العبّاس بن علي عليهما السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام
بتاريخ : 30-08-2006 الساعة : 12:37 AM
ولادته ونشأتهُ
وقبل أن أتحدّث عن ولادة أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ونشأته أعرض ـ بإيجاز ـ إلى نسبه الوضّاح ، ذلك النسب الكريم الذي كان له الاَثر التام في بناء شخصيته العظيمة ، وتكوين سلوكه المشرّف القائم على الشرف والفضيلة وفيما يلي ذلك:
نسبه الوضّاح
ليس في دنيا الاَنساب نسبٌ أسمى ، ولا أرفع من نسب أبي الفضل فهو من صميم الاَسرة العلوية ، التي هي من أجلّ وأشرف الاَسر التي عرفتها الاِنسانية في جميع أدوارها ، تلك الاَسرة العريقة في الشرف والمجد ، التي أمدّت العالم العربي والاِسلامي بعناصر الفضيلة ، والتضحية في سبيل الخير ، وما ينفع الناس ، وأضاءت الحياة العامة بروح التقوى ، والاِيمان ، وهذا عرض موجز للاَصول الكريمة التي تفرّع قمر بني هاشم ، وفخر عدنان منها.
الأب:
أمّا الأب الكريم لسيّدنا العباس ( عليه السلام ) فهو الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،
وصيّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وباب مدينة علمه ، وختنهُ على حبيبته ، وهو أول من آمن بالله ، وصدّق رسوله وكان منه بمنزلة هارون من موسى ، وهو بطل الاِسلام ، والمنافح الاَول عن كلمة التوحيد ، وقد قاتل الاَقربين والاَبعدين من أجل نشر رسالة الاِسلام وإشاعة أهدافه العظيمة بين الناس ، وقد تمثلت بهذا الاِمام العظيم جميع فضائل الدنيا ، فلا يدانيه أحد في فضله وعلمه ، وهو ـ بإجماع المسلمين ـ أثرى شخصية علمية في مواهبه وعبقرياته بعد الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو غنّي عن البيان والتعريف ، فقد استوعبت فضائله ومناقبه جميع لغات الاَرض... ويكفي العباس شرفاً وفخراً أنّه فرع من دوحة الاِمامة ، وأخ لسبطي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
الاُم:
أمّا الاَم الجليلة المكرّمة لاَبي الفضل العباس ( عليه السلام ) فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد.. ، وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب ، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الاَضياف ، وأما أسرتها فهي من أجلّ الاَسر العربية ، وقد عُرفت بالنجدة والشهامة ، وقد أشتهر جماعة بالنبل والبسالة منهم:
1 ـ عامر بن الطفيل:
وهو أخو عمرة الجدة الاولى لاَمّ البنين ، وكان من ألمع فرسان العرب في شدّة بأسه ، وقد ذاع اسمه في الاَوساط العربية وغيرها ، وبلغ من عظيم شهرته ان قيصر إذا قدم عليه وافد من العرب فان كان بينه وبين عامر
نسب عظم عنده ، وبجّله وأكرمه ، وإلاّ أعرض عنه.
2 ـ عامر بن مالك:
وهو الجدّ الثاني للسيّدة أمّ البنين ، وكان من فرسان العرب وشجعانهم ولُقّب بملاعب الاَسنّة لشجاعته الفائقة ، وفيه يقول الشاعر:
يلاعب أطراف الاَسنة عامر * فراح له حظّ الكتائب أجمع
وبالاِضافة إلى شجاعته فقد كان من أُباة الضيم ، وحفظة الذمار ومراعاة العهد ، ونقل المؤرّخون عنه بوادر كثيرة تدلّل على ذلك.
3 ـ الطفيل:
وهو والد عمرة الجدّة الاَولى لاَمّ البنين كان من أشهر شجعان العرب ، وله أشقّاء من خيرة فرسان العرب ، منهم ربيعة ، وعبيدة ، ومعاوية ، ويقال لاَمّهم (أمّ البنين) وقد وفدوا على النعمان بن المنذر فرأوا عنده الربيع بن زياد العبسي ، وكان عدوّاً وخصماً لهم ، فاندفع لبيد وقد تميّز من الغيظ فخاطب النعمان:
يا واهب الخير الجزيل من سعة * نحن بنو أمّ البنيـن الاَربـعة
ونحن خير عامر بن صعصعة * المطعمون الجفنـة المدعدعة
الضاربون الهام وسط الحيصعة * إليك جاوزنا بـلاداً مسبعـة
تخبر عن هـذا خبيراً فاسمعه * مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
فتأثّر النعمان للربيع ، وأقصاه عن مسامرته ، وقال له:
شرّد برحلك عنّي حيث شئت ولا * تكثر عليَّ ودع عنك الاَباطيلا
قد قيل ذلك إن حقاً وان كذبا * فما اعتذارك في شيء إذا قيلا
ودلّ ذلك على عظيم مكانتهم ، وسموّ منزلتهم الاجتماعية عند النعمان فقد بادر إلى اقصاء سميره الربيع عن مسامرته.
4 ـ عروة بن عتبة:
وهو والد كبشة الجدّة الثانية لاَم البنين ، وكان من الشخصيات البارزة في العالم العربي ، وكان يفد على ملوك عصره ، فيكرّمونه ، ويجزلون له العطاء ، ويحسنون له الوفادة(1).
هؤلاء بعض الاَعلام من أجداد السيّدة الكريمة أمّ البنين ، وقد عرفوا بالنزعات الكريمة ، والصفات الرفيعة ، وبحكم قانون الوراثة فقد انتقلت صفاتهم الشريفة إلى السيّدة أمّ البنين ثم منها إلى أبنائها الممجدين.
قِران الاِمام بأمّ البنين:
ولما ثكل الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بوفاة بضعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وريحانته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) ندب أخاه عقيلاً ، وكان عالماً بأنساب العرب أن يخطب له امرأة قد ولدتها الفحول ليتزوّجها لتلد غلاماً زكياً شجاعاً لينصر ولده أبا الشهداء في ميدان كربلاء(2) فأشار عليه عقيل بالسيّدة أمّ البنين الكلابية فانّه ليس في العرب من هو أشجع من أهلها ، ولا أفرس ، وكان لبيد الشاعر يقول فيهم: « نحن خير عامر بن صعصعة » فلا
ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الاَسنّة أبو براء الذي لم يعرف العرب مثله في الشجاعة(1) ، فندبه الاِمام إلى خطبتها ، وانبرى عقيل إلى أبيها فعرض عليه الاَمر فأسرع فرحاً إليها فاستجابت باعتزاز وفخر ، وزفّت إلى الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد رأى فيها العقل الراجح ، والاِيمان الوثيق وسموّ الآداب ، ومحاسن الصفات ، فأعزّها ، وأخلص لها كأعظم ما يكون الاِخلاص.