امنوا بتمام وكمال الدين وذلك هو الايمان بالولاية ( ولاية العترة الاثني عشر واولهم علي امير المؤمنين ) ، فان مصداق واصدق من ينطبق عليهم صفة الخوف هنا هم انفسهم ولاة الامر ثم الامثل فالامثل ممن اتبعهم واطاعهم وكان على مثل عقيدتهم .
ولا شك ولاشبهة بان التاريخ ثبت ان ال البيت ع جميعا كانوا يعيشون تحت الظلم والقهر والخوف الذي تسلط عليهم من جبابرة زمانهم وتم اقصائهم ومن ثم قتلهم جميعا ( عدى بقية الله المهدي الغائب ) وكذلك الحال جرى على شيعتهم . ولا زال النزاع والحال جاري منذ غيبة الامام الثاني عشر . ومستمرا الى يوم ظهوره وتحقق الوعد .
والله اعلم
الباحث الطائي
(( نتوقف قليلا ونكمل لاحقا ))
التعديل الأخير تم بواسطة الباحث الطائي ; 01-02-2017 الساعة 03:29 PM.