لِطَلِيقِ فِكْري في ذُراكَ مُكَبِّلُ
وأراكَ مَغْنى ما أَزُجُّ مِنَ الثَّنا
نَظْماً و إيماءً عَلَيْكَ أُدَلِّلُ
و لأنتَ عَيْنُ مَعِينِ كُلِّ رَوِيَّةٍ
بِدُموعِ ناظِمِها طِلاً تَتَكَحَّلُ
لم أقتَبِسْ مِن قاعِ قَلْبي جَذْوَةً
إلا و أنتَ بِها الشِّهابُ الأجْدَلُ
كَلا ولَنْ أُبْدي لِغَيْرِكَ هِمَّتي
ما دُمْتَ أنت مِنَ الهُمومِ الأطوَلُ
ومِنَ الهَوى دارٌ يَحِلُّ بها الفَتى
في الحِلِّ والتَّرْحالِ لا تَتَبَدَّلُ
وَطَنٌ بِهِ الزَّهْراءُ حَطَّ جَلالُها
فَفِداءُ تُرْبَتِهِ الوُجودُ الأَكْمَلُ
أَصْلُ النبوَّةِ و الوِلا يُنْبِيكَ عَن
إجلالِها مَلَكٌ و يَشْهَدُ مُرْسَلُ
هي روحُ حَيْدَرَةٍ و مُهْجَةُ أَحمدٍ
بَل إنَّها الخَلْقُ الكَريمُ الأَوَّلُ
خَيْرُ النِّسا بَلْ خَيْرُ مَنْ وَطِئَ الثَّرى
مِنْ دونِها رُفِعَ السِّماكُ الأعْزَلُ
عَنَّتْ لها الأَيامُ فَهي شَواهِدٌ
تَمْضي على آياتِها فتُبَجِّلُ
آلاؤُها هِبَةُ الحَياةِ و فَضْلُها
في الكائِناتِ على المَدى مُتَطَوِّلُ
ولأجْلِها ابتَلَجَ الصَّباحُ و نورُهُ
و اسوَدَّ ليلٌ في المجرةِ أليَلُ
ولحبِّها خَلْقُ الجنانِ وسُعِرَتْ
نارٌ لشانِئها تشوه و تنكِلُ
سادَ الورى أجدادُها وبها على
أجدادِها أبناؤُها قد فُضِّلوا
والدرُّ كلٌ في الجمالِ مُصدرٌ
لكن يَزينُ الدرَّ ما هو أجملُ
خَلْقٌ ولكن فَوْقَ كُلِّ خَلِيقَةٍ
جَلَّتْ فَمَعْناها البَعِيدُ المُعضِلُ
سَلْ "هل أتى" أوَ هَلْ أتى بِمِثالِها
دَهْرٌ يَجُودُ على الأنامِ ويَبْخَلُ
هي آيةُ القُرْبى و شَرعُ وِدادِها
فرضٌ به مِنّا الفَرائِضُ تُقبَلُ
هي ليلة قد جَلَّ قدساً قدرُها
فيها الملائكُ بالقضاءِ تَنَزَّلُ
وكذاك تَرْبُو أَلْفَ شَهْرٍ مِثْلَما
هي مِنْ جَمِيعِ الخَلْقِ طُراً أَفْضَلُ
الطُّهرُ نَفساً و الرَّضِيَّةُ رُتبَةً
أبَداً و أزكى ما يكونُ و أنفَلُ
جَمَعت صِفاتَ الأنبياءِ فكلُّهم
مِنها على قَدَرٍ يَرومُ و يَنهلُ
والكلُّ ما نزَلَ القضاءُ بِساحِهِ
في النائِباتِ بفضلها يَتَوَسَّلُ
وشَفِيعَةٌ في الحَشْرِ يَوْمَ وُقوفِهِمْ
والكُلُّ يَرْجوها هُناكَ و يَأْمُلُ
جَهِلَ الوَرى مِقدارَها فَتَراهُمُ
يَتَصاوَلُونَ بِها و كُلٌ أعْزَلُ
فالبَعْضُ عن سَفَهٍ يَقولُ و يَدَّعي
والبَعْضُ يَخْبِطُ كالعَشِيِّ و يخطِلُ
والكلُ في دَرَكٍ تربَّصه الردى
فيه العقولُ عن البصائر تذهَلُ
جلَّت فدقَّت في النفوسِ فضاق عن
إدراكها عقلٌ وضلَّ مُضلَّلُ
أبداً كمثلِ الشَّمسِ يُبديها الضيا
وعن العيونِ بضوئها تتسربلُ
مفطومة عن كلِّ رجسٍ كُنهُها
سرٌّ لدى علمِ الإله مجلَّلُ
هي سرُّ بارئها و محض جلالِهِ
ومِثالُهُ الأعلى الذي لا يُعدَلُ
هي رُكنُ رحمتِهِ وغايةُ جودِه
و جَنابُ رأفتِهِ البَهِيُّ المُؤثَلُ
والحجَّةُ الكُبرى على حججِ الورى
من عِلمِها نَهَلوا و عنها أَنْهَلوا
فاللَّوحُ مما تحتويهِ علومُها
يبدي على صَفَحاتِهِ و يُسَجِّلُ
مَلَكت زِمامَ العالَمِين فأمرُها
فصلٌ لدى سمةِ القضاءِ و فيصلُ